قانون أهل الكهف
“لا يخفى على أحد أنّ القيود التي وضعتها قانون المطبوعات في سورية، والتي أعادت الصحافة إلى العصر الحجريّ، حتى وصف هذا القانون بأنّه أسوء بكثير مما صدر من قوانين في عهد السلطان عبد الحميد، بل أنّ آخرون ماثلوه بقانون أهل الكهف”
تشكل الصحافة أو السلطة الرابعة في كل دول العالم أحد أهم القوى المُحرِّكة للحياة الثقافيّة والسياسيّة, وبقدر ما تكون الصحافة حرّة ومُستقلِّة، بقدر ما تكون مرآة صحيحة للواقع المعاش؛ ترصد مشاكله، وتساعد في إيجاد الحلول لها من خلال الحوار البنّاء بين أبناء الوطن الواحد.
ولا يُخفى على أحد أنّ القيود التي وضعتها قانون المطبوعات في سورية، والتي أعادت الصحافة إلى العصر الحجريّ، حتى وصف هذا القانون بأنّه أسوء بكثير مما صدر من قوانين في عهد السلطان عبد الحميد، بل أنّ آخرون ماثلوه بقانون أهل الكهف.
وهكذا كنّا نجد الصحفيّ أو الكاتب الحقيقيّ الملتزم، يضع إحدى قدميه في مكتبة والأخرى في زنزانة, والأمثلة كثيرة جداً ولسنا بصدد ذكرها هنا. حيث قضى العديد من الصحفيين والمثقفين سنواتٍ من أعمارهم في سبيل رسالة الصحافة السامية, والكلمة الحرّة.
هذا بالنسبة للوضع العام للصحافة السورية، فما بالك بالصحافة الكرديّة في سوريا؛ لقد ظهرت الصحافة الكرديّة إلى العلنية في سورية عبر مجلتي “هاوار ” الصادرة عام 1932 و “روناهي ” في عام 1942 التي أصدرها جلادت بدرخان ودفع ثمنها الإقامة الجبريّة في دمشق ، كذلك لعبت قيام الانقلابات واستلام الكتلة الوطنيّة الحكم، وإصدار المرسوم التشريعي رقم (2) تاريخ 2-4- 1949 بحجة مراقبة الصحافة فكان اغتيالها بحجة دمجها في صحيفة واحدة.
وجاء انطلاق البارتي ليرفع شعار “توحيد وتحرير كردستان”، وكانت أول صحيفة كرديّة تصدرها جهة سياسية في سورية ( دنكي كورد 1957 ).
إن هيمنة العقل الحزبيّ على الصحافة الكرديّة سببت بشكل طبيعي وضع الثقافة على الرفوف المغبرة والمعتمة كما كانت سبباً رئيساً في عدم الانفتاح على الآخر، وكذلك كان الاكتفاء بالخبر الصحفيّ وعدم التعمُّق في الصحافة التحليليّة وعدم وجود كوادر مُختصَة بالمسألة الإعلاميّة والصحافة الكرديّة وعدم دراسة الواقع الكرديّ خصوصاً والواقع السوري عموماً بشكل جيد والتقوقع على الذات وعدم محاولة الاندماج وكسب أصدقاء من أبناء الوطن الواحد – إلا في الفترة الأخيرة ( بعض التحركات من خلال لجان حقوق الإنسان ) – كانت لها آثار سلبية جداً في المجتمع.
كما لعب ازدياد عدد الأحزاب الكرديّة في تعميق النفور لدى الجماهير الكرديّة من الصحافة وعدم الثقة بها وبإصدارتها.
إنّ عدم وجود الإجماع على وجود صحيفة كردية واحدة تصدرها الأحزاب الكردية مجتمعة في سورية، تعبّر عن رأي الشّعب ومطالبه القوميّة، وكذلك عدم استخدام التقانة الحديثة في المطبوعات، وضعف المادة الصحفيّة ونشر الأخبار القديمة في ظل الثورة المعلوماتيّة هي من الأخطاء الفادحة والقاتلة.
وكذلك عدم وضوح الرؤية السياسيّة لبعض الأحزاب الكرديّة في سورية وتفاوت الشعارات أدت إلى ازدياد الصعوبات التي تعاني منها الصحافة الكرديّة, وفي الفترة الأخيرة أيّ بعد الثورة السوريّة ظهرت العديد من الصحف والمجلات اليوميّة الحرّة والسياسيّة في فضاء الصحافة الكرديّة منها :(Nûdem, Bûyerpress, Ronahî, Kurdistan, Nercis, Şar, Welat, Ziya).
توقفت العديد منها؛ بسبب استقلاليّتها وعدم تبعيتها لجهة سياسيّة معينة أولاً ولأسباب مادية وعدم دعم الصحافة الحرّة في المجتمع الكردي ثانيا، ولا تزال بعض الصحف تكافح وتناضل في أجواء الواقع الماديّ المرير وتحت ظل السياسة الحزبيّة الضيّقة بعدم تقديم المساعدة الماليّة لهم، حتى تصدر أعدادها على حساب لقمة أطفال محرريها ومنها صحيفة “Bûyerpress” .
والذي يحزّ في النفس أكثر هي توقف جميع المجلات الحزبيّة عن الإصدار أيضا وهي كثيرة ( المثقف التقدميّ – الأجراس – مواسم – فين – برس- الحوار – سورمي – ليلان – زانين – سلاف كه – كلستان- نوروز – روناك – روج – كلاويش – آسو – زفين- أدب القضية- ستير- ……..الخ
كان هذا سرد لأهم الصعوبات التي تعاني منها الصحافة السوريّة والكرديّة، فأقُل ما تطمح إليه الجماهير الكردية وجود لجنة إعلاميّة مشتركة تمثل كرد سوريا، وصحيفة واحدة تعبر عن مصالحهم العليا، كذلك إرسال بعض الطلاب الكرد لدراسة الصحافة في الدول المتقدّمة، وتشكيل لجنة للدفاع عن الصحافيين الكرد. أخيرا, وبمناسبة عيد الصحافة الكردية أتوجه بالشكر إلى كل الأقلام الحرة النظيفة أينما وجدت في هذا العالم.
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 18 بتاريخ 1/5/2015
التعليقات مغلقة.