الصوت الكردي.. ورقة حاسمة في الانتخابات التركية

47

العرب اللندنية – BUYERPRESS

20101312015_4تسلّط الباحثة التركية في معهد “أميركان بروغراس” إسراء سرداغ الضوء على الحضور الكردي في الانتخابات البرلمانية التركية، ومدى أهمية فوز ممثلهم حزب الشعوب الديمقراطي، ذو التوجّهات اليسارية، وتأثير هذا الفوز على المكوّن الكردي من جهة، وعلى حزب العدالة والتنمية من جهة أخرى. فهذا الحزب يمكن أن يحرم الحزب الحاكم من أغلبيته ويضطره إلى تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية. وهذا الأمر سيصعب مهمة الحزب الحاكم في تمرير تعديلات دستورية يريدها الرئيس أردوغان لإعطاء الرئاسة سلطات تنفيذية قوية.

أنقرة – يصف متابعون للانتخابات التركية حزب الشعوب الديمقراطي بـ”الحزب الحدث” في انتاخابات 2015؛ حيث أن مستقبل هذا الحزب، الذي يخوض الانتخابات لأول مرّة باعتباره حزبا لا عبر ممثلين مستقلّين، ليس مهما فقط بالنسبة للأقلية الكردية بل أيضا للمستقبل السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

واستبعد صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، أي ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية. وقال “إذا لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة وحده لا ننظر بارتياح إلى إمكانية تشكيل ائتلاف بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العدالة والتنمية. بدلا من ذلك نعتزم أن نكون معارضة جيدة في المرحلة القادمة”.

واعتادت الأحزاب الكردية في الماضي، أن تخوض الانتخابات بمرشحين مستقلين حتى تتفادى نظام الحصول على نسبة محددة من أصوات الناخبين. ويسعى حزب الشعوب الديمقراطي الآن إلى توسيع قاعدته حتى لا يقتصر على الأكراد ويتمكن من دخول البرلمان. وفي حالة الفشل لن يكون هناك من يمثل أحزاب المعارضة المؤيدة للأكراد في البرلمان.

وفي انتخابات عام 2011، حصل مرشحون مستقلون مرتبطون بحزب الشعوب الديمقراطي على 36 مقعدا في البرلمان، وحصلوا على نسبة 6.5 في المئة من الأصوات. وتظهر استطلاعات الرأي الحالية أنها تقترب من نسبة العشرة في المئة. وحصل دميرتاش خلال ترشّحه للرئاسة في أغسطس 2014، على 9.76 في المئة من الأصوات.

ديناميات سياسية متغيرة

يمثل الأكراد جزءا مهما من المجتمع التركي حيث يقطن في تركيا حاليا حوالي 15 مليون كردي، أي ما يمثل 18 بالمئة من مجموع السكان. وتاريخيا عاش أغلب الأكراد الأتراك في الجنوب الشرقي للأناضول بالقرب من الحدود السورية والعراقية. وفي مسح تم في الفترة بين 2010- 2013، وجدت المؤسسة البحثية التركية “كوندا” أن التمدن والهجرة جلبا الملايين من الأكراد إلى المناطق الغربية من تركيا (محافظات مثل إسطنبول وإزمير وبورصا وازميت وأنقرة)، وهو ما تسبب في تغيير الديناميات السياسية في هذه المناطق.

وكانت العلاقات الإثنية في تركيا تاريخيا محفوفة بالتوترات، وخاصة منذ بروز الأيديولوجيا الكمالية التي سعت إلى بناء دولة قومية علمانية ليس فيها مكان للدين أو التنوع الإثني. وكانت النخبة الكمالية تنظر إلى الجماعات الدينية والأقليات، بما في ذلك الأكراد، على أنهم غير موالين.

وشكّل تاريخ تركيا الدامي الطويل مع حزب العمال الكردستاني رافدا لجزء كبير من السياسة الوطنية، وخاصة المسألة الكردية، كما شكل الآراء السياسية للكثير من الأكراد والقوميين الأتراك والمراقبين والخبراء المهتمين بالشأن التركي.

وبينما لطف حزب العمال مطالبه مع مرور الوقت من الاستقلال إلى الحكم الذاتي والحقوق الثقافية، والتزم بشكل كبير وقفا لإطلاق النار أحادي الجانب على مدى السنتين الماضيتين، مازال الكثير من الأتراك يعتبرونه تنظيما إرهابيا يسعى إلى تقسيم بلدهم.

وهذا ما صعب على الحزب السياسي الكردي الأول في تركيا، حزب السلام والديمقراطية، ليحظى بدعم أصحاب الإثنية التركية الذين يرون هذا الحزب امتدادا سياسيا لحزب العمال الكردستاني. ومن ثم لم يتمكن حزب السلام والديمقراطية (المركز أساسا على المساواة في الحقوق للأقلية الكردية) إلى حد الآن من الفوز بأكثر من ستة بالمئة من الأصوات في الانتخابات.

إعادة صياغة النضال الكردي

وعيا منهم بأن حزب السلام والديمقراطية لا يمكنه زيادة نصيبه الانتخابي إذا ما اقتصر على مخاطبة الأكراد، أسّس زعماء الحزب حزب الشعوب الديمقراطي، وهو حزب شقيق يهدف إلى جذب غير الأكراد وخاصة الليبراليين من سكان المدن ويحمل رسالة أشمل أعادت صياغة النضال من أجل حقوق الأكراد على أنها ضرورية لتوفير المساواة في الحقوق والحريات الأساسية لكل الأتراك.

واختار حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش، الشاب وصاحب الكاريزما، ليكون مرشحه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أغسطس 2014 بهدف تجاوز نسبة الستة في المئة التي حققها حزب السلام والديمقراطية وغيره من الأحزاب الكردية في الانتخابات البرلمانية. وبامتداده إلى الجهة الغربية تمكّن حزب الشعوب الديمقراطي من تحسين الأداء الانتخابي لحزب السلام والديمقراطية بشكل واضح، واقترب من عتبة العشرة بالمئة التي يفرضها الدستور للحصول على تمثيل في البرلمان، وهو إنجاز غير مسبوق لحزب ذي أغلبية كردية. وجعل هذا الأداء المتميز حزب الشعوب الديمقراطي يقرر الدخول في الانتخابات البرلمانية كحزب موحد بدلا من تقديم مرشحين مستقلين مثلما فعل في الانتخابات السابقة.

وبدخول حزب الشعوب الديمقراطي الانتخابات البرلمانية بصفته حزبا بدلا من مرشّحين مستقلين، تكون الرهانات كبيرة للحزب والجسم السياسي الكردي الأوسع، وأيضا لحزب العدالة والتنمية. فإذا ما اجتاز الحزب عتبة العشرة بالمئة ستتحسن كثيرا سمعته باعتباره حزبا ممثلا في البرلمان ومحاورا في عملية السلام مع الحكومة التركية. وإذا تجاوز الحزب عتبة العشرة بالمئة فسيفوز بعشرين مقعدا في البرلمان، وهذا يعني أنه ستكون له إمكانية منح حزب العدالة والتنمية الحاكم الأصوات التي يحتاجها لتغيير الدستور إلى نظام رئاسي أو عدم منحه تلك الأصوات.

ما إذا فشل ممثل الأكراد في بلوغ عتبة العشرة بالمئة فلن يكون له أي تمثيل برلماني، إضافة إلى ذلك ستذهب مقاعد الحزب إلى حزب العدالة والتنمية مما يمنح هذا الأخير القدرة على تنفيذ إصلاحات دستورية جذرية، بما في ذلك الانتقال إلى نظام رئاسي يمكن للرئيس رجب طيب أردوغان فيه أن يزيد من دعم سيطرته على القرارات السياسية.

ويواجه حلم دميرتاش لتركيز حزب الشعوب الديمقراطي ككتلة رسمية في البرلمان تحديات كبرى، لكنه يمكن أن يستفيد من الأوضاع الإقليمية، وبخاصة التبعات السياسية للصراع في مدينة عين العرب – كوباني. وقد تسبب رفض الحكومة التركية في البداية للسماح بوصول المساعدات العسكرية للقوات الكردية المدافعة عن المدينة في احتجاجات عنيفة في الجهة الجنوبية الشرقية من تركيا خلفت قرابة أربعين قتيلا.

ثم سمحت الحكومة بمرور 150 مقاتلا كرديا عراقيا من البيشمركة لعبور تركيا إلى عين العرب – كوباني، لكن الاحتجاجات شددت على أن المسألة الكردية ليست قضية داخلية. وقد أصبحت القضية جزءا من دينامية إقليمية لها تأثير على السياسة الداخلية والخارجية التركية.

وهذا الواقع يبرز أهمية محاولة حزب الشعوب الديمقراطي ليكون بديلا سياسيا ديمقراطيا ومتعدد الإثنيات. ويجد الحزب نفسه، اليوم، تحت ضغط هائل ليبيّن أنه مناصر ناجع للأكراد في تركيا والمنطقة المحيطة، وفي نفس الوقت يمكن أن يكون بديلا ديمقراطيا اجتماعيا ومتعدد الإثنيات لحزب العدالة والتنمية المحافظ. وللتوفيق بين هذه الأهداف المتناقضة ظاهريا (الدفاع عن أكراد المنطقة مع السعي لجذب الناخبين الأتراك على نطاق أوسع) على حزب الشعوب الديمقراطي أن يضاعف جهوده ليحقق خطوات ملموسة في عملية السلام عبر رسم الخطوط العريضة والدعاية لمقترحات مفصلة في نزع السلاح وإعادة إدماج مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المجتمع التركي، وإسناد بعض الصلاحيات للسلطات البلدية.

ولضمان أي حظوظ لتسويق هذه الأفكار للناخبين الأتراك وتجاوز عتبة العشرة بالمئة من الأصوات على الحزب أن يبني على الزخم الذي كسبه في الانتخابات الرئاسية حتى يتجاوز كونه حزبا كرديا بصفة حصرية، ويصبح بديلا لكل المواطنين الأتراك.

التعليقات مغلقة.