حوار مع الشاعر الناقد جميل داري

226

 

imagesحاورته: دينا سليم – أستراليا

بيني وبينك ميعاد مع المطر
كم انتظرت مجيء الغيم فانتظري
إن الجنون الذي ما بيننا قمر
فروّضي القمر المجنون يا قمري

أستهل بداية الحوار بهذين البيتين من صفحة الشاعر جميل داري في الفيس بوك، ذلك الفيس الذي يضع أمامنا العديد من الخيارات، لانكشاف العالم الأدبي والفني علينا، فبات الوصول لما نريده سهلا وفي متناول اليد، لكن نبقى حذيري الانتقاء طبعا، لما تسوده الصفحات من أقلام افتراضية تفترض الشعر بل وتتعلق بمتن القصيدة التي هي براء منهم.
الأستاذ جميل داري، شاعر سوري مغترب، عندما وقعت عيني على هذه الكلمات التي نظمها، (أنا لن أموت.. وهل يموت الميتون.. اخفض جناحك للقصيدة..كي تكون…ولا تكون…).
قررت محاورته، وكان لنا معه هذا الحوار:

1: بداية، أرجو من حضرتك أن تتحدث قليلا عن مولدك، نشأتك، وكيف بدأت الكتابة ومتى، وما هي الصعوبات والمعوقات التي واجهتك في البدايات؟

1. لبست ثوب العيش لم أستشر ..كان ميلادي منذ دهر وثانيتين في مدينة حزينة اسمها عامودا، سكانها أكراد يحبون الخبز والورد والشعر والسياسة، وقدمت قرابة ثلاثمئة طفل قربانا للثورة الجزائرية في 1960 كما قدمت الكثير من الشعراء والمجانين، وصدّرت أكثرهم إلى المنافي والموت، وهي التي وهبتني آلامها وآمالها التي أحملها على ظهري في حلي وترحالي من مكان لمكان، ومن زمان لزمان، وقد بدأت الكتابة في المرحلة الثانوية شعرا محاكيا، ما علق بقلبي من شعر كنا ندرسه على مقاعد الدرس ولم تكن ثمة وسائل ثقافية إلا الجهود الفردية في البحث عن كتاب أو مجلة، ولم تتسع الآفاق إلا في مرحلة الجامعة وما بعدها حيث تعرفت إلى بعض الصحف ونشرت فيها نصوصا نثرية وشعرية متواضعة، ولكنها كانت أساسا للمراحل التالية وقد ظللت طول الوقت قارئا جيدا ولم أكن إلا كاتبا له محبوه، وله مبغضوه في مجال شكل القصيدة، وطبيعة الأفكار المعاكسة للتيار، وما زلت أعتبر نفسي في البدايات وكل قصيدة أكتبها لا تنال رضاي، ولذلك أظل أكتب وأكتب سعيا للوصول إلى القصيدة الحلم ولكنها تبقى نجمة بعيدة عصية المنال…

2: كيف لمست اقتناع القراء بكتاباتك وتقبلهم لرؤيتك الشعرية؟

2. انقسم القراء وما زالوا إلى فريقين :
فريق يراني شاعرا حقيقيا غنيا باللغة والصور والموهبة، وفريق يطردني من جنة الشعر ويعتبرني تقليديا عازفا على دربكة الخليل بن أحمد الفراهيدي، ولكن لم أتأثر بأي من آراء الفريقين لأني أكتب الشعر إرضاء لنفسي وليس حبا في الظهور والشهرة، وفي المحصلة لم أستطع إرضاء نفسي ولا غيري، فالشعر في نظري هو صوتك الجريح في برية خالية من العصافير، وهمه أن يحول الصحراء إلى حديقة يرتادها الأطفال والمجانين والمهمشون الذين لا ظلّ لهم أي ثمة معادلة خاطئة في الكون والشعر هدفه تصويب الخطأ وما أعوج من نور في وسط هذا الديجور الكوني اللاهب والساقط على القلب كصخرة نارية ..

3: ما يؤرق الشاعر هو الوصول للحظة إنعدام الأفق وإنعدام الرؤية وعدم القدرة على إلتقاط الصورة الشعرية، وأكثر ما يقلق ويؤرق الشاعر هو أن يصل لحد تكرير نفسه بنفسه، ماذا تقول بهذا؟

3. هذه حالة أعانيها حيث أجدني راكضا محاولا القبض على الأفق الشعري والمجيء به حيا أو ميتا لإثبات مقدرتي على المستحيل قبل الممكن، ولكن ما يحدث هو خيبة كبيرة للأمل الذي أتشبث به في الشعر والحياة ولم يقدم لي “إلا المزيد من الوعود الخلبية على المستويين الشعري والحياتي، فما زال شعري في تمارينه الأولى وما زالت الحياة تكرر مباركة الموت نفسه حتى كأنهما وجهان لعملة واحدة، فالشر الذي حاولت التصدي له بالشعر ما زال حرا طليقا صفيقا، وبين الحين والآخر يمط شفاهه ويمدها مخرجا لسانه لي قائلا: تبا لك أيها الشاعر الذي يمشي بين الوردة والسكين .. بين الحلم والوهم ..بين الموت والحياة ..

4: كم هو نسبة تخوفك على مصير اللغة العربية، والخوف من إندثار الثقافة، وما هو همك في الحياة؟

4. خوفي ليس على اللغة فقط، بل على كل ما هو معرض للانقراض في حياتنا السوداء، وأهم ذلك هو الإنسان الذي قال فيه ميخائيل نعيمة :” كل ما في الحياة ثمين وجميل وشريق ولكن أجمله وأشرفه هو الإنسان”. فما قيمة الكائن الحي في بيئة تفتقر إلى اكسجين الحرية والكرامة ولاجلهما ضحى الكثير من الشعراء بالغالي والنفيس ويبقى همي في الحياة هو محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه من من المطر الذي دون الأرض يباب والرجال جوف كما يقال

5: ما القصيدة التي تمنيت أن تكون لك ولماذا؟

5. هناك الكثير من القصائد التي تمنيتها لي لعرب وغير عرب لذلك أحفظ ببعضها بسبب عودتي الدائمة لها وشعوري أنها زادي ومائي في رحلة الحياة ومن ذلك: تنويمة الجياع للجواهري، ورثاء البشرية للمعري، وقصيدة الوقت لأدونيس، وهجاء كافور للمتنبي، والكثير من شعر محمود درويش بالإضافة إلى أبيات متفرقة أعد كل بيت قصيدة كاملة ..إلخ

6: هل تعتقد أن أنثى اليوم تقتنع بقصيدة شاعر بقدر اقتناعها بأغنية حديثة؟

6. الأنثى التي تقتنع بالقصيدة غير التي تقتنع بأغنية حديثة، وأعتقد أنك تقصدين بالأغنية هنا ما لا يمت إلى عالم الفن الجميل كلمة ولحنا وصوتا وأداء، فأنا شخصيا لا أستطيع سماع هكذا أغان إلا من باب الطرفة والفكاهة، أما أنثى القصيدة فهي تلك المرأة الناضجة التي تهز سرير الجمال الحقيقي لأن القصيدة معيار للتمييز بين الثرا والثريا وبين التبر والتراب.

7: لو لم تكن شاعرا ..ماذا تتمنى أن تكون؟
7. لو لم أكن شاعرا طبعا لتمنيت أن أكون شاعرا، فالشعر نعمة على القلب وعلاج للروح التواقة إلى اجتراح المستحيل، والشاعرية درجات ولا يمكن بلوغها إلا من جاهد في الحياة واللغة لأن الشعر الأقوى هو الذي ينبع من عقل راجح وقلب واسع ..

8: ثمة حضور قوي للشعر الموزون في الساحة الشعرية، هل هو انبعاث جمالي أم ردة برأيك، ولماذا؟

8. الشعر شعر سواء أكان نثريا أو موزونا، وكلا النمطين يكتسحان الساحة الآن، وليس هناك أي ارتداد إنما هي مسألة ثقافات وبيئات ومواهب، فأنا مثلا أكتب الكلاسيكي إلى جانب التفعيلي وأعد نفسي استمرارا لمن قبلي وليس ردة وارتدادا، وهناك أصدقاء كثيرون يكتبون قصيدة النثر التي أحبها عندما تتشح باللغة الطازجة والصور المبتكرة، دون ادعاء وافتعال، كما أن جماليات الحياة تكمن في المختلف لا المؤتلف، لأن الاختلاف يؤدي في المحصلة إلى البحث عن الأفضل والأجمل في كل مناحي الحياة، غير أني لا أجد الروح الديمقراطية والصدر الرحب عند غالبية الشعراء والنقاد الذين يشنون على بعضهم معارك كلامية لا تبقي ولا تذر، وياما تعرضت إلى سهام الحداثويين ولم أكترث بها ولم أحاول الانتقام منها فكل الدروب تؤدي إلى روما القصيدة.              

عن: الحوار المتمدن

 

التعليقات مغلقة.