السوريون مجبرون على تغيير نمط استهلاكهم مع زيادة فقرهم
أُجبر السوريون على ممارسة أنماط معيشية جديدة للتأقلم مع الواقع الجديد الذي يعيشونه جراء الارتفاع الكبير في الأسعار، وانتشار البطالة، حيث تشير إحصاءات إلى أن 2.5 مليون سوري فقدوا وظائفهم، فيما يعاني أكثر من 54 بالمئة من السوريين من فقر مدقع.
وقد أدى الاتساع المتزايد للفجوة بين مستويات الأسعار المسجلة خلال العامين الأخيرين، والدخل الشهري المترنح تحت ضغط البطالة، إلى تغير سلبي عميق في أنماط الاستهلاك للعائلة السورية، التي وجدت نفسها مضطرة لإعادة ترتيب أولوياتها بما ينسجم ودخلها الشهري.
و أنه “بمقاربة إحصائية بسيطة لمتوسط إنفاق الأسرة عام 2009، البالغ رسمياً نحو 30 ألف ليرة (600 دولار)، وآخر رقم قياسي لأسعار المستهلك صادر عن المكتب المركزي للإحصاء في شهر (أغسطس) آب من العام الماضي، يتبين أن الأسرة السورية تحتاج شهرياً إلى إنفاق نحو 96 ألف ليرة لتعيش بمستوى معيشة عام 2009. وبإضافة الزيادات المتكررة التي حصلت على أسعار جميع السلع المدعومة خلال النصف الثاني من العام الماضي، فإن متوسط الإنفاق الشهري يقفز بنهاية عام 2014 ليصل إلى 125 ألف ليرة (625 دولاراً وفق سعر صرف قدره 200 ليرة)، فيما لم يتجاوز متوسط الرواتب والأجور رسمياً أكثر من 22 ألف ليرة”.
كما أن “هذه الفجوة دفعت الأسر السورية إلى محاولة التأقلم مع ما هو متاح لقدرتها الشرائية”.
شفيق عربش الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق يقول: إن الأسر السورية “أكرهت على نمط معيشي جديد حتى تتجنب الجوع والحرمان، فغيّرت سلتها الاستهلاكية لتتكون من المواد الأرخص والأقل تغذوية”.
ومن شأن هذا الأمر ترك تأثيرات صحية خطيرة، ولا سيما على “الأطفال الذين لا يحصلون اليوم على ما يحتاجون إليه لنمو أجسادهم. فنحن نأكل ولا نتغذى. قد يكون البالغ أقل تأثراً من الطفل، لكن تحول نمط المعيشة نحو أشياء محددة سيؤدي إلى زيادة الطلب عليها، وتالياً ارتفاع أسعارها لتصل الأسر لاحقاً إلى مرحلة تعجز فيها عن تأمين حتى الحد الأدنى لمعيشتها”.
وقد تبين أن التغير الذي طرأ على أنماط معيشة السوريين خلال العامين الأخيرين يتبدى من خلال تطورين هامين. الأول يتمثل في ارتفاع نسبة ما أصبح يشكله الغذاء من إنفاق الأسرة على سلة احتياجاتها اليومية، حيث تشير تقديرات الباحثين إلى أنه بات يمثل ما يقرب من 60 بالمئة مقارنة بنحو 45 بالمئة قبل الحرب، دون أن يعني ذلك تحسناً في الحالة التغذوية للأسر بالنظر إلى الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية وتدني مصادر الدخل، كما أن حصة الوقود والكهرباء وتكلفة توفير السكن شهدتا هي الأخرى ارتفاعاً ملحوظاً.
أما التطور الثاني، فيتعلق باتجاه غالبية الأسر نحو السلع والخدمات الأساسية ذات الجودة المتدنية. فإلى جانب الإقبال على شراء السلع الغذائية المتدنية المواصفات، اضطرت العديد من الأسر ولاسيما تلك التي نزحت عن منازلها للإقامة في أماكن غير مهيأة للسكن ولا تتمتع بظروف صحية سليمة. وكل ذلك كان أيضاً على حساب إنفاق تلك الأسر على بنود رئيسية أخرى كالصحة والتعليم.
ومع ذلك، فإن تحوط الأسر السورية وشد حزامها الاستهلاكي لم يمنعا الكثير منها من الوقوع في مصيدة الفقر. فتقديرات الباحثين تجزم بأن “نحو 54.3 بالمئة من السوريين يعيشون في حالة الفقر الشديد، إذ لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية، كما أن 20 بالمئة يعيشون في حالة من الفقر المدقع، أي لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المحاصرة والساخنة حيث ينتشر الجوع وسوء التغذية”.
ويطالب عربش بجملة خطوات يفترض بحكومة النظام اتخاذها، أهمها “تأمين مستلزمات إطلاق عجلة الإنتاج، إذ لا يمكن في ظل فقدان حوامل الطاقة والتعقيدات في استيراد المواد الأولية فعل ذلك، فمن شأن إعادة العملية الإنتاجية تحقيق عدة نقاط إيجابية منها زيادة التشغيل، تأمين دخل، وتوفير مواد في السوق المحلية وغيرها”.
ويعاني الاقتصاد في سورية من مشاكل كبيرة جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ أربع سنوات، بالإضافة إلى غياب الرقابة وانتشار الفساد الذي ترعاه حكومة النظام لتشتري به ولاء أعوانها ومؤيدها، بينما تزيد معاناة المواطنين بعد أن رفعت حكومة النظام أسعار مواد أساسية يعتمد عليها المواطن السوري كالخبز والسكر والرز، وجميع المواد الغذائية الضرورية، بالإضافة لرفع أسعار الوقود والمواصلات.
السورية نت
التعليقات مغلقة.