” تركيا و كردستان معاً تنزفان “
أستهل الموضوع بتجربة جرت في كردستان العراق.. لطالما نمتلك التجارب من ما جرت من مآسي على شعبنا ” فعلينا بالذاكرة قد نحقق الهدف ” بعد عملية حملة الأنفال في كردستان العراق, ومجزرة حلبجة بالكيماوي عام 1988 وإفراغ شبه كامل لكردستان العراق, حينها أتذكر جيداً قال مام جلال بالمعنى : إننا سنتوقف من اليوم عن القيام بالعمليات العسكرية في كردستان. لقد أسأنا إلى شعبنا عندما حاصرنا الثورة في كردستان, و انزوينا محاصرين نتلقى أبشع أنواع القتال على يد الطاغية الذي لا يقف عند حد لإبادتنا حتى بالكيماوي… وتدمير قرانا ومدننا وتجفيف الينابيع و قطع الأشجار وإزالة كل ما هو مساعد للحياة… لذلك من الآن فصاعداً سنعلن ثورتنا من بغداد… بغداد التي تحتوي على ما لا يقل عن مليون كردي.. من هناك فقط سنسلك طريق الانتصار.. وعندها فقط سيشعر العراقيين بالمآسي التي نتلقاها على يد صدام حسين.. إن محاصرة الثورة في كردستان تؤدي إلى تدميرها من دون أن يشعر العراقيين بما نحن فيه.. فقط عندما نحول المآسي إلى بغداد عندها فقط ستزلزل الأرض تحت أقدام الطاغية…. الرسالة واضحة أيها الإخوة.. فمزيد من تقديم الضحايا على أرض كردستان بمعزل عن الآخرين لا نجني إلا المزيد من الألم والحزن… تصوروا معي جيداً, بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في تركيا في السابع من حزيران الماضي وما لحقتها من تطورات على أثر فوز حزب الشعوب الديمقراطية وللمرة الأولى ب 80 مقعداً, كان يمكن البناء عليه ومتابعة العمل السياسي بأكثر فاعلية تحت قبة البرلمان.. إلا أن دفع المشهد السياسي نحو التصعيد, والبدء بعمليات عسكرية في كردستان تركيا أجهض العمل السياسي و أنتجت أول ما أنتجت هو خسارة حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات المبكرة التي تمت إجراءها في 1\10\2015 مع التصعيد في العمليات العسكرية. لكن الملفت في العملية هو, علينا أن نتساءل: لماذا تحول نصف أصوات الناخبين الذين صوتوا للحزب القومي التركي الراديكالي إلى حزب أردوغان في العملية الانتخابية الثانية, وخسارة حزب الشعوب عشرون مقعداً؟ أعتقد إن ذلك يوصف الحالة والواقع الذي تعيش فيه حركتنا السياسية التي تتخبط في مواجهة الاستحقاقات التاريخية مع عدم استيعابها لضرورات المرحلة.
اليوم.. والحرب الدائرة على أرض كردستان ( الشمالية ) تحترق الأرض و شعبنا يتهجر من المناطق الساخنة, والتي تتوسع يوماً بعد يوم.. والضحايا لا نعلم إلى أي مستوى ستصل أعدادها، إنها معركة ” الفصل الممتنع الضاغط على الوجود “. ليس عيباً أن نتوقف على ما أبديناه من القصور في الرؤية الاستراتيجية لحقيقة قضيتنا وما تفرض علينا من العمل السياسي في ظل المتغيرات في السياسة الدولية تجاه منطقتنا.. إنما العيب أن نتحايل على الرأي العام ونظهر على أننا لم نخطئ أبداً, ونغطي أخطائنا بحقيقة أن خصمنا لا يعترف بنا وبحقوقنا ويشن الحرب علينا ولا بد أن ندافع عن أنفسنا…. وإلى ما هنالك من حجج و مبررات محقة إلا أنها في واقع الأمر تهدف كل ذلك إلى تشكيل ضبابية على حقيقة ما تجري من سياسات خافية عن الرأي العام.. علينا الوقوف عليها بجرأة لكي نتمكن من الخروج من هذا النفق الخطير والمظلم. سأشير إلى تجربة سابقة جرت أيضاً في كردستان العراق. عندما تم التوقيع على بيان 11 آذار والإقرار بالحكم الذاتي لكردستان, مع إعطاء فترة التنفيذ خلال أربع سنوات.. كان النظام يعمل جاهداً أن يدفع قيادة الثورة باتجاه ارتكاب أخطاء ليتحجج عليها و بالتالي يتملص من بنود الاتفاق.. وكانت أفضحها هي عندما أرسل النظام ثلة من علماء الدين إلى المرحوم ملا مصطفى البرزاني عام 1972 بهدف اغتياله. كان من الواضح أن النظام سيدفع بالحالة إلى التصعيد, لكن كان من الواجب أن لا تنجر قيادة الثورة باتجاه ما يصبو إليه النظام.. ومع تزايد الأخطاء و إصرار النظام إتباع سياسة الاستفزاز تجاه القيادة الكردية اندلعت الثورة من جديد في آذار 1974 فلم تدم أكثر من سنة وكانت اتفاقية جزائر قد أنهت كل شيء… وفي المراحل اللاحقة كانت الفزائع والجرائم والمجازر تتوالى على شعبنا إلى أن عمى الله عيون الطاغية و ينهيه كما شهدتم وتابعتم على خلفية غزوه للكويت.. أعتقد أن الحالة في تركيا تشبه تلك الحالة في العراق في تلك المرحلة.. فإن رسالة السلام التي أطلقها رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من معتقله كانت بمثابة خارطة طريق للوصول إلى الحد الأدنى من الحقوق الكردية لطالما أن تلك الحقوق لا تتجاوز العيش المشترك بين الشعبين الكردي والتركي مع الاعتراف دستوريا بالوجود الكردي كقومية تعيش على أرضها التاريخية مع تأمين حقوقها وفقاً للمواثيق والقوانين الدولية المتبعة مع الاشتراط على الحفاظ بوحدة الدولة التركية أرضاً وشعباً.. هذا في الاتجاه العام, إلا أن حزب الشعوب الديمقراطية يهدف إلى تحقيق أقل من ذلك… و أعتقد أن النظام في تركيا أبدى ارتياحا لتلك الرسالة وعمل جاهداً من خلال نخبه الاستراتيجيين إقناع الأتراك بمضامين رسالة السلام عن طريق إقامة ندوات وعقد لقاءات حوارية على شاشات التلفزة.. ومع ذلك كان من الواجب متابعة ذلك بحرص شديد والتعامل مع التطورات والمتغيرات بمنتهى الدقة في المسؤولية لتحاشي المواقف الخاطئة وعدم إفساح المجال لأعداء العملية.. إلا أن الذي حصل, أعتقد أن العديد من قيادات الكردية استهتروا بالعملية برمتها, وخاصة بعد الفوز الذي أنتجته انتخابات السابع من حزيران.. فلقد تفاجأ أردوغان وحزبه بالنتائج وشعر بالهزيمة والنكسة, مع إطلاق قيادة حزب الشعوب الديمقراطية تصريحات نارية تجاه أردوغان و حزبه, تاركين لأعداء السلام مجالاً ليتسللوا من خلال ثغرات و كأنها فتحت عنوة وبقصد لإجهاض كل ما وصل إليه الكرد مع الدولة والانتقال إلى مرحلة أخرى من العمل السياسي.. والذي يريد أن يصطاد في الماء العكر, سهل عليه أن يعكر المياه بغياب أهلها… فحصل ما حصل, ونحن أمام كارثة تحل على شعبنا في كردستان تركيا.. وذلك في ظل اللهيب التي بدأت في منطقتنا وسورية المركز, حيث ستسحب إلى أوسع مما نتصوره لاحقاً. صحيح ومن دون أدنى شك بأن الحكومة التركية تتحمل المسؤولية الكبرى لما تنتج هذه الحرب من الدمار والمآسي وقتل أناس أبرياء, إلا أن ذلك لا يعفي الطرف الآخر الذي ارتكب أخطاءً ليتحجج بها القيادة التركية وبالتالي الوصول إلى هذه النتائج المخيفة.. والعملية العسكرية مستمرة مع غياب آفاق للحل و إيقاف الحرب المدمرة التي لا تخدم إلا أعداء تركيا عموماً.
التعليقات مغلقة.