مذكَّراتُ فراشة / أنجيلا عبدالنور
كنتُ أنتظرُ الموتَ كدودة.. لا أعرفُ كمْ مِنَ الوقتِ مرَّ عليَّ بعدَ أنْ لفَّتْني الأكفانُ.. يقولونَ أنَّ الموتَ لا يوجعُ لكنِّي كنتُ أتألَّمُ.. لمْ أعرفْ هلْ كانَ ألمَ التحلُّلِ أَّم التحوّل. تكوَّمتُ في عُزلتي أسترجعُ أيامي كدودة. كنتُ أختبئُ بينَ أوراقِ الشجرِ, كلُّ ما أجيدهُ هوَ التهامُ الأوراقِ بشراهة. لمْ يكنْ شكلي الغريبُ, الدميمُ ربما, جذاباً لأحد, لكنْ لمْ يخلُ الأمرُ من بعضِ الفضوليينَ الذينَ توقفوا لاكستشافي بعضَ الوقتِ, ثمَّ رحلوا . تباً لهم! لا يعرفونَ أنَّ للدُّودِ أيضاً مشاعراً. أتذكَّرُ أنَّ أحداً قالَ أنني سأصيرُ شيئاً جميلاً, البعضُ بارعونَ بقراءةِ المستقبلِ.. جميلٌ أنْ تجدَ أحداً يؤمنُ بكَ حتى لو كنتَ خرافةً. اجتررتُ أفكاري مراراً وحاولتُ تجميعَ الصورِ المبعثرةِ في مخيلتي علَّني أكملُ اللغزَ. لا أعلمُ بالضبطِ ما الذي أطلقَ شرارةَ التَّحولِ, رُبما فقطْ أنَّ وقتي حانَ. وكانتْ لحظةَ أنْ مزقتُ أكفاني ورويداً فردْتُ جناحيَّ للشمسِ ثمَّ بدأتُ أرتفعُ نحوها. لمْ أتعرَّفْ على نفسي بالبدايةِ, قطرةُ ندىً على إحدى الزهراتِ صوَّرتْني, لكنَّها سقطتْ قبلَ أن استوعبَ ما رأيتُ, فطِرتُ إلى قطرة أَخرى ثمَّ أُخرى, وكنتُ كالمجنونةِ أقفزُ فوقَ الورودِ. جميلٌ أن تنتقلَ من مخلوق يختبئُ بينَ الأوراقِ إلى مخلوق بديع يُحلِّق في الهواءِ وتشيرُ إليه الأصابعُ, وإنْ حطَّ , يحطُّ على الورود.! رغمَ أنِّي صرتُ أرى المنظرَ بشكل أوضح مِن فوق, ما زلتُ لا أعرفُ الحكمةَ منْ أنْ أبدأَ حياتي كدودة, ربما ذلكَ حماني من أيادٍ كانتْ ستمتدُّ وتخطفني قبلَ أن أمتدَّ على كاملِ حدودي, أو ربما لأُثمِّن أكثرَ ما أنا عليه الاّن. ولكني خرجتُ بحكمة لا تَقلُّ شأنا: لا تستصغرْ أيَّ مخلوق, فلا تدري متى يمزِّق أكفانَه ويحلِّقُ عالياً…
نشرت في صحيفة Buyerpress في العدد 15 بتاريخ 2015/3/15
التعليقات مغلقة.