بعد خمس سنوات من الزلزال السوري.. إلى أين!؟

29

نعتقد انه اذا لم يأخذ المجتمع الدوليّ والدول الراعية هذه الممهدات بعين الاعتبار ولم تتدارك الاخطاء الفادحة التي حصلت في بداية العملية السياسية وبالتالي تشكيل وفد تفاوضيّ متوازن سيكون مصير جنيف ٣ كمصير كل المؤتمرات التي سبقته ولن يكتب له النجاح”.

الدكتور عبدالكريم عمر*

كريم عمر

بدأ الحراك الجماهيري السلمي السوري المطالَب بالحرية والكرامة من درعا في ربيع ٢٠١١ وسرعان ما امتدّ لكافة المدن والبلدات السورية، وشارك الكرد فيه منذ اسبوعه الأول، لأنهم جزء أساسي من المجتمع السوريّ ومن المعارضة الوطنية والديمقراطية, وهم أكثر من عانى من ظلم وجور الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا بعد انقلاب حزب البعث في ستينات القرن الماضي.

انحرفت الثورة السلمية عن مسارها نتيجة العنف والعنف المضاد وبروز الصراع الطائفي وعمليات القتل على الهوية ودخول الكتائب الراديكالية الاسلامية والارهابية على خط المواجهة بدعم وتأييد من دول إقليمية، تسعى لتحقيق أجنداتها, والتي هي بالضدّ من مصلحة الشعب السوري .

كرديا كانت هناك رؤيتين سياسيتين مختلفتين:

رؤية سياسية راهنت على التدخل الخارجي وبالتالي انضمت إلى المعارضة الخارجية المتمثلة بالمجلس الوطنيّ السوريّ وبالائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة فيما بعد والتي راهنت على التدخل الخارجيّ والقوى الإقليمية تركيا السعودية وقطر ورفعت شعار إسقاط النظام .

ورؤية سياسية أخرى كانت تعتقد بأن الأزمة في سوريا هي معقّدة ومركبة نتيجة لموقع سوريا الجيوسياسي وطبيعة النظام الطائفيّ وعمقه الاقليميّ والدوليّ، وانتهجت الخطّ الثالث, حيث بدأت بتنظيم المجتمع وبناء مؤسسات المجتمع المدني وانتخاب مجالس محلية وتشكيل وحدات حماية الشعب لحماية المنطقة بمختلف مكوّناتها، وكانت من نتائجها تحرير معظم جغرافية روجآفا من الاستبداد والارهاب والاعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية بين مختلف المكونات بعد التوافق على عقد اجتماعي، كنموذج قد يحتذى به في المناطق الأخرى لبناء سوريا الديمقراطية التعددية الفيدرالية. وقد استطاعت هذه الادارة المحافظة على السلم الأهلي والعيش المشترك، وعملت على ملئ الفراغ الأمنيّ والإداريّ, إضافة لتأمين مستلزمات الناس واحتياجات المجتمع اليوميّة.

ولضمان نجاح هذه التجربة, وتأمين حقوق الشعب الكرديّ, وكافة المكوّنات الأخرى, وبعد تحقيق المزيد من المكتسبات والإنجازات من النواحي السياسيّة والدبلوماسيّة والعسكرية، كان لابدّ من الانتقال من جغرافية روجآفا إلى كل الفضاء السوريّ والعمل مع القوى السياسية والفعاليات المجتمعية وممثلي المكونات المؤمنة بالحلّ السلميّ لقيادة عملية التغيير, وبالتالي للانتقال من حالة الاستبداد إلى النظام الديمقراطي، لذلك كان مؤتمر ديرك والإعلان عن

“مجلس سوريا الديمقراطيّ” كإطار سياسيّ جديد يعمل على توسيع قاعدته الجماهيرية والعسكرية ليشمل كل مساحة سوريا, وذلك لمواجهة الاستحقاقات السياسية, وكغطاء سياسي لقوات سوريا الديمقراطية.

لم نكن جزءً من الصراع الطائفي في البلد، ولم نسعى للسلطة واستبدال حاكم بآخر, بل ولم نكن جزءً من محاوره الاقليمية والدولية, واعتمدنا على إرادتنا الحرة وقوانا الذاتية وعلى دعم وتأييد شعبنا ومن كل المكونات، وكنا ومنذ بداية هذه الأزمة مع الحل السلمي, لذلك شاركنا في كل الاجتماعات والمؤتمرات التي انعقدت لوحدة المعارضة الوطنية ولوحدة رؤيتها السياسية وبالتالي للبحث عن مخرج للأزمة في سوريا, اعتبارا من مؤتمر القاهرة إلى مؤتمريْ ” موسكو وآسيتانا” وكنا مع مؤتمر “جنيف١و٢” ومع مسار “فيينا” ومخرجاته وأصدرنا بياناً باسم المنسقيّة العامة لروجافا, كما وجّهنا رسالة إلى ديمستورا بهذا الخصوص.

لكن وللأسف ونتيجة لتسليم ملف تشكيل الهيئة العليا للتفاوض إلى دول اقليمية هي بالأساس جزء من المشكلة وهي السبب في وصول الأزمة إلى ما آلت إليه بسبب تقديم الدعم والمساندة إلى الكتائب الراديكالية الارهابية كـ ” داعش والنصرة” وغيرهما، مما أدّى إلى تشكيل وفد لا يمثل كل السوريين، وتمّ إقصاء مكوّن أساسيّ من مكوّنات الشعب السوري وإرادة سياسية وجماهيرية وعسكرية انتصرت على الارهاب وهزمته كما حرّرت مناطق واسعة من جغرافية سوريا من الارهاب والاستبداد, وقدمت مشروعا لدمقرطة سوريا، مما أدى للوصول إلى طريق مسدود وفشل المحادثات في جنيف وتعليق المفاوضات قبل أن تبدأ.

ولنجاح العملية السياسية وانطلاق المسار التفاوضيّ ووضعه على الطريق الصحيح, لابدّ من تشكيل وفد معارضة وازن بعيداً عن الإقصاء والإبعاد والتهميش وبإشراف مباشر من الأمم المتحدة، ويفضل أن يكون متعدد الأطراف، إضافة إلى الضغط على الأطراف المعنيّة من أجل رفع الحصار على جميع البلدات والمدن السورية, والسماح بإدخال المساعدات الانسانية والاغاثية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وبصورة خاصة الأطفال والنساء، وضرورة وضع خطة عملية لوقف إطلاق النار تعتمد على تقسيم واضح للأراضي السورية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، والمناطق الواقعة تحت سيطرة القوى المؤمنة بالحل السياسي، والمناطق الواقعة تحت سيطرة المجموعات الارهابية بعد إصدار قائمة التنظيمات الارهابية التي كُلفت بها المملكة الأردنية الهاشمية استنادا إلى مخرجات جنيف٢، على أن تستثنى المناطق الواقعة تحت سيطرة المجموعات الارهابية من عملية وقف اطلاق النار.

نعتقد أنه إذا لم يأخذ المجتمع الدولي والدول الراعية هذه الممهّدات بعين الاعتبار ولم تتدارك الأخطاء الفادحة التي حصلت في بداية العملية السياسية سيكون مصير جنيف٣ كمصير كل المؤتمرات التي سبقته ولن يُكتب له النجاح .

وهنا لابدّ من التذكير باتفاق الهدنة الذي توصّلت إليه أمريكا مع روسيا في سبيل وقف الأعمال العدائية بين مختلف الأطراف باستثناء “النصرة وداعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي ستحددها الأمم المتحدة، كخطوة لبدء العمليّة التفاوضية يجب أن تتبعها الخطوات الأخرى وبصورة خاصة تشكيل الوفد الممثل لكل السوريين على اختلاف مكوناته، وإلا سيستمرّ نزيف الدم السوري طويلاً، ووقف إطلاق النار لن يكتب له النجاح؛ خاصة وإن الكتائب المتحالفة مع “النصرة” والتي تحاول الاختباء تحت راية “الجيش الحر” هي في حقيقة الأمر كتائب ارهابية لا تختلف من حيث البرنامج والهدف عن جبهة “النصرة وداعش” الارهابيتين, بل هي جزءٌ مكمّل لهما.

يبدو أن الأيام القادمة ستكون متوترة بانتظار كيفيّة تطبيق الاتفاق ومن سيستفيد منه.

*رئيس هيئة الخارجية في الادارة الذاتيّة الديمقراطيّة (كانتون الجزيرة)

نُشر هذا المقال في العدد 38 من صحيفة “Buyerpress”

2016/3/1

02

التعليقات مغلقة.