“لماذا أحب عامودا”

32
لماذا أحب عامودا
الشاعر الكبير دهام حسن  

لماذا أحبّ عامودا..

ففيها كان ميلاد حبّي.. وفيها

جاءت أبجدية شعري

فكم بذكرها يهفو قلبي وجْداً

ويُعشبُ قفري

أزقـّتها..أدين بتسكّعي فيها

وتعثّري بين الدّور والحفر

وسرب الصبايا هنا وهناك

يجلْنَ مشاويرَ بُعيْد العصر

يضئن وجوهاً مع دقّة القدّ

ورجفة الخصر

ترى ما كان هو سرّي

ووراء ماذا في الأزقّة المتربة كنت أجري

عامودا لها خصوصيّة تسحرني

فكم كان وصلها إمتاعاً

طيّب النكهة ..مزّاً كما يكون خمري

ومقاهيها سأتذكّرها, وكيف تقاسمتها

مدارس الأحزاب والفكر

ومجانين عامودا ما أروعهم

فكم همُ جديرون بالذّكر

لهم حضورهم ونوادرهم بالحكمة تثري

هم في البال دوماً وأبداً

كيف أصفهم, وبماذا ترى, لست أدري..!

عامودا أيا مدينة المآذن والفقه وبيوتات الذكر

فيك كانت ثورتي الأولى في السياسة وفي الفكر

وفي الهوى كانت قسمتي منها “مها”

فكم ليلة كنت على موعد معها قرب الجسر

وحدك اخترتك يا مها وارتحلتْ عن فؤادي كل نساء العصر

سأتذكرهما عامودا ومها, فلولا عامودا ماكانت مها

ولولاهما لا كان حبّي ولا كان شعري

لن أنسى إذْ تمشط شعرها

وكيف تنساب مذهّبة بين يديّ خصلات الشعر

وتعكس في عيني مشعّة مرايا النحر والصدر

عامودا أيا مدينة صباي والهوى

ويا حبيبة أمسي وغدي ومدى الدهر

جسدك خريطة كنزٍ وثغرك قبلة ثغري

ونهداك رسالة غرامٍ وقوامك ديوان شعري

 

بذكرك كم أتباهى وبانتمائي إليك يشمخ رأسي

فإليك لهفي واشتياقي..

سأقولها في وجع يا مها

أقولها في كل حين في كل عصر

لمّا أحببتك عامودا, لم يكن حينها الدهر دهري

فرضيت بالهجران قسمة, ولمّا تزل في ذاكرتي

خارطة القهر

فحبّك سيدتي هو أقرب إلى بسط السلطة

وتغيير هندسة فكري

عامودا, رغم كل ما جرى حبيبتي

بقيت أنتِ المشتهى في هزائمي وفي نصري

عامودا أحببتك..أقولها جهراً

وازدهى شعراً بك ديواني وقصري

ففي حبّ عامودا ساديّ أنا

تراني كيف أستمرئ عذابي ونحري

فمن جافاك عامودا يقيناً هو في خُسرِ

عامودا أراك اليوم أمامي كما كنتِ بالأمس

فيعمر بالهوى فؤادي وتزدهي برؤاك نفسي

فذاك ديواني ألمحه, وليس بمبعدة عنه تصطفق ستائر قصري

فأراني وكأني بكسرى في إيوانه

وعلى بساط أخضرَ يختال في مشيته ويسري

وعلى جنباته لم يزلْ يفرد جناحيه

يرفرف مغرّداً نسري

مالها اليوم عامودا

مضرّجة من الحريّة بالمهرِ..!؟

وفي الساحات أرتال الجموع

تهتف مدويّة بتباشير النّصر

وعلى السراي تخفق الرايات زاهية

بالأخضر.. والأحمر .. والأصفر

و”آزادي” ازدانت بها في المسيرات لافتاتٌ

فباتت نغمة على كلّ شفة

وانشودة على كلّ منبر

فطوبى لعامودا مكلّلة بالغار

ومتوّجةً بالنياشين بكلّ فخر

فعامودا هي الأولى دوما وأبداً

لها الصّدر بأي حدثٍ تطلّ

وفي أي محفلٍ تحلّ

وبأي حينٍ… من الدهر..!

 

 

نشرت في صحيفة Bûyerpress في العدد 27 بتاريخ 2015/9/15

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.