التكرار.. ثورة روسية.. ثورة صينية

30

قفزت التقاطالصين خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى المرتبة العالمية الثانية على الصعيد الاقتصادي. وهذا أعطى صورة أكثر بريقا للثورة الصينية من تلك التي خلّفتها الثورة الروسية، حيث إن روسيا اليوم لا تزال تبحث عن طريقها لاحتلال مكانها بين أمم العالم. والمقارنة بين هاتين الثورتين، الروسية والصينية..
ومظاهر التشابه والتماثل بينهما وبين إرثهما هو موضوع كتاب المؤرّخ الفرنسي لوسيان بلانكو، المختص بتاريخ الصين عموماً وتاريخ قطاع الفلاحين الصينيين في القرن العشرين خاصّة. يحمل الكتاب عنوان «التكرار».
من الهام التذكير أن مؤلف هذا الكتاب، لوسيان بلانكو، كان قد صدر له في عام 1967 كتابا تحت عنوان: «أصول الثورة الصينية» وجد أصداء كبيرة ونال مؤلفه شهرة عالمية، حيث تمّت ترجمته إلى العديد من اللغات العالمية، وأصدرت جامعة ستانفورد من ترجمته الإنجليزية 16 طبعة حتى اليوم. وفي هذا الكتاب الجديد يعود المؤلف ـ المؤرّخ للحديث عن تلك الثورة الصينية.
وهو يعود لها من زاوية المقارنة بينها وبين الثورة الروسية وما بين إرثهما حتى الفترة الحالية. وما يؤكّده منذ البداية أن للثورتين قاسما مشتركا هو أن الثورة الصينية كانت بمثابة «نسخة عن الثورة الروسية حتى أدرك ماوتسي تونغ أن النموذج ــ الموديل ــ السوفييتي غير قابل للتأقلم مع بلاد من العالم الثالث وذات عدد سكان هائل مثل الصين».
ويشرح المؤلف أن ماو، وبدلاً من محاولة تصحيح «الموديل»، ذهب أبعد وأسرع إلى الأمام في نفس الاتجاه..
ويقوم المؤلف على مدى العديد من الصفحات بعملية مقارنة بين سلوكيات الثورة الروسية وتلك التي مارستها «على خطاها» الثورة الصينية. هكذا يرى أن الخطة الاقتصادية التي قررها ماوتسي تونغ عام 1958 لم تكن سوى «نسخة» أكثر جنوحا لـ«سياسة المنعطف الكبير» التي قررها ستالين في عام 1929.
حسب تلك السياسة «الستالينية» جرى اقتلاع مالكي الأرض بكل مستوياتهم من أراضيهم وإرسالهم إلى «سجون القولاق» كي يتم تبنّي صيغة الملكية الجماعية للأرض. وكانت النتيجة هي ما بين أربعة إلى ستة ملايين فقدوا حياتهم. بالنسبة لخطة «القفزة الكبرى إلى الأمام» فقد قررها ماوتسي تونغ عام 1958 واستمرّت حتى مطلع عام 1960.
وقامت على أساس تبنّي توجّه جديد للصين يقوم على تطبيق «التعاونيات الزراعية» و«الأشغال العامّة». وبالنتيجة وصلت الصين إلى حافة الانهيار الاقتصادي وعرفت ما سمي بـ«المجاعة الكبرى» خلال سنوات 1958 ــ 1962.
يفتح المؤلف في هذا السياق قوسين كي يشرح كيف أن الكثير من المثقّفين والمفكرين الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين، أبدوا إعجابهم الكبير بالثورتين الروسية والصينية واتخذوا مواقف «عدائية» حيال كل من «سمح لنفسه» ــ مثل المؤلف ــ توجيه أي نقد لهما. والإشارة أن مثل تلك الممارسة تشكل نوعا من «ترداد الصدى» لما كانت تتم ممارسته من كبح حرية التعبير في كل من الصين وروسيا «الثوريتين».
في المحصلّة يقدّم لوسيان بياكو على مدى صفحات هذا الكتاب التي يتجاوز عددها الـ 500 صفحة توصيفاً «نقدياً» للواقع الذي عرفته روسيا والبلدان المجاورة التي انضوت تحت جناحها في الحقبة السوفييتية، وخاصة في ظل حكم جوزيف ستالين؛ وكذلك للواقع الذي عرفته الصين في ظل حكم ماوتسي تونغ. لكن ومن خلال ذلك يشكّل الكتاب بأحد وجوهه نقدا صريحا للمثقفين وأهل الفكر الذين يبنون مواقفهم على أساس «التعصّب الأيديولوجي».

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.