من غزة إلى كردستان
على رغم التوتر الذي سبق انفجار الاوضاع في غزة، فإن الحرب التي تشنها اسرائيل اليوم قد لا تكون مرتبطة مباشرة بالوضع الفلسطيني وحده وانما بجملة من التطورات والتحولات الجارية في المنطقة وبالبحث الاسرائيلي عن دور اوسع وقت ترتسم معالم جديدة في ضوء صعود نجم الاصولية السنية وبلوغ الصراع المذهبي مستويات لم يشهدها منذ مئات السنين.
واكثر الدول التي تعرف كيف تستثمر في الوضع القائم هي اسرائيل. وما يجري في غزة اليوم لم يكن ممكناً لو لم تكن مصر منشغلة باوضاعها الداخلية أمنياً واقتصادياً كما هي اليوم. وما كانت اسرائيل تستطيع الانفراد بغزة لو لم يكن العراق وسوريا يعيشان حروباً طائفية دمرت جيشيهما وقضت على قدراتهما العسكرية والاقتصادية. وعندما تسيطر تنظيمات على شاكلة “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” على اجزاء واسعة من سوريا والعراق، فإن ذلك يسهل أمام اسرائيل شن حرب على غزة للتخلص من “حماس” والتفكير في العودة الى احتلال القطاع.
وعندما تطرح اسرائيل نفسها حامية للاردن في مواجهة التنظيمات الاسلامية المتشددة التي فتكت بسوريا والعراق، وعندما تصير اسرائيل راعية لنشوء دولة كردية في شمال العراق، وعندما يدعو مسؤولون اسرائيليون الى اقامة تحالف للدول المعتدلة في المنطقة لمواجهة أمواج التشدد الاسلامي، فإن تل ابيب تعد نفسها لقطف ثمار الاضطرابات التي تهز الشرق الاوسط منذ ثلاثة أعوام وحتى اليوم.
فاسرائيل هي اليوم أكثر تدخلاً في الشأن السوري من طريق دعمها مجموعات من المعارضة السورية على طول خط وقف النار في هضبة الجولان السورية المحتلة، وغايتها من ذلك على الاقل أن يكون لها شريك حدودي يحميها من التشدد الضارب في الاراضي السورية. ويبدو ان اليوم الذي قالت فيه اسرائيل انها لن تتدخل في الاضطرابات المحيطة بها قد ولى. وها هي تنتقل الى الفعل من طريق الحرب على غزة تحت غطاء محاربة “الارهاب” والتشدد الاسلامي من خلال استهداف “حماس”.
وبذلك تسعى اسرائيل بتدخلها في سوريا، والظهور مظهر الحامي للنظام الاردني، والراعية لدولة كردية في شمال العراق، والساعية الى ان تكون جزءاً من “تحالف المعتدلين” في المنطقة، وبشنها الحرب على غزة، الى اثبات كونها القوة الاقليمية القادرة على الفعل في المنطقة وقت يقلقها جلوس الاميركيين والايرانيين الى طاولة المفاوضات في فيينا وعلى جدول اعمالهم، الى الموضوع النووي الايراني، اعادة رسم لخريطة الشرق الاوسط.
وبما ان اسرائيل من أشد الرافضين للتقارب الاميركي – الايراني، فإنها تحاول اليوم من غزة قلب الطاولة على الجميع.
التعليقات مغلقة.