السجون في روجآفاى كردستان.. سجنيْ “ديريك” و” جركين” نموذجاً…
– بعض من هؤلاء السجناء استشهد رفاقنا على أياديهم, ورغم ذلك لا ننظر إليهم بعين الحقد والعداوة, إنما بعين الإنسانيّة.
– مسؤول مكتب التحقيق في سجن ديريك المركزيّ – إهمالي أوصلني إلى سجن “جركين”.
– كانت تشاع لدينا في الأحياء العربية قصص رهيبة عن تعامل وحدات حماية الشعب مع المساجين, منها أن الـ (YPG) تعذّب بـ(شلمون اللحام), وتنقط أكياس النايلون المحترقة على الأجساد
– حسب فكر “القائد” لا زلنا مقصّرين؛ يجب أن تلغى السجون..!
– مسألة مراقبة المهاجع عن طريق كاميرات المراقبة أمر وارد والغاية منه حماية السجين والحفاظ على حياته.
– لدينا في سجن ديريك حاليا 26 سجينا في الجريمة المنظّمة,7 بقضايا المخدّرات, القتل المتعمّد 9 , وفي قضايا الإرهاب والخلايا النائمة 25 .
– هناك قنوات سياسيّة مغرضة مثل قناة ” أورينت”, فهذه القناة ستلغى من قائمة القنوات المسموح بها في سجون الإدارة الذاتية.
– شيركو هو عنصر من الآساييش، سيقضي فترة أربعة أشهر عقاباً على إهماله أثناء تأدية الواجب.
– كنت أمارس العمل السياسي قبل اعتقالي مع حزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا (PDK-S) لمدة خمس سنين وكنت بمرتبة (كادرو), ولكني كنت بعيداً عن فكر (السروك).
” السجن كالجامعة.. مفتوحٌ للجميع، وأحيانا يدخله إنسان لنـُبـْـلٍ في أخلاقه, لا لاعوجاجٍ” نجيب محفوظ
جاء في لسان العرب:
(السِّجْنُ: الحَبْسُ. والسَّجْنُ، بالفتح: المصدر. سَجَنَه
يَسْجُنُه سَجْناً أَي حبسه. وفي بعض القراءة: “قال ربِّ السَّجْنُ أَحبّ إليّ”.
والسَّجَّانُ: صاحبُ السِّجْنِ. والجمع سُجَناء وسَجْنى).
السَجن سلب لحرية إنسان بوضعه في مكان يقيد حريته، وهو طريقة لاحتجازه بموجب حكم قضائي أو قرار إداري من سلطة مخوّلة باحتجاز الأشخاص وذلك للتحفظ على مشتبه به حتى إتمام تحقيقاتها. ويسمّى السجن بغرض التحفظ بـ “الحبس” الاحتياطي أو الحبس التحفظي، أو اعتقال وقائي[1].
ويعود تاريخ السجون إلى العصور القديمة وقد تصعب معرفة بدايتها أو نشأتها. فهي قديمة إلى درجة أنها ذكرت في القرآن الكريم في إشارة إلى سجن النبي “يوسف”، كما أنها وردت في “التوراة” و “العهد القديم” على أنها كانت موجودة في القدس منذ عصر النبي “موسى” وما قبل ذلك.[2]
وعقوبة السجن كما هو مسلّم قد يعاقب بها الصبي, والكبير, والرجل, والمرأة،
ورغم أن السجن جماعي, إلا أنه لا يجوز التسوية بين المساجين مساواة عمياء مجرّدة، بل يجب أن تراعى في معاملة كل محكوم ظروفه الشخصية من حيث السنّ والجنس ونوع الحكم, لأن السجن قد يضمّ بين جنباته عدداً كبيراً من الناس على اختلاف جرائمهم ومشاربهم, والأسباب التي أوصلتهم السجن كالامتناع عن أداء الدين، أو اللصوصيّة وسرقة أموال الناس، أو المظاهرات، أو القتل والانحراف في الأخلاق، أو بسبب شجار، وقد يكون السبب الإرهاب أو الجريمة الالكترونيّة, إلى غير ذلك من أنواع الجرائم التي لا تعد ولا تحصى في مجتمعاتنا اليوم.
وقد ارتبط مفهوم السجن والعقوبة منذ القدم بالسوء والشرّ, قال تعالى ” قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.[3]
ويقول الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا:” في بلدي نذهب إلى السجن أولا, ثم نصبح رؤساء”. وهذا يعني أن السجن ليس للسيئين فقط, بل كما قال محفوظ قد يكون “نبل الأخلاق” ما أوصله إلى السجن.
تتوزّع اليوم في “مقاطعة الجزيرة” حوالي 16 سجنا, ثلاثة منها مركزيّة هي سجن “الدرباسيّة المركزي” , وسجن “جركين” بقامشلو, وسجن “ديريك المركزي” والذي كان فيما مضى, معروفا بتعامله القاسي مع السجناء. وعن هذا السجن يقول جوان ابراهيم القائد العام لقوات آساييش روجآفا في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة Bûyerpressونشرت في العدد (16) تاريخ 1/4/2015 ” لم تكن هناك محكمة عسكريّة سابقاً خاصة بالارهاب, ولكن منذ شهرين تمّ انشاء هذه المحكمة لمحاكمة الموقوفين على هذه الخلفيّة,كان معظم الموقوفين في سجن ديريك المركزي يجمعون في المهجع نفسه, فمنهم عناصر من داعش, وجبهة النصرة, والكتائب المسلّحة, والمهربين, واللصوص, وذلك بسبب قلة الإمكانات.. التدابيرالأمنيّة التي تتخذها مع هذا النوع من الموقوفين ستكون قاسية وصارمة, وغير مناسبة للموقوفين الآخرين… تمّ معالجة الموضوع منذ شهرين, ومنذ ذلك الحين لم يعد هناك أي تجاوز, ونتحمّل مسؤولية أي شكوى تأتينا بهذا الخصوص ونعتبره خطأنا”.
صحيفة Bûyerpress زارت سجنيْ “ديريك المركزي” و”جركين” بقامشلو والتقت القائمين عليهما, كما التقت عددا من المساجين, ممن هم محكومون بقضايا مختلفة من السرقة والأخلاق إلى القتل والإرهاب.
يقول مدير سجن ديريك المركزي الذي استقبلنا في مكتبه وشرح لنا باسهاب أوضاع السجن وتعاملهم مع السجناء وتعامل السجناء معهم وكذلك تعامل السجناء مع بعضهم , كما شرح لنا الأسباب الأمنية التي تحول دون الإفصاح لنا عن اسمه, أنه يوجد في سجن ديريك نوعان من القضايا هما “الإرهاب والجنائي”, أما الإرهاب فمعظمهم من الخلايا النائمة, من مدينة الحسكة حتى ديريك وجميع المناطق الأخرى, وهؤلاء يحاكمون في المحكمة الشرعيّة (محكمة الشعب) في قامشلو.
وبخصوص الزيارة فقد خصّص يوم الجمعة لزيارات السجناء المحكومين في القضايا الجنائيّة, ويحق لأي شخص زيارة السجين مهما كانت صفة القرابة سواء أكانوا من الفرع أو من الأصدقاء أو حتى الجيران, وذلك بموجب البطاقة الشخصيّة, شريطة ألا يتجاوز العدد (3) أشخاص عدا الأطفال, ومدّتها ساعة, نقدّم خلالها للزائر خدمات الضيافة, في ساحة السجن تحت المظلة المخصصة للزيارة.
أما السجناء الموقوفين في قضايا الإرهاب فقد خصّص لهم يوم الاثنين, والمثير في الأمر أن معظم الأهالي الذين زاروا أبنائهم اندهشوا من نوع المعاملة التي تطبّق بحقهم وما كانوا قد سمعوا عنها في الخارج, حيث كان يشاع أن كل جثة مشوّهة أو محترقة أو قضت تحت التعذيب إنما هي بفعل أعمال وحدات الحماية الشعبية ” المتوحّشة” حسب أقوالهم, ومعظمهم كان قد فقد الأمل بحياة أبنائهم ولكن حينما التقوا بهم في السجن, لم يصدّقوا الأمر, وحين أكّد السجناء لذويهم أنهم لم يتعرّضوا لأي إهانة أو تعذيب بدا لهم ذلك كالحلم.
وأضاف مدير السجن: تزورنا أحياناً نساء يبحثن عن أبنائهن, نستضيفهم في إدارة المركز, نشاطرهم الحديث حول وضع ابنهم ونشاركهم شرب الشاي, حتى نثبت لهم أنه ليس لدينا, ثم ندّلهم على التصرّف السليم بالسؤال عنه في الآساييش العام أو محكمة القضاء العسكريّ, لا ننهرهم على الباب الرئيسي أونقول لها ابنك غير موجود لدينا.. حقيقة مثل هذا التعامل يخلق لديهم شعورا بالطمأنينة, ويجعلهم يغادرننا وهم على ثقة تامّة أن أبنائهم غير موجودين لدينا.
ومضى يقول: زيارات القضايا الإرهابيّة والجنائيّة هي بنفس السويّة من التعامل, وأغلب الأهالي لا يعلمون أن أبنائهم موقوفون لدينا, إلا إننا وبعد الانتهاء من التحقيق وتحويل السجين إلى “سجن ديريك”, نقوم بالتواصل مع أهله لنعلمهم بأن ابنهم لدينا, طبعاً يكون وقع الصّدمة على نفوسهم كبيراً, حينها يؤكدون على عدالة قضيتنا, وضرورة إعادة تأهيل أبنائهم, ويبدون ندمهم على التفكير والتصوّر الخاطئ بحقّ وحدات حماية الشعب.. عدا عن الزيارة الاسبوعيّة, يخصّص يوم الأربعاء للسجناء لإجراء المكالمات الهاتفيّة مع ذويهم (أرضي وخلوي) لمدّة خمسة دقائق.
يتوقّف مدير السجن عن الحديث للحظات, ثم يتابع متنهّداً: بعض من هؤلاء السجناء استشهد رفاقنا على أياديهم, ورغم ذلك لا ننظر إليهم بعين الحقد والعداوة, إنما بعين الإنسانيّة , وحتى المتورطين في قضايا القتل والمخدّرات وغيرها, لا تتغيّر نظرتنا لهم ونقدّم لهم كأس الشاي بأيدينا.. ونتيجة لهذا التعامل الانسانيّ الفريد معهم فأن بعضاً ممن أنهى محكوميّته, انضمّوا إلى وحدات حماية الشعب وتوجّهوا إلى ساحات القتال وقاتلوا ببسالة, فجّروا أنفسهم بدبابات الأعداء حتى استشهدوا.
بعضهم لا أهل لهم, أو يكون وضعهم المادي ضعيفاً, أولا يزورهم أحد, يتبرأ منهم ذووهم نتيجة سلوكهم الشائن وما اقترفته أياديهم, هنا تتكفل إدارة السجن بكافة مصاريفهم, ومثال على ذلك أطلاق النيابة العامة سراح سجين كان قد سرق خمسة آلاف ليرة سورية من الجامع بعد تكفلها بإعادة المبلغ, حتى أني قلت لأحد السجناء يوماً اعتبرني بمثابة والدك..
لا يوجد لدينا عنصر من داعش سوى الخلايا النائمة ومنفّذي التفجيرات أما عناصر التنظيم التذين يتمّ القبض عليهم أثناء المعارك فهذا مرتبط بوحدات حماية الشعب.
يقولها مدير السجن ببسمة تشوبها مسحة حزن: كلّ سجين يدّعي البراءة..حتى قاتل الأخ وخاطف زوجته, لكنّهم بالنسبة لنا سواء, مهما كانت جريرته يبقى إنساناً يجب معاملته كإنسان, فالضرب ممنوع, وحين يتشاجر السجناء بين أنفسهم ويشتمون بعضهم بسبب دور الغسيل, أو الصابون أو رفع صوت التلفاز, أو التغيير إلى قناة دون الأخرى, نضطر لوضعهم في المنفردة, حينها نجالسهم ونناقش معهم الأمر ونوضّح لهم أنهم يستحقون السجن في المنفردة وذلك حسب شدّة الخلاف, طبعاً المنفردة لا تطول, قد تكون لساعات وقد تكون لأيام, وحسب نظام السجن فهي سبعة أيّام, , لكن أطول مدّة حتى الآن كانت لثلاثة أيّام. وأؤكد أنه حسب فكر “القائد” لا زلنا مقصّرين؛ يجب أن تلغى السجون..!
وعن طعام المساجين يؤكد مدير السجن أن اللحم يقدّم مرتين في الأسبوع, مع الحلويات والفواكه المتواجدة الأسواق, وتكون وجبة الفطور مكوّنة من ثلاثة أنواع مع الشاي, أما وجبة العشاء فتكون نوعين؛ خفيفة مع وجبة طبخ.. في شهر رمضان المبارك يكون الاهتمام أكبر, نقدّم لهم يوميا وجبة من الحلويات المحليّة الصنع, إضافة إلى وجبتين من الخارج كل شهر, وبالنسبة للمدخنين نقدم السجائر, وحتى الألبسة الداخلية, والأدوية.
وعن وضع المرضى والذين يعانون من حالات خاصة في السجن قال نائب مدير السجن أنهم يعرضون المرضى على الأطباء, وإن استدعى الأمر عرضناهم على أطباء مختصّين في قامشلو, لنجري لهم التحاليل المطلوبة على حساب المركز إن لم تساعدهم إمكانياتهم. وتابع : قبل فترة بقي أحد المساجين المرضى تحت العناية المشدّدة لمدّة ثلاثة أيام بسبب احتشاء عضلة القلب, عرضنا التقرير على الآساييش العام الذين عرضوه بدورهم على النيابة العامّة, والتي أفرجت عنه بدورها.. ليس لدينا أطباء نفسيين في ديريك لمعالجة المرضى مدمني المخدّرات, والمرضى النفسيين, لكننا نتقرّب منهم بطريقة ودّية قدر الإمكان, واقترحنا في اجتماعنا الأخير إنشاء مركز خاصّ لمعالجة المدمنين على المخدّرات.. نحاول دوماً تقديم كل جديد, حتى من ناحية التطوّر, والحديث والنقد والنقد الذاتي, وإعادة التأهيل, هدفنا هو الإصلاح, لذلك لم تقابلنا منذ تأسيس السجن منذ ثلاثة سنوات حتى الآن أية مشاكل متعلّقة بالأمن والاستعصاء والإضرابات كما يحصل في بعض السجون, لأن طريقة التقارب والتواصل مع المساجين مختلفة. عدا بعض سجناء الجريمة المنظمة الذين احتجوا على مدّة حكمهم, وكانت أطول الإضرابات يوم واحد فقط.
لحالات الجريمة المنظّمة والتي تشمل السرقة, الدعارة, التهريب, وتهريب الأسلحة مهجع خاصّ بها, وبسبب خصوصيّة حالات المخدرات فلها أيضاً مهجع خاص بها, وكذلك لحالات القتل والمحكوميّة الطويلة لها خصوصيّة ومهجع خاصّ, وحتى طريقة الزيارة والتفتيش أيضاً تخضع لتفتيش خاص, إضافة إلى مهجع خاص بجرائم الإرهاب.
لدينا حاليا 26 سجينا في الجريمة المنظّمة, 7 بقاضايا المخدّرات, القتل المتعمّد 9 , وفي قضايا الإرهاب والخلايا النائمة 25, والعدد قابل للزيادة والنقصان. وتتراوح مدّة المحكومية بين القضيّة والأخرى, قد تصل إلى المؤبّد, ولدينا فيها (3 أحكام) إحداها جريمة قتل أخ.
وعن كيفية قضاء السجين ليومه يقول نائب مدير السجن: يخضع السجين كل صباح – عدا يوميْ الجمعة والاثنين لأنها أيام زيارات – (للتهوية والتنفس ) في التاسعة صباحاً في ساحة السجن ومحيطها حوالي 100 متر مربع فيها كراسي وبعض الشجر ومظلة للجلوس, نجلس معهم, نناقشهم في تقصيرنا وتقصيرهم, نلبّي لهم متطلباتهم ونطلب منهم أن يسيروا حسب الخطة المرسومة لهم من قبلنا, نبيّن لهم أننا هنا لخدمتهم ومطلوب منهم بالمقابل أن يتعاونوا معنا, هناك دروس شبه يوميّة في اللغة الكرديّة والتوجيه السياسيّ والتاريخ وغيرها وحسب الفرصة المتاحة, نحاول الاستفادة قدر الإمكان من خبرات بعض النزلاء الذين يكونون على مستويات عالية من الثقافة أحياناً. بعضهم يقوم بقراءة القرآن بشكل يوميّ..
كما يحقّ للسجين من الأديان الأخرى ممارسة طقوسه الدينية, وزعنا عليهم كتب ” مانفيستو الحضارة” ونقوم باستعارة كتب من المركز الثقافي لهم حسب طلبهم, كما نزوّدهم بشكل دوري بجريدة ” روناهي ” و “بوير”, والتلفاز موجود لديهم في المهجع, يتابعون عبره الأخبار يومياً. بالإجمال ليست هناك برامج مقيّدة للسجناء, هم أحرار في العمل الذي يقومون به.
وفي معرض الرد على سؤال حول تصريح “أبو مصعب” لصحيفة لوموند الفرنسية عن تعرّضه للضرب والإهانة والصعق انضم مدير السجن للحديث ثانية وهو يضحك ويقول: سأحدّثك عنه.. كان في السابعة عشرة من العمر, أصله من مدينة دير الزور, وكان أميراً على ثلاث مناطق, لو نظرت إليه سينتابك الشك أنه لا يجيد حتى التحدّث, ولكنّه قال للصحفي الفرنسي أنه يتعرّض للتعذيب, رغم أنه لم تكن هناك أية دلائل أو آثار تشير إلى ذلك, وهناك االآن الكثيرين من الخلايا النائمة بوسعكم سؤالهم عن مدى سوء المعاملة معهم, إن كانوا تلقوا ولو كلمة بذيئة من جهتنا. زارتنا منظمة حقوق الإنسان الدوليّة, وتزورنا أحيانا بين الفينة والأخرى بعض هذه المنظمات.
وعن ملابس السجين قال: هي موحّدة في كل أنحاء العالم إلا لدينا, فالسجين حرّ في نوع اللبس الذي يختاره, ونسعى أن نجعل من سجوننا الأفضل بين سجون العالم, حتى أننا نبتعد عن مواجهة السجين بتهمته, أي ألا ننفكّ نقول له أنت ” داعشي”, او أنت سارق. نضعه في صورة أنه ضيف لدينا وهدفنا هو خدمته وإعادة تأهيله.
ورأى أن مسألة مراقبة المهاجع عن طريق كاميرات المراقبة أمر وارد والغاية منه حماية السجين والحفاظ على حياته, كونه تنشب مشاجرات بينهم أحياناً, أو يحاول أحدهم الانتحار. وقال: نحن نتدخّل في الوقت المطلوب. في البداية كانت هناك فكرة وضع مصباح أحمر في الممر موصول مع كافة المهاجع, وحين حصول أمر طارئ يقوم السجين بالضغط على الزر لنتدخّل, لكن الفكرة لم تكن عمليّة جداً بسبب انقطاع الكهرباء أحياناً, لذلك ارتأينا أن الفكرة الأنجع هي مراقبة المهاجع بالكاميرات.
وعن نوع القنوات المتابَعة قال مدير السجن أنه ليست هناك قنوات محدّدة مفروضة حتى الآن, لكننا نعمل حالياً على تحديد القنوات المسموح بعرضها, فهناك أحياناً بعض القنوات غير الأخلاقيّة, التي تسيء للأخلاق, كما أن هناك قنوات سياسيّة مغرضة مثل قناة ” أورينت”, فهذه القناة ستلغى من قائمة القنوات المسموح بها في السجن.
وأكّد مدير السجن أن الآساييش نفسها تصبح أحيانا فريسة لحبائل بعض السجناء السيئين وعزّز كلامه بقصّة رواها: كان لدينا سجين في قضية سرقة ونصب واحتيال يدّعي دوماً أنه مظلوم وأن حقّه مهضوم, ووضعه المادّي لا يساعده, وأن الآساييش اعتدت عليه واحتالت عليه, فساعدناه ببعض المصروف وبالسجائر وحتى بعرضه على الأطباء وثمن الأدوية, ولا زلنا نساعده.. زارته زوجته من… وجلست إليه, لا نعرف ما دار بينهما من حديث, ولكن في المرّة الثانية اشتكت لدينا أن آساييش مدينة عامودا ” راودتها عن نفسها “.. قلنا أنه من غير المعقول والممكن أن يُصدّق ما تقوله المرأة أو يؤخذ كلامها على محمل الجدّ, لكنها – الزوجة- تباكت, وصارت تحلف الأيْمان على صدق حديثها, فما كان منا أن أحلنا الموضوع إلى الرقابة والتفتيش بعد أن سجلنا أقوالها وأقوال زوجها, وأحيل الموضوع إلى قيادة الآساييش التي اعتقلت تلك العناصر وأودعتهم السجن, وبعد التحقيق والتمحيص وبمساعدة من بعض المساجين الذين نقلوا إلينا خبراً مفاده أن المدّعي قام بهذا العمل كونه كان مديوناً لتلك العناصر التي اعتقلناها وسجنناها بناء على دعوى ضدّهم, فأطلقنا سراح عناصر الآساييش.. هذه حالة من عدّة حالات.
وبالعكس من ذلك كان أحد المساجين محكوماً بسنة, ولكن لحسن سلوكه وتعامله مع السجناء وإدارة السجن واعترافه الدائم بذنبه وندمه على ماقام به من عمل تمّ تخفيض حكمه إلى ستة أشهر.
واختتم مدير السجن كلامه بالحديث عن النظافة الشخصية للمساجين إذ قال: يحقّ للسجين الاستحمام ساعة ما يشاء, ونحن نقدّم لهم المواد من صابون وأدوات تنظيف, نقوم بتبديل البطانيات كل 15 يوما في الصيف, و كل شهر في الشتاء, ونقوم بتركيب المدافىء لهم, لتبقى مشتعلة طول اليوم, لديهم في المهاجع – عدا ما نوزّع عليهم من شاي – أباريق شاي يقومون باستعمالها بشكل شخصي ساعة ما يشاؤون, ونطلب منهم أن ينبهوننا إلى النواقص دوماً.
سجين – محكوم بسنة في قضيّة أخلاقيّة (ديريك المركزيّ):
سألناه عن اسمه, فجاوب بصوت لم يتجاوز – ربما – شفتيه, وعندما سألناه عن تهمته أشاح بوجهه وكأنه يداريها كي لا نقرأ فيها ندمه الذي أعلنه لنا فيما بعد متحسراً وهو يقول:” نادم أنا.. نادم على كل لحظة مشت فيها قدماي بالحرام” .
وتابع بعد أن نظر في وجوهنا للمرة الأولى :” أنا محكوم بسنة, لكن تمّ التخفيض إلى ستة أشهر بسبب سلوكي الجيّد ومن ثمّ تعاطفوا مع حالتي كوني متزوّج أيضاً, ووضعي المادي ووضع أهلي أيضاً سيء, ولديّ ثلاث أخوة صمن وحدات حماية الشعب, وساعدوني حتى من الناحية الماديّة أيضاً”.
وقال السجين المتهم في قضيّة أخلاقيّة أن جميع أدويته لمرض (التهاب كبد) المصاب به تصله في الوقت المناسب, ويراعَى وضعه أثناء توزيع الطعام ونوعه..وقا ل أيضاً أنه اعتقل قبل الآن في سجون النظام, ولكن ليست هناك أوجه تشابه أو حتى مقارنة, هناك فرق شاسع لا يقاس, الاختلاف الأول والجوهري هو أنك تنادي القائمين على إدارة السجن بـ” هفال” أي “رفيق” بدل كلمة “سيّدي”, والأجمل من هذا وذاك أنه يبقى يعاتبك طول اليوم على هذه الكلمة الأخيرة, فالسجن بنظرهم إصلاح, بينما في سجون النظام كانت المسبّات والشتائم لا حدود لها, والإهانة كذلك.
وأبدى شعورا بالراحة والطمأنينة تجاه عائلته التي تتكلف الآساييش بمصاريف زيارتها كل اسبوع, وقال: لقد أمّنوا لزوجتي وأولادي سكناً في المخيّم لتخفيف المصاريف عنهم وإشعارهم بالأمان, الحليب الذي يحتاجه ابني الرضيع – رغم أنه غال ومفقود في الأسواق – يؤمَّن له بشكل دوريّ, وحتى الأدوية والأطباء, هذا ما ترويه لي زوجتي دوماً.
وأضاف: لست مجبراً أن أنسب صفات لأناس هم منها براء.. هؤلاء الآساييش القائمين على إدارة السجن “فوق الوصف”, لا أعلم كيف أصف تعاملهم وكيف أردّ لهم الجميل.
ولم يخف السجين قساوة المحققين معه؛ وهي – كما ذكر لنا- كانت لمصلحته, كونه متزوّج ولديه أطفال, وأخوة في الجبهات, وقال: قد اعترفت بخطأي أمام الجميع وأظهرت الندم والسجن من حقي..!
سجين – محكوم “مؤبّد” في جريمة قتل (ديريك المركزيّ):
يقول السجين الستينيّ ذو البنية القويّة الذي دخل علينا باسماً ومتفائلاً:” من خلال تعامل الرفاق معي لا أحس أني أعيش أجواء السجن, فمبرّد الهواء يبقى شغالاً طول اليوم, وطقوسي الدينيّة من صلاة وصيام أمارسها بكل حريّة..أذكر في طفولتي كان الكبار يتحدّثون عن السجون ويدعون للمساجين أن يخفف الله عنهم قيظ الصيف وحرارته, لكن هذا ليس سجنا, أنه فندق, تعاطفوا معي, كونه لم يبق أحد من أهلي هنا, وهم يعطونني ما أحتاجه من ملابس, علبة السجائراليوميّة, حتى أني لا أشعر بغربتي دون أهلي هنا”. وكونه يعاني من قصر نظر فقد تم عرضه على طبيب عينية والذي أوصى بدوره بضرورة وضع نظارة طبيّة. وفي ذلك يقول السجين :” قام الرفاق هنا مشكورين بتأمينها لي على نفقتهم الخاصّة.. مضى لي هنا أكثر من سنة وثلاثة أشهر هنا, وحين انتهاء محكوميتي سأحاول أن أبقى هنا مع الرفاق”.
شيركو رشو – عقوبتي مسلكية, أربعة أشهر”سجن جركين”:
زرنا سجن “جركين” الواقع على أطراف مدينة قامشلو, والذي كان فيما سبق مستودعاً لجمع المحاصيل الزراعيّة,اتخذتهفيما بعد وحدات حماية الشعب وحّولته إلى سجن. هناك التقينا بعدد من عناصر الآساييش المسجونين والذين يقضون فترة عقوبات مسلكية بسبب الإهمال أو مخالفة الأوامر, أو غيرها من الأسباب.
شيركو هو عنصر من الآساييش, هاجر بعد إن انتابته حالة نفسيّة إثر استشهاد ابن أخيه “إدريس ” قبل أكثر ثلاث سنوات في مظاهرة بحيّ المفتي, , واتجه إلى إقليم كردستان, وهناك عمل وجمع مبلغاً من المال في فترة وجيزة, ولكنه عاد إلى روجآفا فور تشكل قوات الآساييش, لينضم إليها ويعمل مع فرقة الثقافة والفن في الحسكة أيضاً.
سيقضي فترة أربعة أشهر عقاباً على إهماله أثناء تأدية الواجب, عندما كان يتفحّص بندقيّته وانطلقت منها رصاصة طائشة أصابت قدم مدنيّ كان يسير في الشارع, رغم أنه ليس عليه أية دعوة من قبل المدني المصاب.
وبثقة بالنفس يقول شيركو:” يقيناً لا يحلو السجن لأي شخص, وجميع القائمين على هذا السجن يعلمون هذا الأمر, وخاصّة إذا كان السجين من الآساييش, لذلك فهم يقدّرون الحالة, ويقدّرون حالة كل نزيل بهذا السجن, فالمعاملة جيّدة, ونحن تسعة مساجين من عناصر الآساييش في نفس المهجع, الخدمات متوفّرة, ووسائل التواصل مع العالم الخارجي كذلك, إضافة إلى الخدمات الصحيّة, ولكنك تبقى سجيناً.. لم يطل التحقيق في قضيتي, كونها كانت واضحة ,ولم يكن هناك مدّع”.
ويمضي “شيركو” مثنيا على الخدمات واصفاً وجبة الطعام بالـ ” سوبر ” إذ يُقدّم اللحم مرتين في الأسبوع, وهناك كوّة في باب المهجع تبقى مفتوحة على الدوام, لتلبية طلباتهم, والمجيء إليهم حين الطلب, كما أنه لهم ساعة مخصصة للتنفس..
ويتأسف “شيركو” على لجوء بعض المساجين إلى أسلوب التمثيل أحياناً من الناحية الصحيّة, فيقول:” نحن نعي ذلك جيّداً, لذا نخبر القيادة عن المريض من المتمارض, ونحاول دوماً أن نخضع لدورات في المجال المتاح, وأنا حاليا أخضع لدورة اللغة الصورانيّة من قبل أحد السجناء معنا. فاتتني نقطة أودّ ذكرها هي أن العقوبة المسلكية لا تكون سببا في قطع الراتب المخصص لنا”.
مسؤول مكتب التحقيق في سجن ديريك المركزيّ :
إهمالي أوصلني إلى “جركين”
يقول مسؤول مكتب التحقيق في سجن ديريك المركزيّ:” لا أحد يصبح نزيل سجن دون سبب, والإهمال غير المقصود في أداء الواجب أوصلني إلى “جركين”. كان من واجبي حين نزل لدينا عنصرين من شمال كردستان إجراء البحث والتحقيق في الأمر وكتابة الضبط, إلا أن أمراً طارئاً – وهو وصول جثة غريق في كردستان إلى مشفى ديريك – حال دون قيامي بذلك. وفي زيارة للجنة الرقابة والتفتيش إلى السجن طلبوا مني “محضر التحقيق” إلا أنه لم يكن موجوداً, وكان ذلك هو سبب وجودي هنا لمدة ستصل إلى خمسة وعشرين يوماً..”
ويضيف :” تمّ توقيفي مرّات عدّة من قبل النظام, لكنها لم تكن تتعدى الساعات كلّ مرة, واليوم أرى أن الإجراء المتخذ بحقي مناسب, وليس هناك أي تعدّ على حقي..بكل تأكيد ستغني هذه التجربة تعاملي مع السجناء, وسأحاول أن أتقرّب منهم أكثر مما نحن عليه من ناحية العلاقة.. التعامل مع السجين كإنسان قبل كل شيء”.
كاميران گلو.. مدير سجن جركين بقامشلو:
أوضح لنا گلو تنوّع القضايا التي يتمّ استقبالها في سجن ” جركين” ما بين تشليح, سرقة, قتل, وعقوبات مسلكيّة خاصّة بعناصر الآساييش, وفي الفترة الأخيرة استـُقبلت بعض الحالات من (الخلايا النائمة).
وقال أن كل مهجع مستقلّ حسب نوع الجرم, وليست لدينا أحكام طويلة الأمد, لدينا قضية قتل (اجتماعي) الآن من قبل عضو في الآساييش, لكن لم يبتّ في الأمر بعد, وهو لدينا الآن ريثما تتم تسوية الأمر مع طرف النزاع بشكل عشائريّ.
وعن الخدمات المقدّمة للسجين أشار گلو :” أن معظمها هي لصالح السجين, في كل مهجع تلفاز خاص به, هناك ساعة ” تنفّس ” بين فترتي العصر والمغرب في الساحة (30X 30), كما يقوم السجناء بلعب كرة القدم في الساحة, لنا جولات دائمة بينهم, للتناقش معهم حول أهم المشاكل التي تعترضهم, للجميع حق الزيارة, مرة في الاسبوع ولمدة ساعة, أما أثناءالتحقيق لا يحق لأحد الزيارة سوى خمسة دقائق فقط للاطمئنان, أو نقوم نحن بالاتصال بذويهم نعلمهم بوجود ابنهم لدينا, كما يحقّ لهم الاتصال بأهلهم مرة في الاسبوع”.
ولم يخفِ گلو أنه مرّت على السجن بعض الحالات المستعصية من قبل بعض المدمنين على المخدّرات وحاولوا ضرب أنفسهم وجرح أجسامهم (بالشفرات), كونها بحاجة إلى المخدر لذلك كانوا يلجأون إلى مثل هذه الطريقة في محاولة منهم لإرغام الإدارة على تنفيذ مطالب غير شرعية لهم, كطلب النيابة مثلا أو الخروج من السجن, أو اللجوء إلى الإضراب عن الطعام, وقال:” كنا نقوم بتنفيذ المطلب الأخير لهم, لكن كنا نسيطر على الوضع.. ولم تحدث أية حالات انتحار أو محاولات انتحار في السجن”.
نرفع تقاريرنا إلى المحكمة حسب وضع المريض الصحيّ إلى المحكمة, وبموجبها يتمّ معاينة المريض مهما كانت تكلفة العلاج.
أقول لكل من لهم أبناء في سجون الإدارة الذاتيّة أن يطمئنوا لوضعهم, هذا هو بيتهم الثاني الذي يتلقون فيه كل ماهو اجتماعي وسليم, وهم في أيد آمنة, نحاول قدر الإمكان إعادة تأهيلهم حسب إمكاناتنا المتاحة.
ابراهيم.. سجين في قضيّة إرهاب محكوم بـ 15سنة – سجن ديريك:
الـ (YPG) تعذّب بـ(شلمون اللحام), وتنقط أكياس النايلون المحترقة على الأجساد
يروي السجين ابراهيم والمعتقل في قضيّة إرهاب قصته قائلاً:” مضى لي هنا أكثر من 11 شهرا.. كنا مطلوبين -أخي وأنا – من قبل النظام..وعندما هاجمت قوة من وحدات حماية الشعب منزلنا لاشتباههم بانتمائنا إلى داعش, اعتقدنا أنهم من النظام, لأن أخي كان منشقاً عن الجيش النظامي وأنا كنت مطلوبا لهذا الجيش, لذا قاومناهم بشراسة, وكانت النتيجة مقتل أخي, واعتقالي في الرابعة صباحا من البيت, تعرضت حينها للضرب المبرح, والسجن المنفرد مدة 58يوماً, وكذلك تمّ تعليقي من يدي حتى سال الدم من أنفي, بقيت مدّة ستة أشهر في سجن ” جركين” بقامشلو, وكانت أيام عصيبة”.
ويمضي:” مرّة قاومت حاجز وحدات حماية الشعب, وأطلقت النار في الهواء, كنت حينها سكراناً, ومرة أخرى عند المشفى الوطني, كما هاجمت مقرّ الآساييش في مدرسة ” الوحدة العربية” قرب المشفى.. كانت تشاع لدينا في الأحياء العربية قصص رهيبة عن تعامل وحدات حماية الشعب مع المساجين, منها أن الـ (YPG) تعذّب بـ(شلمون اللحام), وتنقط أكياس النايلون المحترقة على الأجساد, لو كنت أعلم أن تعاملهم هو ما نلقاه الآن – في السجن- من حسن المعشر لكنت أتيت بقدمي إليهم وسلّمت لهم نفسي. المعاملة هنا جيّدة, لا إهانات ولا شتائم”.
ويضيف: “كنا نسهر طيلة شهر رمضان حتى وقت السحور ثم نتسحّر وننام, وأحاول حالياً تعلّم الكرديّة”
يصف ابراهيم طريقة الحكم عليه فيقول:” وجّهت إليّ في المحكمة تهمة الانتماء إلى تنظيم داعش والهجوم على حاجز الآساييش, وقراً الحكم من قبل شخص كان ذو صحّة جيّدة, وبشوارب كثّة, يقال أنه من كرد إيران, ولم يكن يجيد العربية, وبعد قليل قال المترجم الذي كان يجلس قبالته أنك محكوم بخمسة عشر سنة, ولم أستطع حينها توكيل محام بسبب وضعنا المادي”.
كما يصف ما تعرّض له من شتائم حين نقله من سجن ” جركين” قائلاً:” تعرّضت أنا ومن كان معي في الحافلة للكثير من الشتائم من قبل السائق نفسه, بقيت أنا و22سجينا آخر كان قد فرّوا من سجن الدرباسيّة لدى وحدات حماية الشعب لأكثر من 10 أيام, كانت المعاملة قاسية نوعا ما, وفي آخر يوم قرأت أسمائنا ومن ثمّ تمّ نقلنا إلى سجن ديريك, بعد أن تحدّث إلينا أحدهم باسلوب جيد واعظاً إيانا ومتمنياً منا عدم تكرار ما وقعنا فيه من أخطاء”.
ويؤكد السجين ابراهيم ثانية أن المكوّن العربي في حي العزيزية قد كوّنوا تصوّراً مغلوطاً عن وحدات حماية الشعب, وسيحاول جاهداً نقل الصورة الحقيقيّة لهذه القوات إلى جميع من كوّنوا هذا التصوّر أو من تسوّل له نفسه الإساءة لهم حين إطلاق سراحه الذي يراه قريباً.
سجين في قضيّة إرهاب – الحكم مؤبّد (جركين):
تهمتي محاولة تفجير في المدينة, ورغم ذلك عُوملت كـ (كرديّ) وسياسيّ قبل أن أُعامل كمتـّهم
يقول السجين العشريني الشاب والذي دخل علينا لابسا بدلة رياضيّة وشبشاباً :” ما من سجين يًعتقل دون سبب, يقيناً لاعتقالي سبب وجيه, ويستحق ما أواجهه الآن من حكم مؤبّد, ولكن حسب فكر (السروك) الذي كنا نجهله تماماً فأن مثل هذه الأحكام لا تدوم, ونخضع هنا لإعادة تأهيل, وكذلك التعامل الذي نتلقاه هنا لا يخلق لدينا أي إحساس أنك سجين, بل أنك تتعامل مع صديق وأخ يقاسمك الهموم, لكن متى تشعر بالأمر؛ حين يطبق عليك باب المهجع وتبقى أسير الجدران.. “.
ويضيف:” تهمتي هي محاولة تفجير في المدينة, ورغم ذلك عُوملت كـ (كرديّ) وسياسيّ قبل أن أُعامل كمتـّهم, وهذا كان له وقع آخر على نفسي, لم أتعرّض للضرب, وكانت طريقة تعامل المحقق معي غريبة, فأنا الذي كنت أطلبه حينما أشاء, أو أتذكّر أمراً أودّ الإفصاح عنه للمحقّق..ولم يكن ذلك يشبه التحقيق قطّ.!”.
ويتابع :”كانت محاكمتي في القضاء العسكري في قامشلو, ولديّ الآن زيارات مرّة في الأسبوع يحقّ من خلالها للجميع زيارتي شرط ألا يتجاوز عددهم ثلاثة أشخاص..أملك أملا كبيراً في إطلاق سراحي.. صراحة معظم الأنظمة في العالم رأسماليّة, أما هذا النظام فهو شيء جديد, يفوق حتى الاشتراكيّة, هو نظام عالمي لا يؤمن بالسجن, فرغم حكم المؤبّد إلا أنه لدي الأمل بالخروج وإطلاق سراحي في كل لحظة, وذلك اعتماداً على السلوك الشخصي, ومدى تجاوبي كسجين مع الأوامر, وحتى تقرير السجن الذي يرفع بحق السجين, وحتى الرفاق القائمين على السجن أيضاً يدعمونني بهذا الأمل, بل ويصل بهم الحدّ إلى اليمين..كيف لن تكون لي ثقة بانسان كهذا..! مرّ عليّ في السجن قـَتلة, وإرهابيون من داعش كانوا قد تسببوا في استشهاد بعض من رفاقنا في (YPG) ومع ذلك أطلق سراحهم نتيجة ما ذكرت من أسباب, فكيف لي وأنا الكرديّ؛ يقيناً لن أبقى هنا أبد الدهر..!”.
وفي سؤال عن برامجه اليومي, كونه سيطول المقام به هنا قال:”لا ينتابني هذا الشعورقطّ, لا أحسّ أني سأطيل المكوث هنا, وأنا متفائل جداً, حتى أني طلبت قبل فترة من إدارة السجن أن يجلبوا لي “طنبوراً” وفعلوا, وأشكرهم على ذلك, وأنا أعزف عليه كل يوم, عدا ذلك نقضي أغلب أوقاتنا في مشاهدة متابعة الأخبار عبر التلفاز والجلسات الشبابية والمطالعة كذلك”.
وقال أيضاً:” تزورنا بين الفينة والأخرى منظمات مثل لجنة الرقابة والتفتيش التابعة للإدارة الذاتيّة, ومنظمات حقوق الإنسان, وزارنا قبل فترة القاضي العام أيضاً. زار السجن مسؤول من مستوى رفيع, وأكّد أن إطلاق سراحنا مرتبط بالوضع الحالي, وما تتعرّض له المنطقة من ضغوطات. ونحن نتابع الأخبار من خلال الصحف (روناهي, بوير) والتلفاز وما يحدّثنا به الرفاق هنا”.
وعن ممارسته للعمل السياسي يقول:” كنت أمارس العمل السياسي قبل اعتقالي مع حزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا (PDK-S) لمدة خمس سنين وكنت بمرتبة (كادرو), ولكني كنت بعيداً عن فكر (السروك), وبعد مرور سبعة أشهر على اعتقالي في سجن “جركين” وصل إلى يدي كتاب (المرافعة الخامسة), الذي أعدت قراءته ثلاث مرّات, طبعاً قرأت الأجزاء الأولى أيضاً, حينها تعرّفت على فكره وفلسفته, وحينها بدأ الندم”.
ووجّه السجين الشابّ ما يشبه الرسالة إلى أصدقائه في الخارج ليتبيّنوا الحقيقة في التعامل مع الأمور حسب قوله:” لو كنت قاضياً, واشتكى لك أحدهم, ثم حكمت بناء على كلام طرف واحد, ستكون مخطئاً بكل تأكيد, أما لو أنك استمعت إلى الطرفين سيكون بوسعك حينها الحكم بشكل صحيح, وتبيان الحقيقة؛ وهذا كان خطأي, تمسّكت بطرف دون الآخر, وكان محظور علينا التواصل مع الآخر لأن أي تواصل معهم يعني – حسب زعمهم- سلك الطريق الخاطئ. لكن تبين لي أن الحقيقة مغايرة تماماً لما كان قد لـُقّن, وآمل من الجميع مهما كان موقعه – حتى رفاقنا في الخارج- عدم الحكم دون الرجوع للطرف الآخر, وعدم الوقوع في الخطأ الذي وقعت فيه لأن روجآفا “ذهبٌ” يجب الحفاظ عليه”.
ويختتم السجين ” السياسيّ” العشريني كلامه بتحليل في السياسة وأجنداتها قائلاً:” مافهمته حتى الآن, وبعد أن تبيّنت لي الحقيقة أن المعارضة والائتلاف وأحزاب الـ (ENKS) لهم ارتباطات وأجندات مشتركة مع تركيا, وأمريكا واسرائيل, هناك مخطط رأسمالي هدفه تجزئة الشرق الأوسط, ومن ضمنها روجآفا, حتى الإقليم له أجندات في ذلك وكذلك النظام, لكن الفكر الذي اجتاح روجآفا وفرض نفسه على أرض الواقع عن طريق حزب الاتحاد الديمقراطي وقوة وحدات حماية الشعب.. والاتهامات الموجهة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي بخصوص أجنداتها في إنشاء دولة كرديّة في روجآفا عار عن الصحّة, لأن الإدارة الذاتية نفسها تنفي هذا الإدّعاء, وهدفها إعادة الحياة إلى طبيعتها, طبعاً يطول الحديث لو أردنا الخوض في التفاصل. سأختصر الموضوع.. سقوط روجآفا لا يخدم سوى الأعداء, لا يروقهم أن يدير الشعب نفسه بنفسه, إنما يرغبون أن يبقى الشعب مرتبطا بأجندات خارجية, والموضوع مرتبط في النهاية بالجانب الاقتصادي والنفط , حيث عرضوا على حزب الاتحاد أن يخصص لهم الحزب نسبة40% من منتوجات النفط مقابل السماح بقيام دولة كردية ولكنهم لم يقبلوا به, وهذا هو السبب الرئيس حتى الآن في استمرار الجبهات من كل جهة, والضغط المتزايد على روجآفا من قبل داعش و والأتراك والمعارضة, وهذا يؤكد أنهم متفقون ضمنياً لأنهم يديرون المشروع نفسه وهو المشروع الرأسماليّ, أما الخط الثالث الذي انتهجه حزب الاتحاد وهو فكر السروك فهو الناجح وهو الذي حقق ما كان يصبون إليه”.
عاصم عيدي – المستشار القانوني للقيادة العامة لقوات الآساييش في روجآفا:
لم ينكر المستشار القانوني للقيادة العامة لقوات الآساييش في روجآفا التجاوزات التي حصلت بحق المساجين بداية, حيث قال:” كانت هناك تجاوزات كثيرة بحق المساجين نتيجة سوء الأوضاع الأمنية وعدم وجود الخبرة الكافية لدى العناصر, لكن تغيّر الوضع مع مرورالوقت, وزارت الكثير من المنظمات سجوننا وتأكّدت من الأوضاع داخلها, كما طالبنا العديد من المنظمات الدوليّة كمنظمة الصليب الأحمر, ونداء جنيف لإعداد ورشات عمل خاصّة لتأهيل القائمين على العمل في هذه السجون, وبدأت “نداء جنيف” بهذه الدورة فعلا, وهي دورة خاصّة بقوّات الآساييش لضمان حماية ضحايا النزاع المسلّح وتطبيق قواعد القانون الدوليّ الانسانيّ”.
ويضيف عيدي:” طبعا من الناحية القانونية لا يجوز مطلقا شتم وإهانة المعتقل وقمنا في الفترة الأخيرة بإصدار بروشورات خاصّة بعلاقة الآساييش بالمواطنين والسياسيين والمعتقلين, وجاء فيه أنه لا يجوز تعذيب أي شخص وكل شتيمة تعتبر تعذيباً, وإذا حصل هكذا تجاوز فهو جسب الظروف الأمنية”.
ويرى أن تطبيق تصنيف المساجين حسب السن والجنس ونوع الجريمة والحالة الجزائية, ضرورة ملحّة :” لأن ظروف المساجين تكون مختلفة من شخص لآخر كما تؤخذ بعين الاعتبار السنّ لأن الجميع – يقيناً- لا يكونون بعمر واحد, فمنهم الأحداث والبالغين والراشدين وكبار السنّ, كذلك للمرأة سجن خاص ويتمّ تصنيف المساجين بحسب نوع الجرم, فلا يجوز الجمع بين المعتقل بسبب قضيّة المخدّرات مع جرائم القتل في المهجع نفسه”.
ويؤكد عيدي أنه يجوز للسجين مراسلة أهله, وقد ذكروا هذا البند لمنظمة الصليب الأحمر الدوليّة التي طلبت منهم إخبار أهالي المساجين بالحالة التي يكون فيها السجين ومراسلتهم ولم نبدوا من جهتهم أي اعتراض على هذا الأمر حسب قوله.
و يتحفّظ المستشار القانوني للقيادة العامة لقوات الآساييش في روجآفا على متابعة جميع القنوات الفضائية من قبل السجناء, وتأمين كافة الكتب التي يطلبونها لأنه يرى فيها خللاً نوعاً ما, ويكمن الخلل – على حدّ قوله – في القنوات المخلّة بالآداب العامّة, أما القنوات الأخبارية والوثائقيّة لا تعتبر ممنوعة, ولكن يجب مراعاة وضع السجين على أنه يتمّ تأهيله, وأن إعادة التأهيل لا تعني متابعة كل شيء, فمثلا هناك قنوات مغرضة تخلق آراء واتجاهات سياسية مختلفة داخل السجون لذا عرضنا على القيادة أن تكون القنوات محدّدة وهادفة وبناءة وتساهم في بناء الانسان”.
عبير خالد المديرة العامة للسجون في روجافا:
تتحدّث المديرة العامة للسجون في روجافا عن جغرافيّة توزّعها فتقول:” هناك حاليا 16 سجناً موزّعا في ” مقاطعة الجزيرة ” ثلاثة منها “مركزيّة” هي سجن ديريك, جركين بالقامشلي, وسجن الدرباسيّة المركزيّ, والبقيّة موزعة في باقي مدن المقاطعة, وهي عبارة عن “نظارة” للتوقيف, كما يوجد سجن في كوباني وآخر في تل أبيض, ويوجد سجن مركزي خاص بالمرأة وهو في ديريك , والأحكام المطبقة فيه هي نفسها التي تطبق في سجن الرجال.”.
وعن وضع السجون بشكل عام تضيف خالد:” هناك مكاتب صحيّة عامّة تابعة للقيادة العامّة تشرف على السجون ولها فروع في كل المدن, وهي تشرف بشكل دوري على السجون من ناحية المرض أو إجراء العمليات الجراحيّة. وكونه لم يكن هناك سابقاً إدارة عامّة للسجون فقد اقترحنا الآن أن يكون لكل سجن مكتبة وقاعة مطالعة وساحة رياضة يومياً وهي حيّز التنفيذ”.
وترى خالد أن السبب في عدم تسلّم حملة الشهادات لإدارة السجون يعود إلى الظروف الحالية, لأنهم – أي حملة الشهادات- يتجنّبون هذا المنصب, وهذا المقترح أيضاً من ضمن مقترحاتهم الحالية أي أن يكون مدير السجن من حملة الشهادة الجامعيّة, وتؤكد كلامها بأن يكون هؤلاء ممن مارسوا التدريس أيضاً.
وعن النظام الداخلي الخاص بالسجون تقول خالد:” قمنا باعداد نظام داخلي خاص بالسجون في روجآفا, حيث اطلعنا على النظام الداخلي للسجون في كافة دول العالم, واعتمدنا بالمجمل على النظام الداخلي لدول السويد, بريطانية, اليونان, الجزائر, وهي على الأغلب متشابهة وتلتقي في نقطة واحدة تصبّ في مصلحة السجين.”.
وتشير خالد إلى ضرورة اللجوء إلى بعض الوسائل التأديبيّة أحيانا:” ليست لدينا حتى الآن وسائل تأديبية للسجين, ولكنه أيضاً من مقترحاتنا, كون الضرب والشتيمة والإهانة ممنوعة, وبرأيي الشخصي أنه إذا لم تكن هناك بعض من هذه الوسائل أحياناً فأن بعض السجناء يستغلون القوانين لصالحهم للقيام بأعمال شغب وتمردات داخل السجن, والمرحلة الأولى في التأديب تكون الإنذار, من ثم السجن المنفرد ليوم واحد, وإذا لم يخفّف السجين من عدوانيّته من المحتمل أن نلجأ إلى تكبيل اليدين, وتبقى هذه الأمور مجرّد اقتراحات نحن بصدد دراستها والموافقة عليها”.
وتؤكد خالد أن الأوضاع في السجون مستقرة ولم تصادفهم أي حالات وفاة داخل كافة السجون حتى الآن عدا حالة واحدة يتيمة وهي في سجن ” جركين” وكان سبب الوفاة حسب تقرير الطبيب الشرعي “الجلطة” إذ لم تتمكن إدارة السجن من إيصاله إلى المشفى لأنه توفّي حال حدوث النوبة, وأرفقت الحالة بكافة التقارير الطبيّة, وطبعاً سُلّمت الجثة إلى ذويها أصولاً حسبما أكّدت.
أم من ناحية اللباس الموحّد والذي لم يتمّ اعتماده حتى الآن فقالت أنه قيد النقاش لتوحيده.. واختتمت بالقول أن أبواب السجون مفتوحة لكافة وسائل الإعلام والمنظمات الدوليّة والمحليّة التي ترغب في زيارتها بعد التواصل معهم, وقد زارت السجون منظمة العفو الدولية ومنظمة نداء جنيف, ومنظمات كثيرة قبل تسلّمها لهذا المنصب, كما زارت منظمة حقوق الانسان في كركي لكي سجن ديريك المركزي حسبما صرّحت لنا..
يقول نيلسون مانديلا :”
لاشيء في السجن يبعث على الرضا سوى شيء واحد هو توفر الوقت للتأمل والتفكير”
[1]- قاموس المعاني
[2] – ويكيبيديا
[3]{25} يوسف
نشر هذا التحقيق في صحيفة Bûyerpress في العدد 26 بتاريخ 2015/9/1
التعليقات مغلقة.