الإيزيديون في العراق يتحدون معاناة التهجير بشقائق النعمان

37

سنجار (العراق) – أبى نازحون إيزيديون عراقيون أن يستسلموا لمعاناة النزوح والتهجير القسري، مصرّين على تجاوز تلك الصعوبات والآلام، ولو ليوم واحد، عبر الاحتفال بعيد رأس السنة الإيزيدية، المسمّى باللغة الكردية “سري صال” أو ما يطلق عليه بالكردية كذلك “جارشمبا سور”، بما يعني “الأربعاء الأحمر” باللغة العربية..

اقتصرت احتفالات الإيزيديين بعيد رأس السنة الإيزيدية، هذا العام، على إقامة بعض طقوسهم الدينية، بسبب المأساة التي حلت بهم، وجعلتهم يعيشون ظروف تهجير صعبة، جرّاء تمدّد تنظيم “داعش” في العراق.

ويحتفل الإيزيديون بعيد سري صال بالكردية، أي رأس السنة الإيزيدية أو جارشمبا سور بالكردية بمعنى الأربعاء الأحمر، باعتباره يوافق يوم الأربعاء، بحسب التقويم الشرقي الخاص للإيزيديين‎، ويتخلف عن التقويم الميلادي المعروف بـ13 يوما.

وشارك الآلاف من أتباع الديانة الإيزيدية في بعض مدن وبلدات إقليم شمال العراق، في مراسم خاصة بالبدء باحتفالات عيد رأس السنة الخاص بهم، وأشعلوا الآلاف من “الفتائل” التي أنارت ليل وادي معبد “لالش” المقدّس بالنسبة إلى الطائفة الإيزيدية في العراق والعالم، كما لوّن آخرون البيض، وعلّق البعض الآخر أزهار شقائق النعمان على مداخل البيوت ابتهاجا بالمناسبة.

يشار إلى أنّ الإيزيديين يعتقدون أنّ الألوان التي يصبغ بها البيض تحاكي النصوص الدينية الإيزيدية التي تقول إن الكون مرّ، أثناء تكوينه، بألوان مختلفة كالأحمر والأصفر والأخضر، أما “شقائق النعمان” التي يعلقونها على أبواب منازلهم وغرفهم فهي دلالة على الربيع.

وقال الباحث الإيزيدي، عيدو بابا شيخ، إن مراسم الاحتفال بعيد رأس السنة الإيزيدية تعود إلى آلاف السنين، و”إشعال الفتائل يرمز إلى بداية الحياة والكون، حيث أن الإيزيديين يتصوّرون أن الكون كان شيئا مظلما وبدأت الحياة بالنور”.

وأضاف شيخ أن “المحتفلين يستكملون مراسم احتفالاتهم صباح العيد، حيث يقومون بتعليق باقات من أزهار شقائق النعمان حمراء اللون على أبواب منازلهم بإلصاقها بكمية قليلة من الطين”.

ولفت الباحث “إلى أن الإيزيديين يقومون خلال العيد بسلق بيض الدجاج وتلوينه بشتى الألوان والأصباغ، وذلك كونهم يعتقدون أن البيضة تمثل أصغر وحدة فيها روح، كما أنها تشبه الكرة الأرضية، من حيث احتوائها على مكونات سائلة وأخرى صلبة”.

بيان إلياس حسن، امرأة إيزيدية في الأربعين من العمر، قالت وهي تضع باقة من الزهور الحمراء والصفراء فوق جدار مبنى تقطنه كنازحة مع أسرتها، وتلصق الباقة ببعض الطين المزيّن بقشور البيض الملوّن “هذا تقليد توارثناه عن آبائنا وأجدادنا، ولزاما علينا إلصاق باقة من أزهار نيسان (شقائق النعمان) فوق مداخل البيت والغرف الداخلية أيضا”.

وأضافت حسن “كل عام أقوم بهذا العمل، وها أنا أفعل ذلك رغم أنني نازحة في سرسنك (45 كلم شمال شرق دهوك)”، معتبرة أنّ هذا “ليس احتفالا أو فرحا بالعيد، بل هو واجب علينا، رغم كل ما أصابنا من مأساة”.

في الشارع القريب، بضعة أطفال إيزيديين يرتدون ملابس جديدة، ويحملون بأياديهم بيضا مسلوقا وملوّنا، يتحدّون بعضهم البعض في لعبة “التكاسر بالبيض”، فيضرب أحدهم بيضة غريمه برأس بيضته، ثم يقوم الثاني بالعمل نفسه من الجهة الأخرى غير المكسورة للبيضة، فيعلو الصياح والضحك بينهم.

شيلان نوري، قالت “سلقت نحو 40 بيضة وقمت بتلوينها بألوان مختلفة، فهذه المناسبة لا يمكن أن تمرّ دون بيض مسلوق وملون”.

وأضافت نوري “لا يمكنني تقبّل مرور صباح عيد سري صال دون البيض الملون وهو بأيدي أطفالنا وهم يمارسون ألعابهم التقليدية”، معترفة بأنّ “وجود آلاف المخطوفين والمفقودين الإيزيديين بأيدي إرهابيي داعش أمر مؤلم جدا، وهذه المصيبة لا تفارق خيال أي إنسان إيزيدي”.

واستدركت “لكن لا يجوز أن نتخلّى عن عاداتنا وتقاليدنا لأن هذا ما يريده أعداؤنا”.

ومع ذلك، فإن الكثير من الإيزيديين، الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، يرفضون تبادل التهاني والاحتفال بهذه المناسبة، حتّى أن بعضهم نشر صورا لبيض مصبوغ باللون الأسود، دلالة على عميق حزنهم.

يذكر، بحسب باحثين، أنّ الديانة الإيزيدية تعدّ من الديانات الكردية القديمة، وتتلى جميع نصوصها في مناسباتهم وطقوسهم الدينية باللغة الكردية.

وكان رئيس إقليم شمال العراق، مسعود بارزاني، هنأ الإيزيديين بعيد سري صال، مفتخرا في بيان أصدره للغرض بـ”تحرر جزء كبير من منطقة سنجار (موطن الإيزيديين بالموصل شمالي العراق) من أيدي إرهابيي داعش”.

وأضاف بارزاني “بكل ثقة نؤكد لكم أنه لن يبقى أي شبر من أرض كردستان تحت أيدي الإرهابيين، وستنتهي هذه الظروف التي تمر بها الأخوات والإخوة الايزيديين، وسيعودون إلى بيوتهم مرفوعي الرأس″..

والمعلوم أنّ عيد رأس السنة الإيزيدية هو عيد رأس السنة الشرقية، الذي يصادف أوّل أربعاء من شهر نيسان الشرقي، حيث تم في هذا اليوم، حسب العقيدة الإيزيدية، تسليم السلطة إلى الملك طاووس ليدير شؤون الدنيا. وهو من الأعياد المقدسة عند الإيزيديين، ولا بد لكل بيت إيزيدي من أن يقوم بذبح خروف في ليلة العيد، يطبخ قسم منه ويوزع قسم آخر على الفقراء، غير أنّ الظروف السائدة منعت الإيزيديين من إقامة معظم تلك الطقوس.

الجدير بالإشارة أنّ الإيزيديين في العراق كانوا قد اختصروا احتفالهم بحلول رأس السنة الإيزيدية بإقامة بعض الطقوس الدينية فقط بسبب صعوبة ظروف التهجير بعد الهجمات التي شنّها عليهم تنظيم داعش.

وقد اكتفى الإيزيديون بجمع الورود على شكل باقات، وإشعال الشموع وزيارة رجال الدين لساحة معبد لالش.

وقال لقمان سليمان، المتحدث الإعلامي باسم معبد لالش الإيزيدي، إنّ “عيد الأربعاء الأحمر يعدّ أقدم وأقدس عيد بالنسبة للإيزيديين”، مضيفا أن “العيد يرمز إلى رأس السنة الإيزيدية وبداية الخليقة، وأن سكان الشرق الأوسط وخصوصا بلاد ما بين النهرين، منذ القدم يحتفلون بالأربعاء الأحمر”.

وأضاف سليمان أنّ “الإيزيديين يواصلون الاحتفال به، حيث يرمز العيد إلى يوم بعث الخليقة وبداية الحياة”.

ووفق إحصائيات غير رسمية، يقدر عدد الإيزيديين بنحو 600 ألف نسمة في العراق، تقطن غالبيتهم في محافظتي نينوى ودهوك (400 كلم شمال بغداد)، فضلا عن وجود أعداد غير معروفة في سوريا وجورجيا وأرمينيا وألمانيا. وكان تنظيم داعش قد اجتاح فضاء سنجار (124 كلم غرب الموصل)، وتقطنه أغلبية من الأكراد الإيزيديين، في الثالث من شهر أغسطس 2014، قبل أن تتمكّن قوّات إقليم شمال العراق الكردية، المعززة بغطاء جوي من التحالف الدولي، من تحرير الجزء الشمالي من قضاء سنجار، وفك الحصار عن الآلاف من العائلات والمقاتلين المحاصرين بجبل سنجار.

_50174_ii4

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

_14292013109

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العرب

التعليقات مغلقة.