تساؤلات حول الكُرد فيما بعد الثورة..
فاروق حجّي مصطفى
لا يخفى أمام ناظريْ أحد بأن الكُرد، وإن تأذوا منذ انطلاق الثورة، حيث تدمرت مدينة من مدنهم بالكامل-كوباني- وفاق عدد شهدائهم الآلاف، وكان لهم النصيب الأكثر من الهجرة واللجوء، وما أدراك ما هو اللجوء، وخسرانهم للأملاك والعقارات والأموال في عمق بلدهم سوريا ..الخ ؛ إلا أنهم صار رقماً سوريّاً صعباً!
البعض يعزو، السبب، سبب تحولّهم من حالة “التهميش” الذي كان قد لحق بهم في طيلة مرحلة الاستبداد، وأيضا التهميش الذي يعانونه مع شركائهم من المعارضة؛ إلى حالة أن يكونوا رقماً صعباً في الجدارة القتاليّة التي تحلو بها، وأنّهم امتلكوا إرادة حماية أنفسهم لأي انزلاق قد ينتج من مرحلة ما بعد الثورة، بما نراه اليوم، لنقل الفوضى، وبدا للجميع كما لو أنّ الكُرد كانوا جاهزون لسد سيل الفوضى هذا حتى قبل الثورة، أو على الأقل وإن كانوا مهمّشين الا انّ التهميش هذا ما لبث ان تحوّل إلى عامل من عوامل القوة وبالتالي كان في حسبان الكُرد(دائماً) قد يطرأ أمراً جديداً وعليهم حسبانه، وهنا تطغى استثنائية الذهنية الكُردية ان كانوا بالفعل قدروا الوضع دائماً هكذا، قد يكون لنا مقال آخر عن هذا الجانب!
والبعض الآخر، لا ينفي ما سلف من الاحتمال الأول الذي عرضناه في أعلاه، لكنه أيضاً يشير إلى واقعة مهمّة، وهي الواقعة المرتبطة بشكل مباشر بالخطاب الأمريكي الأول، والذي لم ينساه حتى الآن الكثير من الدبلوماسيين الغربيين وربّما حتى الشرقيين، وحتى النظام لكن المعارضة نسيت تماماً، وهذا الخطاب مفاده: يجب العناية والاهتمام بالنساء والأقليات. وما إنْ تم بلورة هذا الخطاب حتى طرح ملف الكُرد مباشرةً، ونحن نتذكر هنا ورك شوب الدبلوماسي الذي عقده السفير الأمريكي في سوريا روبرت فورد وأيضا وزير الخارجية الفرنسية مع عدد من القيادات الكُرديّة في باريس، ورك شوب يومان أو ثلاثة أيام لا أذكر، بيد انّ ما أذكره ذات التسريب الذي خرج للإعلام بالقول(على لسان فورت) وهو” الكُرد لا يعرفون ماذا يريدون” طبعاً هذا الكلام نطقه فورد بعد العشاء في نهاية “ورك شوب” مع متدربيّ السياسة –قادة الأحزاب الكُرديّة- ونذكر هنا عجالاً الواقعة الأخرى من الاهتمام الأمريكيّ للكُرد، وهذا الاهتمام ظهر جليّاً عند لقاء المعارضة مع وزيرة الخارجية الأمريكية في تونس بعد عام من الثورة تقريباً، وهو كيف خصصت كيلنتون وقتاً خاصاً للقاء بدكتور عبدالحكيم بشار جانباً، بيد انّ سرعان ما تراجعت كيلنتون واقتصرت اللقاء من 45 دقيقة إلى سبع دقائق بحجة أن لها موعد آخر، وقيل في ذاك الوقت أنّ الخطاب الذي سرده الدكتور حكيم كان قد دفع بيل كيلنتون للعدول عن اللقاء المطوّل، أي شكل الخطاب والحديث عن أولويات الأمور وترتيبه وأيضا مضمونه ما تريد إيصاله لوزيرة الخارجية أيّة وزيرة وزيرة الخارجية الأمريكيّة!
ولكي لا يثلج صدر الاتحاد الديمقراطي أكثر وهم يقرؤون فشل دكتور حكيم، لا بد من التذكير بأن وضع الاتحاد الديمقراطيّ دبلوماسيّاً وسياسيّاً ليس أحسن من وضع أي تنظيم من تنظيمات “انكس” ولا الأحزاب المرجعيّة، وحتى الآن كاك صالح مسلم يعجز عن الحصول على تأشيرة الولايات المتحدة الأمريكيّة، وكلنا يعرف انّ الأمريكان لا يفرطون بقوات الحماية الشعبيّة ولو طلب حرباً مع طرف من الأطراف لكنهم لا ينسجون أي علاقة مميّزة مع الاتحاد الديمقراطي.
والحال، انّ بين الواقعتين التي سردناها أعلاه عبرة، وفحواها: إنّ الكُرد رقمٌ صعبٌ بحكم امتلاكهم للإرادة والذهنيّة المنفتحة، الإرادة هم بالفطرة شجعان، وسماهم في وجوههم يشي إلى القوة ولا يقبل الاهانة، ولا يغدر بالصديق هذا أولاً؛ وهم ميالون إلى الانفتاح على الجميع، ولا يتبنون أفكار لها علاقة بالإسلام السياسيّ، وكل المتتبع يعرف أن كل المحاولات للإسلام السياسيّ الكُردي بوئت بالفشل حتى قبل ولادتها، والمناخ الكُرديّ فرض على آل المعشوق الخزنوي أن يكونوا علمانيّين وأن يرتدوا العباءة الدينيّة، أهناك اعتدال دينيّ أقوم من الاعتدال الذي نسمعه من تلك العائلة؟
استطراداً…العبرة ليست أن تكون رقماً صعباً وسرعان ما تعود إلى رقم غير معروف أصلاً. التساؤل الكبير، والذي نتلقاه دائماً من ناسنا، هو ماذا بعد؟ هل نحافظ على ما تبوئنا؟ هل بالإمكان التأسيس على ما نحن عليه، وماذا إذا حققت الأطراف التي لها الشأن أهدافها من خلالنا وتركنا في وسط العاصفة؟ أسئلة مشروعة ومصدرها القلق على المستقبل خاصة وان لمرّات الكُرد خذلوا وتم استثماره ما يمتلكونه من الإرادة والذهنية المنفتحة لمصالحهم الخاصة وتحوّل الكُرد إلى الشتات، آل الباشا، آل بدرخان وغيرهما..
ما نود قوله هو انّ الكُرد وصلوا إلى مرحلة جداً مهمّة، ولهم حضور في كل شاردة وواردة سورية، وايضاً أي محفل ان غاب عنه الكُرد لا معنى له، وهذا ما يضع القادة الكُرد أمام مسؤولية مضاعفة، مسؤولية كيف تبدد مخاوف الناس وقلقهم، وتحقق لهم الأمل بعد ان فقدوا الكثير من الأرواح والأرزاق والأملاك، المنطق الطبيعي يقول: ان تملك خطاب واضح وشفاف وغير ملتبس، خطاب جاذب وليس نافر مسنود بالحجج القويّة والبراهين من جهة، وان تستثمر ما تمتلكه من الإرادة والذهنيّة لصالح مستقبل أفضل للناس، ولكن الإرادة من مقوماتها : الوحدة أو توحيد الصفوف، والذهنيّة لا يكفي ان لا ترفض الإسلام السياسيّ فحسب إنما ان تقدم مشروعاً عصريّاً ناضجاً يحقق ليس الأمان لك فحسب إنما الأمان للآخر أيضاً!
بقي القول أنّ الكرد أمام مسؤوليّة تاريخيّة، وهم عبر التاريخ لم يخذلوا طرفاً، ما يدفعهم ليكونوا منسجمين مع تاريخهم، وهو العمل مع الشركاء لبناء عقد اجتماعيّ وسياسيّ ناضج يفتح مساراً صحيحاً لبناء نظام سياسيّ رشيد يشعر كل مكون براحته، ويرفع رأس حلفائهم على أنّ دعم الكُرد يثير الشعور بالفخر!
نٌشر هذا المقال في العدد (37) من صحيفة “Buyerpress”
2016/2/15
التعليقات مغلقة.