حركة المجتمع الديمقراطي”Tev-Dem” مشروع الحل الديمقراطي السوري

101

تفدم
مدخل:
بداية لا يمكن تناول الوضع الراهن وما آلت إليه الأمور، ولا رسم صورة المستقبل في سوريا، بمعزل عن الحقائق التاريخية والجغرافية الاصيلة للمنطقة بعد إزالة الركام عنها وابراز صورتها الحقيقية بعيدا عن تخريبات الايديولوجيا والباراديغما لصالح التسلط والاستبداد بما يتنافى مع مبادئ التطور الطبيعي للمجتمعات الذي ساد عصورا بكاملها، وعلى المستويات الحضارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاثنية وغيرها.
الأزمة في سوريا دخلت الفوضى العارمة والانفجار في ظل استمرار العنف والعنف المضاد بدعم ومساندة من مراكز القوى المستفيدة بسيناريوهات تفوق أحيانا طاقات شعوب على فهمها ناهيك عن التصدي لها، لدرجة باتت وجها لوجه أمام خطر التشظي والانحلال إن لم توجه الأمور وفق مناح سليمة تنقذ ما تبقى منها, خصوصا أن ما تسمي نفسها ويسميها البعض أيضا بالمعارضة السورية دخلت في متاهات ودهاليز لا تفهمها ولا تتقن اللعب فيها ولا تملك وعيا يؤهلها للخروج منها, وبالنتيجة تتحول لأداة تخدم الآخرين وليس أدل على ذلك من تحول الكثير ممن كانت تسمي نفسها قوى معارضة لأحضان داعش والجماعات السلفية الجهادية ومبايعتها ومشاركتها بالمجازر الجماعية على امتداد ساحات تواجدها دون رادع من اخلاق أو ضمير.
تعمق الازمة هي أكثر وأكبر واعمق وأخطر من كونها مجرد أزمة بنيوية للنظام أو سادته أو رموزه، بل هي نتاج دخول التطورات المجتمعية الى مدارات مصطنعة غريبة عن الطبيعة تطورت تدريجيا من خلال تطور فكرة الدولة والسلطة لدرجة القداسة لتصل مؤخرا لمرحلة المرض عبر الأنظمة القومية المبنية على ايديولوجيات متجمدة مصنعة وفق مقاسات مغلوطة أقلها أنها لا تتناسب مع حقيقة الإنسان والمجتمع الطبيعي التعددي التشاركي، والاقتصار على رؤى قصيرة النظر عمقت الأحادية لدرجة تأليهها بمعنى من المعاني، بشكل ولد معه ذاتيا الإنكار والإقصاء والتسلط والاستعباد والظلم، عبر بناء دكتاتوريات ونظم فاشية أو شبه فاشية كانت آخر ابداعاتها النظم الأمنية الخانقة للحياة والتي تنعدم فيها امكانيات الانفتاح والتطور، مما يدفع الوضع نحو انفجار الأزمة والتوجه نحو فوضى لا يمكن الخلاص منها إلا بتركيبات جديدة قادرة على التماشي مع العصر و التطورات العلمية والتقنية الهائلة في كل مناح العلم والحياة، والتي لا يمكن تجاهلها باعتبارها احدى السمات الاساسية لعصرنا ، وعصر الديمقراطية،حيث بدأنا نشهد ملامح ربيع الشعوب بوضوح.
أحداث السنوات السابقة في سوريا والمنطقة أكدت لنا أن الثورة في هذه المرحلة وفي مثل هذه الأوضاع تحتاج دون شك إلى نظرية متكاملة واضحة الملامح تجسد روح العصر، تؤمن مشاركة الشعوب والمكونات المختلفة بما فيها الجماعات الصغيرة وحتى الأفراد بشكل فاعل ومسؤول في بناء نظام ديمقراطي جديد وحمايته وتطويره.

الحقيقة المجتمعية السورية والعلاقة بين مكوناتها:
ليس سرا أن سيطرة المفاهيم السلطوية على المجتمعات قد أساءت كثيرا إلى جوهرها الطبيعي المتمثل في التعايش بين مكونات المجتمع ، وخصوصا بعد تشكل الدول القومية استنساخاً من التجربة الاوربية عبر سياسات تعسفية اقصائية أنكارية لفرض نموذجها الموحد من خلال الاعتماد على الايديولوجية القومية التي تحمل في جوهرها وذاتها بذور الاستعلاء والانكار، وانتهجت اساليب وطرق بعيدة عن القيم والاخلاق الانسانية لتمرير مصالح فئات معينة على حساب كل المجتمع.
وبالنتيجة باتت الشعوب وكل المكونات المجتمعية عرضة للتلاعب والتشويه، فانقلبت الحقائق والمفاهيم الاصيلة المتمثلة بالتعايش السلمي المتفاعل ايجابيا، الذي ساد قرونا في المنطقة التي تعتبر بحق رمزا من رموز التعددية والتشاركية الفاعلة.
آلاف السنين من التاريخ المشترك بين المكونات الأصيلة لهذا البلد خلقت منه وحدة مجتمعية منسجمة متناسقة متفاهمة، رغم كل المد والجزر والاخطاء التي حصلت والممارسات السلطوية والاستغلالية للحكام في مختلف الاوقات والأماكن، اذ أن اللحمة الاساسية الجماهيرية للمكونات بقيت بعيدة عن تناقضات وممارسات الحكام والفئات المستبدة.
يستحيل فهم حقيقة العلاقة بين المكونات السورية المتعددة والمتداخلة دون الغوص في اعماق التاريخ وبداية تشكل وتطور التجمعات البشرية و تشكل الحضارات على هذه الارض الذي يمتد لآلاف السنين وتمكنت من خلق اللوحة الحقيقية لمجتمع المنطقة.
ان المكونات الاساسية للمجتمع السوري الراهن والمتمثلة بالعرب والكرد والأرمن والسريان والكلد والاشوريين والتركمان والشيشان والشركس كلها مكونات اصيلة في هذه الارض شاركت في صناعة تاريخ وحضارة المنطقة وشكلت كل واحدة من هذه المكونات جزء من الرصيد التاريخي والاجتماعي لها.
تداخل الاقوام والعشائر والقبائل والمجموعات البشرية الأخرى طيلة قرون طويلة وتلاحمها في الصراع ضد الغزاة والتغيرات الديمغرافية التي رافقت سنوات الصراع المستمرة في المنطقة كل هذا خلق موزاييكا رائعا . متداخلا برز فيما بعد في الكثير من المواقف المشتركة لهذه الشعوب تجاه الهجمات الخارجية.
من هذه الارض ولدت الكثير من الديانات والثقافات واللغات والابجديات فكانت حضارات السومريين والاكاديين والاشوريين والميديين ، والميتانيين، والهوريين، والفينيقيين، فكانت مزوبوتاميا بذلك ابداعا حضاريا ، وما تلتها من ابداعات لم تكن إلا مجرد اضافات وتغييرات وتحولات في ما ابدعته هذه الحضارة, ويسهل جدا رؤية ملامح الروعة والاصالة التي تميزت بها المنطقة في الاساطير والملاحم التي وصلتنا.
سوريا تشكل جزءا مهما من هذه الجغرافية التي تزخر بهذا الكم الهائل من التنوع الاصيل بشريا وثقافيا ولغويا وحضاريا واذا اضفنا امتدادها على ساحل البحر الذي أمن لها التواصل والاستمرار والتمازج مع الشعوب والاقوام الأخرى خلف البحار، ولهذا عاشت سوريا تطورات وصراعات في مراحل عصرية مختلفة، تمكنت من إزالة الحدود بين المختلفين المتمايزين لتشكل منهم وحدة متكاملة قادرة على تقبل التنوع والاختلاف في داخلها ومع غيرها، ومن هنا فإنه لا يمكن لأي من هذه المكونات ان تدعي ملكيتها الاحادية الخاصة للمنطقة التي تعاقبت عليها وشاركت فيها كم هائل من المكونات التي تداخلت لتشكل لوحة واحدة تتعايش فيها كل الألوان، وهنا يكمن سر تمسك الجميع بوحدة البلد الذي يتميز اصله بتشكله الخاص الطبيعي الاصيل.
وعلى الرغم مما أشرنا لم يكن تاريخ سوريا مجرد لوحة سلام دائم، انما عانت من مشاكل وحروب وصراعات وغزوات اختلفت اغراضها وممارساتها تركت في كثير من الاحيان جروحا لم تلتئم طويلا، وفي صراعها هذا تمكنت من خلق اسلوب الحياة المستند الى التكامل والاخوة، او بشكل اخر يمكن القول ان هذه الصراعات والتناقضات قد دفعت بكل المكونات الموجودة للإيمان بضرورة الاعتراف بالآخر والتعاون والتعامل معه على اسس الندية والمساواة، اي الاعتراف بالآخر المختلف عنه والتعايش معه بسلام.
ولا يخلو التاريخ السوري من قادة في مراحل كثيرة كانوا رمزا للجمع بين السوريين على اختلاف اصولهم ودياناتهم وثقافاتهم ويجب ان لا يغيب عن بالنا ابدا ان ثقافة وسلوك الكثير من المنظومات الحاكمة التي سادت في هذه الارض بما فيها الامبراطوريات كانت تستوعب التمايز والغنى الثقافي وترفض الاغتراب والانكار والاقصاء.
العلاقات المجتمعية بين المكونات السورية.
لا يمكن لأي كان أن يقفز فوق حقائق التاريخ وتلك العلاقات العميقة – بسطحية و سذاجة -التي هي قديمة قدم التاريخ بدأت مع أولى هجرات العشائر والمجاميع السامية من شبه الجزيرة العربية نحو العراق ومن ثم امتدادها على أطراف نهري دجلة والفرات و انتشارها في سهول ما بين النهرين و لاحقا الغزوات العربية الإسلامية للمناطق الكردية أحدثت انعطافاً في هذه العلاقة .وإن كانت السياسات الإسلامية في بعض المراحل قد قامت على النفس القومي في الحكم إلا إن الكرد ظلوا بعيدين عن هذا التوجه والسلوك وبقوا صادقين مع إيمانهم وهنا تبرز أهمية قيادة صلاح الدين في تحرير القدس وأهمية شخصيته القيادية التي امتلكت روح الإسلام .
إن العلاقات الكردية العربية تطورت مع انتشار الإسلام على أساس التسامح والأخوة والانتماء إلى أمة ثقافية بعيدا عن الشوفينية القومية في المراحل التالية من تاريخ سوريا ومن الجدير ذكره إن التقاليد والنزاعات الإمبراطورية التي بنيت على أساسها الدولة الإسلامية ومن بعدها الإمبراطورية العثمانية في عدم تنكرها لوجود الشعوب والأقوام والعشائر المختلفة وتقبلها للتعددية تحت مظلة الإمبراطورية وان كانت باسم الخلافة فقد لعبت دورا هاماً في مسالة التعايش السلمي بين العرب والكرد. خصوصا إن غالبية الكرد اعتنقوا الدين الإسلامي ويبدو واضحا أن هذا التقارب كان له أثرا إيجابيا على العلاقة بين الكرد وغيرهم وكذلك المسيحيين ومن أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى. ويمكن التأكيد على تلك العلاقات الايجابية أيام الاستعمار الفرنسي و معارك التصدي لهذا الاحتلال. واستمرت العلاقات إلى بعد الاستقلال حيث لعب الكرد الدور الأساس في التحرر ووضع المدماك الأول في بنيان الدولة السورية الحديثة ،إلى أن سيطر حزب البعث على دفة الحكم بالاعتماد على الفكر القومي الشوفيني الأحادي.
السياسات الشوفينية والمشاريع الاستثنائية التي استمرت طوال نصف القرن سببت الكثير من المشاكل والأحداث والانتفاضات نتيجة لحالة الإنكار والإقصاء والقمع من قبل النظم الحاكمة العنصرية إلا انه ورغم ذلك فان الصراع لم يتطور يوما ليصل إلى صفوف المجتمع وبقي محصورا في عقول وذهنيات الساسة وأصحاب السلطة ولم تمكن من تفكيك نسيج المجتمع السوري وهدم ثقافة التعايش السلمي . وبقي التطلع إلى حياة مشتركة على أساس الحرية والعدالة والمساواة شكل أعلى القيم التي دافع عنها السوريين باستمرار ولا يزالون يحافظون على هذه الثقافة دون خلل وجداني وإنكار للآخر.
أما بالنسبة للعلاقة بين الكرد والسريان والكلدانين والاشوريين والأرمن وشيشان وتركما ن فهي الأخرى تمتد إلى عمق التاريخ بوصفهم مكونات الوطن المشترك ، والتي اتسمت دائما بالتفاهم ونعتقد أن أمورا عديدة ساهمت في حسن هذه العلاقات ، وروح التفاهم والتعايش المشترك.
وفي هذا الإطار لا يمكن البحث في مسالة المكونات وذلك بمنظور الأقلية والأكثرية للشعوب التي تعيش على هذه الجغرافيا فهي جميعها أصيلة وذات جذور تاريخية ثابتة، وكلها تملك حقوقا طبيعية في هذا البناء الشامخ الذي اسمه الوطن المشترك بغض النظر عن قيام الأنظمة الحاكمة التي عملت باستمرار على بث روح الفتنة والفساد والعداء بين هذه المكونات .
كانت سوريا دائما محط أنظار وأطماع الغزاة ولهذا توالت إليها الهجرات وتعرضت لغزوات بسبب غناها المادي و موقعها الاستراتيجي والتي تسببت بحالات من اللا إستقرار والفوضى والدمار والسلب والنهب فإنها في جانب آخر تركت ورائها آثار ثقافية مهمة وتداخلا حضاريا رائعا ليس هذا فحسب بل يكاد يكون الشعب السوري خليطا منسجما إلى حد ما من أعراق وأقوام بنت حضاراتها الذاتية الذي أكسب سوريا غنى ترك آثارا عميقة في روحية الإنسان السوري تمثل في توطيد قيم الحياة المشتركة بين مختلف المكونات الأثنية والدينية واللغوية التي لسنا بصدد ذكرها وتعدادها هنا
كما أن ثقافة إنكار الآخر ليست إلا ثقافة دخيلة و مستوردة بعيدة عن المفاهيم الأصلية لأبناء سوريا. فما تعرض له الكرد والسريان أو بعض المكونات الأخرى أحيانا لا علاقة له بروح الشرق وبالروح السورية الأصيلة.
الدولة السورية الحديثة والأزمة الراهنة
بعد حصول سوريا على “استقلالها ” إثر الحرب العالمية الثانية، عاشت مرحلة قصيرة من الازدهار السياسي تميزت بالتنوع والتعدد وبقسط من الديمقراطية، إلا أن الانقلابات العسكرية المتتالية خلقت غياب استقرار الوضع السياسي، لكنها رغم ذلك حافظت على تنوعها وظلت بعيدة عن إنكار الآخر وإقصائه، ربما كل ذلك كان نتيجة لبقايا تأثيرات عملية الاستقلال وروحها التي كانت لا تزال تفعل فعلها، فاستمرت التسمية بالجمهورية السورية اعترافا بتنوع مكوناتها وتعددها قوميا ودينيا وثقافيا ، لكن هذا الربيع الديمقراطي نسبيا لم يصمد إلا سنوات قليلة، حتى بدأت النزعات القوموية العروبية تتصاعد لتصل ذروتها بإعلان الاتحاد مع مصر كاستجابة لهذه النزعة التي تطورت في كلا البلدين، وبدأت الحريات بالانحسار والانقطاع، وتم خنق الديمقراطية النسبية الناشئة التي ظهرت في سوريا مع الاستقلال والتي استمرت عقدا من الزمن وتعرض التحول الديمقراطي في الدولة والمجتمع للانقطاع والتوقف، وبدأت السياسات القوموية تفعل فعلها، فكان إعلان الجمهورية العربية المتحدة ومن ثم تسمية الجمهورية السورية باسم الجمهورية العربية السورية إعلان صريح بقوموية الدولة وإنكار وإقصاء لكل المكونات الأخرى بما فيها تلك التي شاركت بقوة في الاستقلال والحياة السياسية مثل الكرد والسريان وغيرهم، وسيطر البعث الشوفيني على الحكم وبدأت الحريات تنحسر حتى اختنقت.
تسارعت المشاريع العنصرية والإجراءات الاستثنائية والتعسفية والاضطهاد والإكراه بحق الشعب الكردي وغيره من المكونات على كل الجبهات، فكان الإحصاء الجائر والحزام العربي عناوين بارزة للإنكار وظلم الآخر، ما لبثت أن شملت الجميع عبر إعلان حالة الطوارئ التي استمرت نصف قرن، شلت خلالها الحياة السياسية والديمقراطية، وأطلقت يد البعث الشوفيني ورجال الأمن ورموزه في البلاد دون رادع أخلاقي، حتى باتت سوريا أشبه بسجن كبير للشعوب والحريات والقيم الإنسانية .
كان لا بد من حل ديمقراطي شامل تتمثل في دمقرطة الدولة والمجتمع ، وحل القضية الكردية والمكونات الأخرى ، وهو ما بدا شبه مستحيل في ظل النظام السياسي السائد، فكان الحراك الثوري الشعبي ردا على حالة الاختناق التي سادت المجتمع المتأزم بشدة.
تطورات الأزمة والحراك الشعبي في سوريا ، ونتائج ما آلت إليها الأمور, أظهرت بما لا يقبل مجالا للشك أن هذه التحركات افتقرت للقيادة الكفؤة القادرة على قيادة دفة الثورة والتحول الديمقراطي لأسباب عديدة، أهمها غياب الرؤية الصحيحة للواقع السوري ومستقبله ، وافتقارها لاستراتيجيات وخطط سليمة لتطوير هذا الحراك الثوري شعبيا، وعدم اعتمادها على قواها الذاتية، مما سمح للخارج بالتدخل حتى بات الخارج ليس فقط العامل الحاسم بل في كثير من الأحيان الوحيد، وانفتحت سوريا أمام تدخلات لا حصر لها وتعددت مصادر التمويل لدرجة تمكنت من استخدام الساحة السورية لتصفية حساباتها وخدمة لمصالحها الاستراتيجية والتكتيكية، فكانت النتيجة نمو التيارات الإسلامية الراديكالية المتطرفة التي سيطرت فيما بعد على قوى المعارضة السورية الهشة وغير المنظمة كفاية، بدءا من القاعدة وجبهة النصرة وصولا إلى داعش كأخطر منظمة إرهابية متطرفة دموية عنيفة تخوض الحرب باسم الاسلام ضد كل قيم العصر، ويعتبر تناول هذه المعارضة الخاطئ للقضية الكردية وقضايا الشعوب والأقليات داخل سوريا إحدى ابرز أسباب ما آلت إليه المعارضة من فشل.
تمكن النظام عبر الحرب الخاصة مستفيدا من وضع قوى المعارضة سياسيا وعسكريا من فرض استراتيجيته إلى حد كبير للوصول إلى الثنائية التي باتت معروفة النظام أو القوى الإسلامية المتطرفة ، ونجح فيها إلى حد كبير، الاستثناء الوحيد كان موقف حركتنا التي أعلنت منذ البداية وقوفها إلى جانب الثورة بأسلوبها الخاص، واعتماد خطط عمل مناسبة رفضتها المعارضات الأخرى واثبتت التطورات التي شهدتها الساحة السورية صوابية نهجنا الديمقراطي السلمي.
المبادئ الأساسية للحل الديمقراطي في سوريا
أمام هذا الكم الهائل من المشاكل المعقدة التي دفعت بسوريا إلى هذا الواقع لابد من اعتماد حلول جذرية لا تكتفي بمعالجة الأعراض بل تتوجه نحو الأسباب وإزالتها ومنعها من الانتكاس والارتكاس او الظهور مجددا ويكون ذلك من خلال دمقرطة هذا الواقع بشكل كامل تحصل من خلالها كل المكونات الموجودة على كامل حقوقها دون إنكار او اقصاء لفتح الطريق أمامها للتطور والعطاء لتكون سوريا وطنا يشارك في بنائه وينعم بخيراته ويديره الجميع.
الدمقرطة الشاملة تشمل كل مرافق الحياة ، و هذه بالتأكيد عملية معقدة متشعبة مستدامة تحتاج للوقت و الجهد و نحن ندرك أن لا احد يملك عصا سحرية تحقق المطلوب خلال لحظات ، لكن لابد من وضع و تحديد المبادئ الأساسية التي يجب أن نستند إليها و لابد هنا من التكرار بأن نموذج الدولة – الأمة الذي يفضي إلى بناء دولة قومية أحادية يعتبر فخا قاتلا للشعوب و المجتمعات لابد من تجاوزه نحو مفهوم الأمة الديمقراطية التي ترفض تلك الحدود السياسية الضيقة نحو التعددية والعيش المشترك. إذا نحتاج إلى تكوين قادر على احتواء كل هذه العناصر بكل اختلافاتها الثقافية وبحرية ودفعها نحو التطور ويعترف بوجودها وحقوقها في البقاء والتطور من خلال هذا التنوع أما التفكير قوميا او دينيا او مذهبيا ومحاولة فرض الأحاديات ستقيدنا في المربع الأول وهذا الحل يكمن بالتمكين في تحول سوريا إلى كيان جامع مشترك لكل المكونات بكل عناصرها وأبنائها , والابتعاد عن مفهوم و منطق التضحية بالأجزاء في سبيل الكل والعمل وفقا لقاعدة إنقاذ الجزء و الكل معا على اعتبار أن الأجزاء تشكل الكل و الكل مكون من الأجزاء و لن يكون الكل حرا و صحيا إذا كان الجزء مريضا و يعاني من العبودية.
نحن الآن في سوريا أمام إعادة إنتاج جديد وعصري لمفهوم الوطن والأمة وإذا كان لزاما ولابد من القول بأن سوريا أمة فان هذه الأمة تتكون من أية قومية …؟ وهنا يمكن القول بأنها أمة لا تتكون من قومية أثنية ولا دينية ولا اقتصادية ولا ثقافية ولا لغوية واحدة بل ستكون الأمة المشكلة من التعددية التكوينية للجسم الحقيقي للمجتمع السوري وهذا ما يمكن تسميتها بالأمة الديمقراطية .المستندة إلى الأسس الديمقراطية والحريات والعيش المشترك لكل المكونات و العمل على بناء وتهيئة الأرضية المناسبة لظهور الفرد و المواطن الحر وهذا هو الحل المطروح للتنفيذ و الذي يعطي المجتمع و الفرد ككل من إمكانية تطور العقلية والتفكير و هنا لا بد من الإجابة على السؤال الأخر الأساسي الذي يطرح نفسه من تلقاء ذاته ألا وهو : ماهي الإدارة الذاتية الديمقراطية ،و ما هي الأسس التي يجب الاعتماد عليها وامتلاكها في الحل الديمقراطي الجديد.
تعبر الادارة الذاتية الديمقراطية عن التفسير الديمقراطي الغير دولتي لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. اذ بمقدور الديمقراطية والدولة ان تلعبا دورهما كسيادتين تحت السقف السياسي عينه. والدستور الديمقراطي هو الذي يرسم الحدود الفاصلة بين مساحتي نفوذهما.
ان الادارة الذاتية الديمقراطية هي التعبير الملموس للحل الديمقراطي في سياق حل كافة القضايا الاثنية ومنها القضية الكردية ايضا. وهو مختلف عن المواقف التقليدية. ولا يرى الحل في اقتطاع حصته من الدولة السورية بل وحتى انها لا تنساق وراء تشكيل دول اثنية بمعناها الشبه الاستقلالي. وكيفما انها لا تتطلع الى بناء دولة فيدرالية او كونفدرالية، فهي ايضا لا تعتبرها حلا خاصا بها. ومطلبها الاولي من الدولة السورية هو اعترافها بحقوق كافة الاثنيات والقوميات في ادارة أنفسهم بأنفسهم وبإرادتهم الحرة وعدم زرعها العراقيل على درب تحولهم الى مجتمع وطني ديمقراطي. فاذا كانت الدولة الحاكمة ملتزمة بالمبدأ الديمقراطي فعلا، لا قولا، فحتى لو لم تناصر المجتمع الديمقراطي ،فعليها الا تعيقها او تفرض عليها الحظر .

الأسس الاجتماعية:
أن الاتجاه والمنحى الخاطئ الذي أتبعه النظام في إدارة المجتمع جمد الحراك المجتمعي وتطوره ،مع ظهور الدول القومية و سيطرت مفهوم الأمة – الدولة تراجع اهتمام المجتمع بالقضايا الأساسية واعتبر الفرد والمجتمع أدوات لا للقيام بواجب الحفاظ على السلم المجتمعي للكل بل تحويله إلى خدم والمهادنة مع الكيانات الجديدة التي ظهرت متناسين أن التطور والتقدم كان يحصل عبر التاريخ القديم ولآلاف السنين دون وجود الدولة و القومية علما بأن المجتمعات التي لها سجل عمري طويل جدا في عمق تاريخ البشرية عاشت حالة ما قبل الدولة بشكل طبيعي و حققت خلاله تطورات جدية تعتبر الأهم في تاريخ البشرية كالثورة الزراعية .
إن إهمال المجتمع استجابة للتطورات السلطوية التي جلبتها الحضارة خلال مراحله التالية أوصل المجتمع والفرد الى حد الإنكار وتهميش دوره لا بل إنكار إمكانية استمراره وربطه بمفهوم دولة الكيانات الجديدة ولهذا دفع به إلى الصفوف الأخيرة من حيث الاهتمام به وأدت تلك السياسة إلى تقليص دور الفرد الحقيقي وبشكل ملحوظ وكاد المجتمع والفرد خلاله ان ينتهيا تماما من حيث الفاعلية الشخصية وباتوا يواجهون الفناء وكأنهما مصابان بمرض السرطان المجتمعي.
لقد تحولت الحياة العصرية السائدة الى فخ يحيط كليا بالمرأة التي هي اقدم عبد حيث زجت المرأة في عهد النظام الحاكم في وضع سيكون من الصائب تماما وصفها “بملكة السلع” فهي يد عاملة مجانية يبقى عليها في وضع “ربة المنزل ” انها العنصر الاول في لائحة التشغيل المرن، وآلة منجبه تضخ الاجيال الجديدة للنظام القائم، وهي تاج رأس صناعة الدعاية، ووسيلة تطبيق السلطة الجنسوية كما انها اداة اللذة والسلطة اللامحدود لجميع الرجال التسلطيين بدأ من الامبراطور العالمي الى الامبراطور الصغير داخل الاسرة، وهي المادة الشيء التي تمنح السلطة لمن لا سلطة له البتة. فالحياة الاجتماعية في مجتمعنا الحالي قد حولت الى طفل اشبه بالعجوز الصائر طفلا من جهة، وجرى تأنيثها من الجهة الاخرى والفاقد لإرادته، اما العائلة المتكونة حول المرأة والتي تعد من أقدم واعرق مؤسسات المجتمع، فتعاني الانحلال بالتمحور حول المرأة ايضا ولكن بصورة تامة هذه المرة. انطلاقا من هذه الحقيقة فالديمقراطية تعني الايمان بمبدأ ان حرية المرأة هي حرية المجتمع وبالتالي فحرية المرأة هي ضمانة كافة الحريات. إن بناء سوريا ديمقراطية يستوجب بناء مجتمع ديمقراطي أولا من خلال دمقرطة البنية المجتمعية بعد تطهيرها من مفاهيم سلطة الدولة المركزية “”سلطة ـ دولة “” التي أوصلتها لحد الدمار وهنا يتحتم ضرورة الاهتمام بالعلاقات المجتمعية على أساس إنها الأصل والمنطلق في العلاقات الصحيحة ويجب إعادة الاعتبار وتصحيح وضع المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع وذلك بتطوير آليات مشاركتها وفاعليتها في مختلف مجالات الحياة في تكوين وضع يليق بها من كل النواحي واعتماد ثقافة الحياة الندية مع الشريك الآخر في المجتمع
إن خصوصية المجتمع السوري تتمثل في أن التخريب الواسع قد شمل ولحق كل نواحي الحياة المجتمعية بدءا من أصغر وحدة مجتمعية وهي الأسرة وانتهاء بالمجتمع. وهنا لا بد من الضرورة بمكان احترام الحالة الاجتماعية العامة وكذلك الحالة الاجتماعية الخاصة لكل المكونات السورية بكل خصوصياتها الثقافية والهوياتية، لتتمكن بحق من ضمان استمرارية مجتمعاتها الحرة المستقلة نسبيا بعد أن كانت تحت تأثير نفوذ وضغوطات إضافية من السلطات الحاكمة دون الغرق مرة أخرى في مستنقع التمسك بهوية معينة وتحويلها الى عامل تمييز وتفريق بين المكونات، بل احترام وتعدد الهويات والانتماءات المجتمعية لكل المكونات وبكل امتداداتها التاريخية والتراثية. ومن ثم احترام الهوية الاجتماعية لكل مكونات سوريا و تمهيد السبل أمامها لتحقيق التطورات الديمقراطية هي أهم الأسس والغاية التي يجب التأكيد عليها في بناء سوريا المستقبل وهنا يظهر دور الفرد الذي تم تجاهله خلال مراحل طويلة وتظهر الحاجة لخلق الفرد المتحرر والمواطن الحر وهكذا يجب أن يسري نفس القول والاهتمام بفئات الأطفال والشيوخ و ذوي الاحتياجات الخاصة ولابد من حصولهم في هذا الوطن الجديد على ما يمكنهم من التحول إلى أفراد مواطنين أحرار قادرين على الإنتاج والإبداع في كل مجالات الحياة .فإذا أردنا إسقاط ذلك أكثر على أرض الواقع السوري يجب أن ندرك جيدا بأن المكونات المجتمعية السورية تمثل اللبنة الرئيسية للمجتمع السوري ككل ولهذا فان الحفاظ على مجتمعية هذه المكونات وحمايتها التي تعرضت لسنوات طويلة من القهر والظلم والإبادة والاستغلال وسيطرة المفاهيم الاستهلاكية بالإضافة إلى السياسات والمفاهيم القومية الضيقة وما تتعرض للانحلال من جهة والانغلاق والتقوقع والسكون من جهة أخرى
كما أن حماية البنية المجتمعية لمكونات المجتمع السوري عربا وكردا وسريان واشوريين وتركمان وشيشان من مسلمين ومسيحيين وإيزيدين ودروز وعلويين تكاد تكون إحدى أهم المهام التي يمكن من خلال شخصيتها الراهنة فقط إحداث التغيير الديمقراطي فيها ويجب ان تتحول كل واحد من هذه المكونات إلى ما أشبه بعائلة ديمقراطية في مجتمع ديمقراطي شامل لان المجتمع الديمقراطي وحده هو القادر فعلا على إعادة كينونة وحقيقة هذه المجتمعات إليها وهذا بالتأكيد يحتاج أولا إلى بناء الفرد المواطن الحر لتحقيق التكامل الكياني الذهني المؤسساتي الدائم في هذا المجتمع وهنا يجب ألا يغيب عن بالنا أبدا بأن بناء المجتمع الديمقراطي يحتاج أولا إلى الفرد الحر القادر على ممارسة حريته عبر أرضية سياسية ديمقراطية في البيئة المجتمعية الخاصة أو في بيئة أية جماعة ينتسب إليها هذا الفرد وليس هذا فحسب بل عند وجود الدولة سابقا كما هو الحال في سوريا والانطواء تحت سقف هذه الدولة فان هذا الحال يتحول إلى فرد مواطن في الدولة ضمن إطار المواطنة الدستورية وكذلك فرد حر في مجتمعه الديمقراطي أي يحتفظ بالصفتين معا وهذا ما يجب أن تكون عليه حال المكونات من خلال احتفاظها هي وأفرادها بهويتهم المجتمعية الديمقراطية وبالهوية الأخرى للدولة الموجودة في إطار المواطنة الدستورية، أي يستوجب بناء هذه الدولة دستوريا وضمان تلك الحقوق في الدستور. فالوضع الوطني الديمقراطي إذن سيتطور في هذه الحال نحو ضمان هذه المطالب في نصوص الدستور الوطني بهذا الشكل او ذاك وأما ضمان شبه الاستقلال الديمقراطي في الدستور الوطني وحق شبه الاستقلال من خلال ملحق داخل الدستور الوطني وهكذا بالإمكان لكل من المكونات المجتمعية الأصيلة في سوريا التمتع بصفة الفرد الحر في مجتمع ديمقراطي جنبا إلى جنب مع المواطنة الدستورية للدولة الأم بشكل متداخل وبالتزامن. أي ستكون هناك مواطنة ثنائية ومزدوجة.
الأسس السياسية:
من الصعوبة بمكان وجود أية كينونة مجتمعية دون إدارة خاصة بها . في الواقع السوري يجب أن نأخذ بعين الاعتبار وضع الحلول المناسبة لواقع هذا التعدد الثقافي على كافة المستويات وفي كل الاتجاهات للمكونات المجتمعية، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود سوريا والدولة السورية كواقع لابد من أخذه بالحسبان، ولابد لنا أن نؤكد على نوع من الاستقلالية والحرية لكل المكونات والهويات والانتماءات مع الاحتفاظ بالكيان المركزي الديمقراطي وهذا ممكن فقط من خلال الدمج بين المركزية واللامركزية على حد سواء، باعتبار أن سوريا بلد جميع المكونات وبالضرورة أن تتمتع هذه المكونات بحقوقها كاملة. إذا كانت بعض مبادئ الحالة السياسية قد تم التطرق إليها سابقا حيث لا يمكن الفصل بين تحرير المجتمع والسياسة، فأننا هنا نؤكد مرة أخرى على هذه الحقيقة مع ضرورة البحث عن صيغة توافقية تؤمن الدمج بين الجزء والكل، وتكفل حقوق الأجزاء التي هي المكونات الأساسية للمجتمع، وتحافظ على وحدة المجتمع السوري ككل وبهذا لابد من دور المركز لصالح الأطراف، وتقليل صلاحيات السلطات المركزية لصالح الإدارات الذاتية.
إن الحالة السياسية في سوريا يجب أن تخضع إلى تغيير في كيان الدولة إما عن طريق الإصلاح أو الثورة. وفي كلتا الحالتين سنكون أمام كيان سيكون الرافعة المركزية الجامعة لمختلف المكونات التي تشكل بمجموعها الكل السوري اي ستتداخل المركزية مع اللامركزية وستتطور اللامركزية بالشكل الذي يسمح لعناصر وهويات المكونات جميعها بالظهور والتطور والتعبير عن نفسها وهنا تبرز مسالة التقسيمات الإدارية التي ستحصل وقتها ليلتقي كل جزء بمكونه السياسي المتمثل بالإدارة الذاتية لهذا الجزء ومن المؤكد انه لابد من تقسيمات طبيعية تتناسب مع توزع المكونات والهويات وبهذا الشكل فان اللامركزية ستغدو ضمانة فعلية للمركزية وللعيش المشترك، لان المواطنة المشتركة ستكون التعبير العقلي والعملي عن الإدارة الحرة لمجموع أفراد أي مكون ولكل المكونات، وعلى هذا الأساس ستكون سوريا وطن كل المكونات رغم اختلافاتها وتمايزها، وطنا يحتضن الجميع ويمثل الجميع، واختيار الاسم الأصح لها وهو ربما إذا اخترنا أن النظام الجمهوري هو الأقرب للديمقراطية بان تكون الجمهورية السورية أو الجمهورية السورية الديمقراطية التي تمثل كل مكوناتها ولكل منهم حقوق وواجبات يجري تحديدها في الدستور الأساسي
الأسس الاقتصادية:
لم يعد خافيا على أحد ما ألت إليها الحالة الاقتصادية في سورية حيث شرعنت الدولة مشروعية السلب والنهب والاستغلال تحت شعارات قومية في إطار المؤسسات الحقوقية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي استحدثت لتبرير عمليات السلب والنهب ومنحها مشروعية معينة تمكنهم من الاستمرار في حماية مصالحهم. فالاحتلال الاقتصادي أخطر انواع الاحتلال واشد الاساليب بربرية في الايقاع بمجتمع ما وتقويضه وتفتيته. حيث كتمت انفاسه واخضعت حياته الاقتصادية للرقابة المشددة وتم الاستيلاء على ادواته الاقتصادية. وهكذا أصبح الاسر الاقتصادي افتك وسيلة لإنكار الهوية والحرمان من الحرية.
لا يقتصر النظام الاقتصادي في الإدارات الذاتية الديمقراطية على وقف هذه الممارسات الوحشية فحسب بل يعمل أساسا على إعادة بسط المجتمع لسيطرته على الاقتصاد مجددا، وشبه الاستقلال الاقتصادي هو أدنى حدود الوفاق بين الدولة والإدارات الذاتية، فشبه الاستقلال الاقتصادي يعمل أساسا بموجب الصناعة الايكولوجية والاقتصاد الكومينالي باعتبارهما انعكاسا للديمقراطية على حقل الاقتصاد. ولا مكان في شبه الاستقلال الاقتصادي للصناعة والتكنولوجيا والتنمية والملكية والاستقرار الريفي المديني الذي يدحض أو يرفض الايكولوجيا والمجتمع الديمقراطي. هذا ومحال ترك الاقتصاد ساحة يتحقق عبرها الربح ومراكمة رأس المال. إلى جانب عدم رفضه السوق والتجارة وتنوع الإنتاج والرقابة والعطاء إلا أنه لا يقبل إطلاقا بنفوذ الربح وتكديس رأس المال عليها، ، وثمة داع لأرضية قانونية لشبه الاستقلال الاقتصادي فالرتابة و النزعة المركزية الموجودتان في قوانين الدولة الحاكمة تحت اسم وحدة القانون، إنما تعد قيودا تكبح جماح الأبداع الاقتصادي وتكبل الايكولوجيا و المنافسة، لذا وعوضا عن مفهوم القانون هذا الذي يستند ضمنا إلى الاستعمار الاقتصادي، ثمة حاجة ماسة إلى الاقتصاد المحلي و آلياته شبه المستقلة. أي ان ما يلزم هنا قانون اقتصادي لا ينكر ظاهرة السوق الوطنية لكنه يضع ديناميكيات السوق المحلية نصب العين، في حين أن نظام قانون المركز الواحد هو أشد عوامل التزمت العصبي، ويعتمد على ذرائع سياسية بحتة ويخلو تماما من المنطق الاقتصادي.
الأسس القانونية:
القانون الديمقراطي قانون يعتمد على التنوع. والأهم من ذلك أنه قلما يلجأ إلى الترتيبات القانونية، ويتميز ببنية بسيطة غير معقدة. في حين أن الدولة القومية الحاكمة هي أكثر أشكال الدولة التي تصوغ الإجراءات القانونية على مر التاريخ. والسبب في ذلك يعود إلى تدخلها في كل شاردة وواردة في المجتمع بصورة عامة، وإلى سعيها للقضاء على المجتمع الأخلاقي والسياسي بصورة خاصة، حيث كانت المجتمعات القديمة تعمل على حل نسبة كبيرة من قضاياها بالإجراءات والتدابير الأخلاقية والسياسية.
.فإذا كانت مسالة الحقوق قد بدأت مجتمعية من خلال الأعراف والقيم والأخلاق الاجتماعية فأنها مع الزمن وعبر التطورات اللاحقة انزلقت نحو المتاهات التي دخلت فيها مسيرة الحضارة ,ومع تطور الدولة لمفهوم وزيادة تأثيرها امتدت نحو القيم الضابطة للمجتمع بسن الشرائع التي تتناسب مصالحها في كل مرحلة عبر قوانين ودساتير معينة ، حيث تحولت المؤسسة الحقوقية برمتها مع الزمن إلى إدارة لحماية شخصيات الدولة ومؤسساتها وتحمي قوى السلب والنهب وتحافظ على أمنها ومشروعية ممارساتها وتحاول إضفاء الصفة الشرعية عليها ,وما المحاكم والقوانين والمراسيم والتشريعات الاستثنائية التي طالت كل مناحي الحياة ليست إلا علامات بارزة على تحول هذه المؤسسة فعليا إلى أداة قمع وقتل ونهب وسلب الشعوب بكاملها وإنكارها وشرعت لمشاريع عنصرية نفذت بموجبها العديد من المجازر تحت اسم القانون والدستور والحقوق
.. لذا نحن نرمي هنا إلى ضرورة طرح وجهة النظر الديمقراطية للظاهرة الحقوقية في المرحلة القادمة مؤكدين على إن ” الامة الديمقراطية ” تستند إلى الأخلاق المجتمعية أكثر من الحقوق وهذا يحتاج إلى تطوير المؤسسات الحقوقية وتنظيم المجتمع وفقها للضبط على ما هو موجود في الدولة الراهنة لدفعها نحو التطبيق الديمقراطي الايجابي في الحقوق والدساتير الموجودة بما يتناسب مع المعايير الأخلاقية الوجدانية .
أسس الدفاع والحماية الذاتية:
لا شك أن كل كائن وكل تكوين حي يمتلك آلية للدفاع عن النفس، وهذا الدفاع المشروع تشرعنه كافة الأعراف والقوانين الدولية وحقوق الإنسان ومعاهدات الأمم المتحدة .. فمع تطور الحضارات ونشوء الدول وتزايد الصراع ظهرت الحاجة لمنظمات دفاعية خاصة تبلورت فيما بعد على شكل قوات و جيوش بدأت تأخذ أشكالا عديدة تمارس مهمة الدفاع عن المجتمع،وقد تحولت مع الزمن لأداة قمع بيد الأنظمة المتسلطة لدعم وترسيخ سياساتها ومصالحها خارجياً وداخلياً .
فالدفاع الذاتي هو دفاع مشروع يعتمد على تفعيل قوى المجتمع الذاتية بإرادة ذاتية، أي لا تنتظر موافقة الدولة أو دعمها أو توجيهاتها ولهذا تكون المؤسسات الدفاعية المتنوعة مستقلة إلى حد كبير. تنظم عملها الدستور الديمقراطي في الوطن.
ففي رحاب الوطن لابد للمجتمع أن يبني مؤسساته المجتمعية أو ما يمكن أن تطلق عليها مؤسسات المجتمع المدني التي تعتمد على تنظيم المجتمع، في كل الساحات مع الأخذ بعين الاعتبار انه قد يتعرض لهجمات من أنواع شتى تمتد من اللغة وصولا الى استهداف حياة المجتمع واقتصاده وأمنه وغيرها، ولهذا لابد من بناء تنظيمي على كل هذه المستويات لتمكين المجتمع من الدفاع عن عناصره الأساسية،وتطويره وتقدمه وهنا تظهر إشكاليات عديدة في العلاقة بين الجزء والكل بين الوحدات التي ستعتمد كأساس لتشكيل سوريا بوصفها الوطن المشترك وبين المؤسسات المركزية التي تمثل الكل مثلما هو عليه الحال من ضرورة اعتماد الهوية الثنائية او حتى الثلاثية إن لزم الأمر، فأن جميع المؤسسات التي تعمل في إطار منظمات المجتمع المدني كوسائل حماية وتطوير ستتبع نفس التطبيقات لابد من تنظيم المؤسسات الدفاعية بما فيها مؤسسات القوة العسكرية والأمنية وفق الشكل المعتمد للوطن الديمقراطي الذي نرمي لبنائه أي ستكون لكل جزء مؤسساته الخاصة الذاتية وسيكون للوطن ككل ومن يمثله من الدولة والنظام مؤسساته العامة ذات العلاقة .وهنا لابد من تنظيم العلاقة بين مؤسسات الدولة بوصفها مؤسسات على مستوى الوطن وبين المؤسسات المحلية التي تمثل أجزاء من سوريا اللامركزية التي يجب أن تقسم إداريا دون المساس بوحدة الوطن ومركزيته وهنا سيحصل الدمج بين المركزية واللامركزية بشكل متناغم . ما يسري على المؤسسات الأخرى يسري على المؤسسات العسكرية والأمنية، فكل جزء أو مقاطعة أو منطقة إدارية يمكنها لا بل ولابد من تشكيل قواها الخاصة، ويجري تنظيم علاقتها مع المركز بقانون مثلها في ذلك مثل جميع المظاهر الأخرى التي تحتاج إلى تنظيم دقيق.

الأسس الثقافية:
تكاد تكون الثقافة أهم الأسس والعوامل في بناء الديمقراطية وليس خاطئا أبدا مقولة بأن الديمقراطية بحد ذاتها مسألة ثقافية وسلوك وهي تتسرب إلى كل مفاصل الحياة المجتمعية وتحدد طابعها العام فالثقافة هي الحالة الروحية والمعنوية بكل تفاصيلها للمجتمع .ليس سرا أن الثقافة مثلها مثل كل الظواهر الأخرى أثرت وتأثرت بالواقع المعاش ,لكنها دائما احتفظت بدورها الفاعل في تحديد التوجهات العامة للمجتمع ,ولهذا فان الأنظمة السياسية عملت جاهدة بالتغلغل إلى هذه المنظومة لتشتيتها وقولبتها بما يتناسب مع مصالحها .يمكن أن نطلق على سوريا بأنها مهد الثقافات، لا بل أنها أرض الثقافات المختلفة البناءة، ولهذا تعددت الثقافات واللغات مع تعدد الحضارات بشكل رائع باتت فيها ثقافة مركبة من العديد من اللغات والثقافات في العمق التاريخي والجغرافي والحضاري الأصيل. سوريا يجب أن تعود مرة أخرى إلى ثقافتها الأصيلة.
إن سوريا الجديدة يجب أن تدرك هذه الحقيقة وتكون قادرة على احتضان هذا التنوع ، وهذا ممكن عبر فضاءات الحرية الثقافية يكون قادرا على حماية التراث الموجود، وتطويره لدمجه مع الحالة الديمقراطية ومن جانب أخر يستوجب رفض كل أنواع الثقافات الشوفينية والتعصب الثقافي واللغوي والديني والاثني والتعويض عنها بثقافة الحياة المشتركة.
نحن نعلم بأن الثقافة السورية تعرضت للتشويه والإنكار والإقصاء المتعمد خلال سنوات طويلة وتحت شعارات قومية شوفينية عصبية ، ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن عناصر الثقافة السورية بغالبيتها العظمى هي عناصر أصيلة نشأت على هذه الأرض وعليها ولدت ثقافة وأعراف وتقاليد ولغات المكونات السورية. لابد من تنظيم كل هذه العناصر بشكل حر من خلال مؤسسات المجتمع المدني المتنوعة وعلى كل المستويات وتوفير الإمكانات اللازمة لها على المستويات المركزية واللامركزية ، سوريا الوطن المشترك ستكون وطن كل الديانات والمذاهب واللغات والقناعات والحضارات المتعايشة جنبا الى جنب كمكونات أصيلة بضمانات دستورية
إنها باختصار ثورة ثقافية ديمقراطية للتعددية ضد الأحادية والإنكار. هذه الثورة ستطال مسألة اعتماد اللغات الأصيلة لغات رسمية وتمكين الشعب من تعلم اللغة والتعليم بها، وكذلك ضرورة افتتاح الأكاديميات اللغوية والثقافية وتطوير المراكز الثقافية .
الأسس الدبلوماسية:
ان الدبلوماسية في ما بين الدول القومية اصبحت اداة تلاعب ومضاربة في آلا عيب الحرب ،لقد باتت اداة لتهيئة اجواء الحروب ،وليس لاستتباب السلم .اما في كنف تقاليد الأمة الديمقراطية فالدبلوماسية تعني آداة لإرساء السلم والتعاضد والتبادل الخلاق وحل القضايا العالقة فيما بين المجتمعات ، أن دبلوماسية الأمة الديمقراطية وسيلة لتكريس السلم والعلاقات المفيدة ،لا لإشعال فتيل الحروب ،وهي تعبر عن وظيفة أخلاقية، وسياسية نبيلة وثمينة يؤديها الناس الحكماء .كما أنها تؤدي دوراً هاماً في تأمين سيرورة المراحل التي تدر بالنفع المتبادل وتعزز علاقات الصداقة فيما بين الشعوب المتجاورة والأقارب على وجه الخصوص ،كما تعتبر قوة أنشاء المجتمعات المشتركة والتركيبات الجديدة لمجتمعات ارقى
ويمكن لوحدات الادارة الذاتية اليمقراطية أن تبني علاقاتها الدبلوماسية مع وحدات أخرى على أن تحترم قوانين ودستور المركز.
ملامح سوريا المستقبل
بالنظر الى هذه اللوحة السورية المتأزمة الكارثية لابد لنا من التصدي بحزم ووعي ودراية لهذا الانحدار السريع نحو الهاوية، حيث تسبب نموذج الدولة القومية بمآس وأزمات مزقت البنية المجتمعية ولا يمكن تجنبها الا بتحول ديمقراطي راديكالي حقيقي,وإعادة النظر في سوريا الراهنة والعمل على تحويلها إلى وطن يتلائم ويتوافق مع قيم العصر ومبادئه دون التخلي عن الاصالة التاريخية لهذا البلد ومكوناته وتراثه وثقافته وحضارته وتعدديته
أننا امام مهمة جديدة وتحديات كبيرة تفرض على الجميع أحد أمريين لا ثالث لهما: إما المشاركة فعليا وعمليا في عمليات التحول الديمقراطي لسوريا وتجاوز بقايا النظام والتسلط القومي الاحادي الشوفيني بشكل يؤمن المشاركة الديمقراطية الحرة و سبل التطور لكل مكونات المجتمع السوري على قدم المساواة ، أو ترك سوريا لبراثن الرجعية الارتدادية المتعفنة المتمثلة في والتشكيلات الجهادية السلفية لتحيل سوريا الى صحراء حضارية وثقافية ومجتمعية.
التحول الديمقراطي سيخلق وطنا ديمقراطيا مشتركا لكل المكونات، يمكننا تحديد ملامحه الرئيسة ولو بالخطوط العريضة، ملامح سوريا الجديدة التي ستكون لكل السوريين . سوريا الديمقراطية التي يعيش فيها المواطن الفرد الحر، سوريا التشاركية التي تهب جميع المكونات لبنائه والدفاع عنه وحمايته.
لابد لسوريا ان تتحول من الدولة المركزية ، والتي اندفعت بجنون السلطة نحو التسلط والديكتاتورية والاوليغارشية، وابدعت في انتاج نظام أمنى مستبد شوفيني تنكر حتى لوجود الانسان ككائن له كرامته وقيمته، وحول سوريا بكليتها الى زنزانة يعمل سجانوها بشكل ممنهج ومنظم للقضاء على ابجديات الحرية والحياة الكريمة.
لابد لها ان تتحول ديمقراطيا وفق المعايير الصحيحة التي تحترم التعددية وتحقق مشاركة الجميع جماعات وافراد في العمليات المجتمعية عبر تامين الحريات والفرص للجميع، وهذا لا يمكن تحقيقه في سوريا كدولة قوموية احادية مركزية، اي لابد لسوريا ان تتحول نحو اللامركزية لتمكين جميع المكونات باختلاف ابعادها ومزاياها وخصائصها من المشاركة في الحقوق والواجبات في الوطن المشترك الذي يجب ان يكون شعار الجميع دون اقصاء او ابعاد او تحكم او احتكار أو تسلط، اي لابد ان يكون وطنا تسوده القوانين العادلة والاطر الديمقراطية التي ستكون الضمانة الدستورية الحقوقية لسوريا المنسجمة مع هذا العصر.
ان الاصرار على الإطار اللامركزي في سوريا، لا يعني الغاء المركز كليا، بل إن المركز سيتحول من كونه اداة تحكم الى وسيلة تنسيق وتوحيد بين جميع الاجزاء التي تشكل الكل، مع احتفاظه بوظائف اساسية تحمل الصفة الاستراتيجية العامة.
لا بد ان تكون الدولة في الجمهورية السورية على نفس المسافة من كل الثقافات والاديان واللغات وغيرها من العناصر المختلفة للشعوب والمشاركة في بناء سوريا ديمقراطية تحقق الفصل بين الدين والدولة، وستكون من مهمات الدولة تأمين الاجواء الديمقراطية لتطور العناصر الثقافية المكونة للمجتمع بما فيها الاديان والمذاهب والطوائف بشكل حر، وعدم السماح بسيطرة احداها على الاخرى، ولا تهميش احدهم للآخر.
لابد من التوجه نحو تقسيمات ادارية جديدة وفق معايير علمية تأخذ حقيقة التنوع الثقافي في سوريا بكل مكوناته بعين الاعتبار، بعد التخلص من الذهنية والنزعة التي سيطرت على الدولة طيلة العقود السابقة.
وهنا ما يجب الاشارة اليه ان تطبيق الادارة الذاتية الديمقراطية تتطلب مقدما وجود نظام ديمقراطي في سوريا.إذ لا ديمقراطية في سوريا دون بناء إدارات ذاتية وحل مشاكله الديمقراطية المتمثلة في دمقرطة المجتمع والدولة وحل كل قضايا المكونات وعلى راسها القضية الكردية.

هذا الوطن يمكنه أن يحيا بسلام ووفاق مع محيطه الديمقراطي، لابل ستكون سوريا مثالا يحتذى في هذا الشرق للتحول الديمقراطي الحقيقي الاصيل، وسيتمتع باحترام الجميع من الشعوب والمجتمعات المجاورة. وسوريا الديمقراطية ستشكل ارضية جديدة لبناء الانسان والمجتمع بشكل سليم، وستدفع باتجاه خلق المواطن الفرد الحر.
يجب ان ندرك ان كل مكونات سوريا المجتمعية عابرة للحدود، لا تتوقف عند حدود الدولة السياسية بدءاً من العرب والكرد والسريان والارمن والتركمان وكذلك المسلمين والمسيحيين واليزيديين من جهة اخرى، وهذا التنوع سيشكل اساسا لعلاقات صحيحة وصحية مع دول الجوار، وستشكل ارضية خصبة لبناء علاقات كونفدرالية ديمقراطية قد تعم الشرق الذي يرفض بطبيعته تكوينات النظريات القوموية العرقية والدينية بما فيها الدولة القومية.
تحقيق كل هذا يتطلب وعيا وايمانا وثقة والتزاما بالمثل الانسانية العليا وكذلك اصرارا على العمل الملتزم المنظم والمخطط لطليعة واعية تستهدف بناء المجتمع الديمقراطي الحر من خلال خلق المواطن الفرد الحر في وطن ديمقراطي مشترك لكل ابنائه.
الخطة العملية لتنفيذ المشروع.
بالنظر الى هذا الواقع السوري يمكن ان نرى بكل سهولة ان الاحداث التي جرت حتى الان بدأت تفعل فعلها في تمزيق النسيج المجتمعي السوري وتصدع الوحدة الوطنية بسبب اصرار الاطراف المتصارعة على استخدام العنف استمرار هذا الواقع سيدفع باتجاه التقسيم والتشظي مما سيحدث انفجارا يهدد المنطقة برمتها نظراً لتشابه اوضاعها وتركيباتها لذا لا بد من إيجاد حل لهذا الواقع المتردي الذي وصل الى حافة الانهيار عبر إيجاد حلول عملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سورية ووقف الانفجار الذي يهدد ليس فقط الدولة السورية بل حتى المكونات المجتمعية في كل المنطقة
الحل السياسي لا زال يفرض نفسه كحل وحيد وبديل للحل العسكري- الذي تصر عليه الأطراف المتنازعة – في اطار الوحدة السورية القائمة على اساس احترام التعددية على كل الجبهات والاصعدة والمكونات من خلال التخلص من مفاعيل التوجهات والافكار القومية الاحادية الانكارية واجراءاتها ومؤسساتها نحو بناء مجتمع ديمقراطي تعددي في دولة لا مركزية قادرة على فسح المجال امام كل عناصر المجتمع لتلعب دورها الحقيقي في سوريا المستقبل ويجب ان لا يغيب عن بالنا ان الازمة السورية باتت أزمة اقليمية ودولية نتيجة التدخلات الخارجية على ارض الواقع .
ومن اجل وقف نزيف الدم السوري وانتهاء حالة التشرذم والتبعثر التي تمر بها سوريا وقواها السياسية والتي تسببت في هدر طاقات المجتمع السوري وديناميكياته الداخلية وتتويج الثورة السورية بالنصر ولإعادة بناء سوريا ديمقراطية حرة على أساس اتحاد التنوعات والاحترام المتبادل بين الكل السوري والأجزاء المكونة له لا بد من وضع خارطة طريق لحل الازمة السورية على أسس الديمقراطية التوافقية والعدالة والمساواة والتمييز الإيجابي بين الجنسين، واعتبار حرية المرأة هي ضمانة كافة الحريات.
لا بد من الالتزام بعدة مبادئ تتفق عليها القوى السورية لفرض حل سياسي واقعي في مثل هذه الظروف :
.المبادئ الأساسية :
1. الانتقال من حالة الاستبداد ومن البنية القوموية الشوفينية والانتقال إلى نظام ديمقراطي لامركزي يتشارك فيه الجميع في الإدارة والبناء.
2. محاربة الجماعات السلفية الجهادية التكفيرية بمختلف مسمياتها .
3. الحفاظ على وحدة الوطن السوري.
4. احترام التنوع المجتمعي السوري بكل مكوناته
اعتمادا على هذه المبادئ الاساسية فإننا نرى أنه على القوى السورية الفاعلة على الارض ان تتحرك بقوة بطرح نموذجها من خلال الوصول بالتوافق الى صيغة مشتركة للحل وهذا ممكن من خلال النموذج الذي طرحناه سابقا مما يستوجب:
اولا- طرح مشروع الحل المعتمد ومناقشته مع كل القوى السياسية المؤمنة بالحل السلمي الديمقراطي بدون استثناء والنقاش معها الايصال المشروع الى صيغته النهائية
ثانيا – تشكيل اكبر تجمع ممكن من هذه القوى السياسية وعقد اجتماع موسع لممثليها للسير بالمشرع وتطبيقه على ارض الواقع
ثالثا- عقد مؤتمر وطني سوري (مؤتمر السلام والحل الديمقراطي السوري) يدعى اليها كافة القوى السياسية المؤمنة بالحل السلمي و مؤسسات المجتمع المدني والفعاليات المجتمعية وبرعاية الأمم المتحدة .
رابعاً: انتخاب مجلس من المؤتمر محدد الصلاحيات ومن كل المكونات مع مراعاة نسبة تمثيل المرأة والشبيبة، ويكون مسؤولاً أمام المؤتمر من مهامه:
1. العمل على وقف اطلاق النار .
2. اطلاق سراح المعتقلين السياسيين على خلفية الأحداث
3. التواصل مع الدول المعنية بالأزمة السورية والأمم المتحدة .
4. إدارة المرحلة لحين الذهاب لأنتخابات عامة .
5. يقوم المجلس بتشكيل لجنتين الاولى مهمتها صياغة مسودة دستور ديمقراطي متفق عليه للدولة السورية الديمقراطية. والثانية تحديد آلية وشكل الانتخابات العامة في سوريا.
خامساً :تنتهي صلاحيات ومهام المجلس الديمقراطي السوري مع انتهاء المرحلة الانتقالية في سوريا.
بالتأكيد ندرك انه لا توجد اية وصفات جاهزة وكاملة لهذا الواقع السوري الذي اذا استمر انما يهدد المنطقة والعالم برمته لكننا ندرك ايضا ونؤمن ان الجهود الخيرة لأبناء هذا البلد واصدقائه ستثمر عن مشاريع قادرة على انقاذ ما تبقى من سورية وحماية الاخرين من شظاياها اذا انفجرت لكن ذلك يحتاج الى رؤى موضوعية قمنا بطرحها من خلال هذا المشروع القابل للتطوير والتحديث عبر مناقشته في مختلف الهيئات والمحافل التي تجد نفسها مسؤولة ولو اخلاقيا ووجدانيا عن ايجاد حل لهذه الازمة وهذا بدوره يستلزم الاصرار والالتزام الواعي بقضايا الشعب من خلال رؤى ديمقراطية حقيقية تسمح للجميع بالمشاركة في الحل والبناء لتكون سورية وطن ديمقراطيا تعدديا لا مركزيا علمانيا لكل السوريين على اساس احترام الحقوق الديمقراطية لكل المكونات وفق ما تنص عليه القوانين والاعراف الدولية بضمانات دستورية تتكفل بها القوى المشاركة .

TEV-DEMحركة المجتمع الديمقراطي.
16/2/2014

 

 

التعليقات مغلقة.