أزمة القرار القومي الكردي
“أعطني قراراً سياسياً كوردياً مستقلاً في سوريا, أعطك سبيل الحلّ”.
د. سربست نبي*
يعدّ “اللاشخص” في رواية) جورج أورويل1984( كائناً نافلاً لا قيمة له، أو أن مجرد وجوده بالنسبة للسلطة يعتبر تهديداً محتملاً، وبهذا الحسبان تميل إلى إعدامه ونفي وجوده. هذه الصفة أو المكانة أسبغتها الدول الغربية بعد الحرب الكونية الأولى على الكورد بوصفهم( لا شعب). أو أمة لاتاريخية بحسب التعبير الهيغلي الأثير. وهذا يعني أنه يمكن الاستغناء عن وجود هذه الجماعة البشرية، النافلة وغير الضرورية، وعن دورها، نظير الهنود الحمر من على مسرح التاريخ البشري، لدى إعادة تقسيم النفوذ والأدوار في العالم. وإعادة إنتاج كيانات سياسية أخرى على حساب طمر هويتها وتبديد وجودها، طالما وأن هذا الوجود يشكل تهديداً محتملاً لها مستقبلاً. وهذا ما تحقق بالفعل بالنسبة لمصير الكورد في الشرق الأوسط طوال قرن من الزمان. ولم يكن هذا الأمر عرضاً، إذ شاءت الإرادات الإمبريالية أن تتجاهل وجودهم ومحنتهم وتضحياتهم طوال هذه الحقبة الطويلة.
تختزل أزمة القرار القومي أزمة المشروع القومي الكوردستاني برمته. فما يعانيه المشروع القومي ليس مجرد مأزق تاريخي مؤقت وعابر، إنها أزمة المشروع نفسه، التي نشأت مع ولادة القضية الكوردية، بشكلها الراهن، في بدايات القرن العشرين وضمن شروط جيوبولوتيكية جديدة، تتعلق بتقسيم جغرافية كوردستان ضمن أوقيانوس، عربي، تركي فارسي.
لقد فرض تشظّي الجغرافيا القومية تشظيّاً مماثلاً على مستوى القرار السياسي القومي وألقى بظلاله على مصير المشروع القومي نفسه، فبات محكوماً بهذا الواقع السياسي القاسي، إذ قيّدت إرادة الكوردي بسلاسل صدئة من العبودية والقهر إلى جباله، مثلما قيّد برومثيوس إلى جبال أولمب، وتسلطت عليه دول الجوار الأربع التي راحت تنهب ماضيه وتلتهم أحشاء حاضره وتستبد بمصيره ومستقبله.
على الصعيد الكوردي، في روژآفاي كوردستان، فقد تمّ مصادرة القرار القومي وتسليمه مجاناً لحفنة من العنصريين والمتطرفين الإسلاميين، ولم يكن هذا نتاج مصادفة عابرة, بل جرت تسويات خفية ومقصودة, ستكون أقل نتائجها ضرراً هي أن تدفع بالقضية الكوردية إلى خلف المشهد و وراء الاهتمامات الراهنة, وسيحكم عليها ربما بالنسيان, أو تلحق بأجندات صغيرة غير ذي أهمية وقيمة. ووثيقة ديمستورا الأخيرة تؤكد ما نحن بصدده. ثمة مقامرة بخسة أيضاً بالقرار القومي وبإرادة الشعب الكوردي من جانب سياسيين صغار, ربما لايدركون نتائج فعلتهم، لكن من المؤكد إن ورقة ديمستورا ستكون الكفن الذي تدفن به القضية الكوردية في غرب كوردستان. ولن يكون أمام هؤلاء، مدعي التمثيل الكوردي سوى تلاوة تراتيل الدفن عليها.
المشكلة الكوردية هي بالدرجة الأولى, مشكلة كوردية- كوردية, وهي في ذات الوقت تفتقر إلى قرار وإرادة مركزيتين, إنما تعبث بها إرادت عديدة وأيدٍ خفية كثيرة تستحكم بأيادي ضعيفة ظاهرة هنا وهناك.
الساسة الكورد لم يتعظوا من دروس التاريخ والسياسية, وبرهنوا مرة أخرى على فشلهم الذريع في تمثيل قضية الشعب الكوردي القومية. إن غياب الخطاب السياسي المشترك, الفشل في تأسيس القرار القومي المستقل, عدم وجود نخبة سياسية قادرة على الاستقطاب والقيادة, كلها ملامح أصيلة للأزمة الخطيرة التي تواجها القضية الكردية في سوريا. مما جعلها عرضة للاختراق الخارجي, وللاستباحة من جهة القوى المعادية للقومية الكوردية. نصف قرن من العجز السياسي, وخمس سنوات تاريخية حاسمة, أثبتت فشلها وعجزها.
كان الحفاظ على استقلال القرار القومي في غرب كوردستان سيكون أهم من أيّ إنجاز سياسي ممكن حتى هذا الوقت. ولهذا الغرض عدّ انضمام أحزاب المجلس الوطني للائتلاف دليلاً على فشله في تمثيل القضية الكوردية في غرب كوردستان. إن هذا الانضمام الذي كان متسرعاً ومتهافتاً، لم يكن الهدف منه ضمان الحقوق القومية, على العكس من ذلك فماتم الاتفاق عليه كان هدراً للحقوق. وكان الغرض الجوهري منه هو تحقيق بعض الانتصارات الحزبية الضيقة والتافهة على حساب مصالح الشعب الكوردي وحقوقه. هذا الانضمام كان على الضد من إرادة الشارع الكوردي السياسية. ومقامرة بوجوده في ظل التحديات الإقليمية المستجدة، ودليل قراءة خاطئة للموقف السياسي الراهن. بقاء الكورد كقوة سياسية مستقلة, ذي إرادة سياسية وقرار مستقلين كان هو الأنفع بما لايقاس من هذا التهافت اللامجدي. ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ إن المجلس الوطني الكوردي بانضمامه إلى الائتلاف على النحو المتفق عليه كان خيانة أولاً لجميع المبادئ السياسية, التي أعلنها المجلس بالذات قبل أي اعتبار آخر.
إن أحد أهم أهداف الداعين إلى تمثيل كوردي في سياق الهيئات المعارضة الأخرى, دون الاعتراف بالتمثيل المستقل, كان هو تمييع الطابع السياسي المستقل للقضية الكوردية, والنظر إليها على أنها عتبة أو هامش على القضايا الأخرى, وفي نهاية المطاف حرمانها من أن تكتسب بعداً أو وزناً دولياً. وهذا ما سعت إليه أطراف إقليمية عبر تعاون وتهاون وتواطئ بعض المحسوبين على السياسة الكوردية السورية. فالسؤال الرئيس الذي كان يجب الإجابة عنه هو, هل القضية الكوردية متعلقة بوجود هذا النظام حتى نطمئن أن زواله سيفضي حتماً إلى حلها حلاً عادلاً, أم أنها تتعلق بالجذر السياسي والتاريخي المشوّه لتأسيس الدولة السورية؟ وهل ستنتهي مأساة الكورد في غرب كوردستان بنهاية هذا النظام؟ أشك في ذلك بعمق.
في الطريق إلى جنيف ٣ ستصادف نوعين من حملة الحقائب, لا وظيفة لهم لهم إلا حمل حقائب غيرهم. هناك من سيحمل حقائب الائتلاف على كتفه ويلهث وراءه, وهناك حملة حقائب( النظام). كلاهما سيكونان من الكورد, لأنه لن يكون لهم عمل آخر في( جنيف ٣). ويبدو أنهم لا يجيدون غير هذا العمل. حمل الحقائب عادة يختص بها العبيد والتوابع ممن لايجيدون القيام بأيّ عمل آخر. لقد ارتضوا لأنفسهم القيام بهذا العمل فقط, فلا يلوموا أحداً على ذلك, هم من اختاروا أن يكونوا حمالي حقائب ووجدوا أن في ذلك متعة تليق بهم. العبيد لايعلمون معنى الحرية ولايدركون الفارق بينها وبين التي يحيونها, ويجدون فيها ذروة فرحهم.
ختاماً أقول، متى نكون قادرين على التفكير من موقع مصالح كورديتنا في غرب كوردستان, دون أيّة زوائد وطنية مجردة؟ حينها أقول لكم: هنا رودوس انزل هنا
أعطني قراراً سياسياً كوردياً مستقلاً في سوريا, أعطك سبيل الحلّ.
*أستاذ في جامغة كويسنجق/كردستان العراق..
نُشر هذا المقال في العدد (40) من صحيفة buyerpress
2016/4/1
التعليقات مغلقة.