وحشـة جزيرا بوطان شعرياً

28

التقاطوحشـة

جزيرا بوطان شعرياً

 زاوية يكتبها: طه خليل

لو أن بلدة أخرى غير “جزيرا بوطان” انتفضت لامتشق الكتاب ” الكورد ” أقلامهم واستشعروا لها وبها، ولو أن أطفالاً آخرين غير أولاد منجى، وبريخانى وسينمى استشهدوا على يد جيش جرّار لأصدرت جمعيات حقوق الإنسان ” الكوردية” بيانات مدبّجة بكل معاني العطف الإنساني، وأرسلتها إلى بان كي مون ودي مستورا كذلك، ولخرجت مجالس وأحزاب ” كوردية ” في برلين وباريس لتوزع منشورات باللغة الألمانية والفرنسية مندّدة بما يحصل، ولو كان المجرم غير الطاغية أردوغان كذلك، لكن المدينة هي ” جزيرا بوطان” الكردية.. وليست الكوردية، والمجرم هو أردوغان وجيشه، وتلك الأقلام ” الكوردية” والمجالس والمنظمات تعيش في كنف السلطان العثماني، وتُسبِّحُ بحمدهِ.

ذات مرة أجريت حواراً ” أدبياً ” مع ” شاعر كوردي” كنت أسأله عن مولده، متى ولد، وكيف درس ومن أين جاء، فكان يَمُطُّ الحديث قليلاً ثم يَشُطّ به، ليقول لي: ” عليكم  ـ وكان يشملني بتلك الكاف والميم ـ أن تتوقفوا عن السلاح، أنتم الآبوجيِّون لن تحققوا شيئاً من خلال السلاح. عليكم أن تناضلوا سلمياً وديمقراطياً، لقد ولَّى زمن الحروب والأسلحة، ثم قل لي بربك ماذا تفعل بندقيتكم الكلاشنيكوف أمام دبابات الأتراك وطائراتهم.. نحن ضعفاء  والعدو قويٌّ يا هفال طه.. ” وكنت كلما أحاول أن أعيد رَسَنَهُ الى حوارنا الأدبيِّ، كان الشاعر يتحمَّس أكثر ليقول نصائح دايلامية ومهاتما غاندية، وهو يظن أنني مراسلٌ بينه وبين قيادات الأركان العسكريّة عند وحدات الكيريللا في جبال كردستان، وفي المختصر أصر الرجل الشاعر أن يقول رأيه السلمي، ويشجب فكرة الكفاح المسلح عند الآبوجيين.

طبعاً وبعد أن تحدث الشاعر عن طفولته، وكيف أنَّ والده مات بعد مولده بيومين، وكيف تزوج عمه من أمه ( لدى الكرد والكورد أيضا” يتزوج الأخ من زوجة أخيه إن مات الأخ ) وكيف كان عمه أو زوج أمه يضربه حتى هرب من بلاد سرختى.. وجاء الى بلاد بنختى.. ثم صار شاعراً وانتسب لحزب كوردي وهو يشغل مكتبه السياسي، ويكره الآبوجيين، ولم يَتسنَّ له أن يدرس إلا في حجرة شيخ مغمور لعدة أشهر ليتعلم بعض الفقه.

وبما أن اللقاء كان مصوراً طلبت منه أن يختم حوارنا ” الجهنمي ” بقصيدة من قصائده المحببة إلى قلبه، فتنحنح مطولاً.. وفتَّش بين صفحات كتاب له كان يسميه ديواناً. وقال لي: سأقرأ قصيدة بعنوان ” لا نريد الحرب ” فقلت في نفسي ” والله الرجل صاحب مبدأ.. سياسياً وشعرياً هو ضد الكفاح المسلح. ولكنه بدأ يقرأ و يقول وباللغة الكردية طبعاً: ” نحن لا نريد الحرب/ لكن ماذا نفعل؟/ إن لم نحارب لن يخرج العدو من أرضنا/ ألا يا أيُّها الشاب الكردي والشابة احملوا بنادقكم واتجهوا للجبال/ وليجري الدم حتى الركب/ فلا شيء يحرِّر كردستان غير الدم/ وغير فوهة الكلاشنيكوف.”

كنت أنظر إليه.. وتكاد عيني تدمع من وحشة الشاعر المسالم الذي يدعو الآبوجيين لإلقاء السلاح، وحين أتذكر الشاعر هذا.. أعرف تماماً ما تفعله “جزيرا بوطان”.. وأعرف أنها ليست ببعيدة عن كوبانى.. وستنتصر سواء دبّجوا لها القصائد أم لا.. هي وحشة الشعراء وليست وحشة الشهداء.!

 

نشرت في صحيفة Bûyerpress في العدد 27 بتاريخ 2015/9/15

التعليقات مغلقة.