اليوم العالمي للّغات الأم / عبدالحكيم أحمد محمد

22

حضارتنا بدون-عنوان-300x207وثقافتنا ولغتنا تشهد عليها الآثار التي وجدت على أرض كردستان, كما يشهد عليها العديد من الباحثين والمؤرخين والمستشرقين, والمقولة الشهيرة لمينورسكي هي خير دليل على ذلك: ” إن الثقافة الكُردية هي من أغنى الثقافات على وجه الأرض, ولو اتيح لها المجال بالظهور لطغت على ثقافات العالم أجمع”.

يصادف يوم 21من شهر شباط الجاري اليوم العالمي للّغات الأم في العالم, اليوم الذي أهمل من قبل الكثير من الشعوب ومن بينهم الكرديّ. إن لإحياء هذا اليوم أثر كبير علينا جميعا ً وخاصة نحن الكرد, لكم هو جميل أن نحتفي بهذا اليوم, لا بل لكم هو جميل أن نفتخر بلغتنا الجميلة ونفتخر بأنفسنا لأننا استطعنا أن نحافظ على لغتنا على مرّ العصور ومنذ آلاف السنين تحت وطأة الظلم والاستعمار الذي مازلنا نعانيه والذي يحاول جاهدا ً أن يمحو هذه اللّغة من على وجه الأرض بكافة السبل (تعريب, تتريك, تفريس…إلخ), إنّ لغتنا التي تتميّز برقتها وسهولتها وفصاحتها, حافظت على جوهرها رغم تشتتنا وعدم توقفنا جديّا ً على هذه المسألة, إذ مازلنا نفتقد لمجمع ٍ لغوي تتوحد فيه الكلمات والمصطلحات والعبارات والقواعد اللّغوية وحتّى اللسانيات وعلومها, فثقافة أيّ شعب ٍ هي لغته الأم, فإن زالت زال. وهذا ما يجعلنا نحن الكرد نتمسك بثقافتنا لتَنشأ هذه العلاقة بين اللّغة وتراث البيئة التي نشأت فيها هذه اللّغة, فالحفاظ على الثقافة يستوجب الحفاظ على اللّغة, وإنّ معرفة أيّة لغة هي معرفة حضارة وثقافة شعب ما وهناك متعة كبيرة في تعلم لغة ما ولكن بشرط التمسك باللّغة الأم وعدم اهمالها كما فعلت الكثير من الأمم وهم الآن في خبر كان, زالوا بزوال لغتهم, لا شعب ولا لغة ولا حضارة.

حضارتنا وثقافتنا ولغتنا تشهد عليها الآثار التي وجدت على أرض كردستان, كما يشهد عليها العديد من الباحثين والمؤرخين والمستشرقين, والمقولة الشهيرة لمينورسكي هي خير دليل على ذلك: ” إن الثقافة الكُردية هي من أغنى الثقافات على وجه الأرض, ولو اتيح لها المجال بالظهور لطغت على ثقافات العالم أجمع”.

وقد أصدرت منظمة اليونسكو مؤخرا ً تقريرا ً في هذا الموضوع بأنّ في العالم اليوم, ستة آلاف وثمانمائة لغة مختلفة, وأبدت المنظمة مخاوفها من انحسار اللّغات الأم في العالم وأن تجاهل هذا الأمر لهو خسارة كبيرة للبشرية, فزوال أيّة لغة هو زوال حضارة بكاملها, كما اكد التقرير أنه في حالة الانحسار, وبعد مائتي عام كحد اقصى لن يبقى سوى ثلاثمائة لغة من الستة آلاف والثمانمائة لغة الموجودة في الوقت الحالي, مما يدل أنّ البشرية لسوف تخسر كمّا ًلا يستهان به من التراث في العالم, ومن هنا أتت اهداف المنظمة على حماية ليس فقط اللّغة الأم بل اللّغات الأخرى كذلك, لأنّ ثقافات الشعوب تتصل فيما بينها من خلال اللّغات.

ومن هذا المنطلق أود حقا ً أن نحيي هذا اليوم لنؤكد للعالم ولأنفسنا بأننا حافظنا على لغتنا وسنحافظ عليها وعلى غيرها من اللّغات فنحن دعاة الحضارة وبانيها والتراب المغمسة بالدماء تشهد على ذلك, كما أنّ لغتنا الكردية قد حازت على المرتبة الحادية والثلاثون من بين لغات العالم كافة ً بحسب إحدى المجلات المشهورة التي تُنشر في فرنساPUKmedia -13-5-2008 بعنوان اللغة الفرنسية في العالم

“Le Français Dans Le Monde” نشرت هذه المجلة قائمة اللّغات المؤثرة والغنية في العالم, وقد أخذت اللّغة الكُردية مكانة قيّمةمن بين آلاف اللغّات, كما وقد اخذت الكثير من هذه اللّغات ومن بينها اللّغات الشرقية مرتبة ما بعد اللّغة الكردية فاللّغة الفارسية نالت المرتبة الثانية والثلاثون, كما أن اللّغة التركية التي تعتبر لغة رسمية منذ 736 سنة أتت قبل اللّغة الكردية بست درجات فقط, وقد اختارت المجلة ترتيب هذه اللغات في بحثها متخذة المعايير التالية: 1-عدد الأشخاص الذين يتحدثون بهذه اللّغة. 2-مكانتها في الأنترنت. 3-عدد الترجمات التي حصلت .4-عدد الدول التي تستخدمها كلغة رسمية. 5- الأفلام, الموسيقا والكتب التي كتبت ونشرت بهذه اللّغة. 6- الكتب القواعدية والمختصة بهذه اللّغة.

ألا يجدر بنا أن نفتخر بلغتنا ونسعى جاهدين لجعلها أعلى شأنا ً ومرتبة ً بين لغات العالم, ولن نستطيع أن نفعل هذا إلّا بالكدّ والعمل في تعليم لغتنا لإخوتنا وأشقائنا, صغيرنا وكبيرنا, والكتابة بها في كافة المجالات حتى في المجالات العلمية والتكنولوجية, والفرصة الآن كبيرة أمامنا وإنني أرى أنّ الكُرد بكافة الفئات العمرية يتوافدون الآن إلى المؤسسات التعليمية المستقلة والحزبية لتعلم لغتهم.

كما أنّ السنوات الأربعة الفائتة التي مرت على الشعب الكردي كان لها اثر كبير على الثقافة والسياسة الكردية, فتسارع الاحداث والهجمات البربرية التي طالت حدود كردستان بأجزائها الأربعة, جعلت من هذه الحدود مجرد سياج سهل الاجتياز, لا بل زالت هذه الحدود وتيقن العالم أن الكرد قد اصبحوا احرارا واصحاب قوة وبأس لا يضاهيهما حتى اشرس القوى الظلامية التي ظهرت في العالم الحديث, وأنّ الثقافة الكردية بلهجاتها المختلفة قد اتخذت مجرى آخر في ظل الظروف الراهنة التي حلت بالشعب الكردي من هجرة ونزوح, وحتى أنّ الكرد وبسبب نفس الظروف قد تعرفوا إلى الكثير من الثقافات العالمية ولغاتها, وظهر الكثير من المثقفين الكرد من ادباء ومؤرخين وكتاب وصحفيين وفنانين لم يكونوا يستطيعون الظهور قبل هذه الأحداث.

أرجوا أن نكون عند حسن ظن الأجيال القادمة ونجعل للغة والثقافة الكردية شأن في هذا العالم الذي بات يتعرف على الكرد وثقافتهم بشكل أسرع وبرؤية جديدة ومتطورة.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 14 بتاريخ 1/3/2015

التعليقات مغلقة.