أريدُ سريري
” لا.. أريدُ.. هذا.. السريرَ.. أريد.. سريري” ..
بالكاد ميَّزتُ كلماتها المتقطِّعةِ عبر صوتها المتهدِّج وعربيَّتها المكسَّرة ..والتي لم أستطعْ أن أديرَ وجهي وأضحك عليها كالعادة..
كنتُ أعلم جيداً مدى تعلِّق ابنتي ذات الأربع سنوات بسريرها.. والذي تضمَّخَ برائحتها منذ ولادتها.. لكنْ كان لابدَّ من استبداله باّخر أكبر بعد أن أصبحتْ تتكوَّم فيه حول نفسها مثلَ قطَّة وادعة…
وضعيَّتها الاحتجاجيَّةُ على الأرض, كخيمةٍ تهالكت من ثقل المطر, ودربكةُ قدميها لم تستفزا أعصابي ككل مرة..بل ربما تأمَّلتها بشيء من الحسد..لأنني في المرتين اللتين انتُزعتُ فيهما من سريري لم أقدرْ أن أعبِّر عن غضبي وأسايَ مثلها..
المرة الأولى كانت عندما ولَّدتُ ابني البكر.. ويومها عزَّ عليَّ ألا ألدَ عليه.. سريري الذي قاسَمني لحظاتِ عشقي وفرحي ..ودفنتُ فيه حزني وعَبَراتي ..كنت بحاجة إليه في ألمِ مخاضي..وكان من العدل أن يشاركني بهجةَ استقبال أوِّل أطفالي…
والمرة الثانية .. عندما ودَّعتهُ ليلةَ سفري وذرفتُ عليه أغلى دموعي.. رغم عُهودي له بالعودة .. ففي أعماقي كنت متيقِّنة أن لاشيء تتركهُ وتعود إليه أنتَ نفسك.. ففي البعد كلٌّ منكما تنمو مشاعرهُ باتجاهٍ مختلف…و لأخفِّفَ شعوري بالذنب والفقدان انتزعتُ الحِرامَ عنه وحشرتهُ في حقيبة السفر…
اليوم..جددتْ فجيعتي صورةٌ لطفلةٍ بشعر أشعثَ وعينين شاردتي النظرات.. انسابت منهما خطوط صافية وسط خريطة من سواد..وتسيرُ إلى المجهول.. تضمُّ طرفَ حرامها كمن يتشبَّثُ بما تبقى لديه من أمان.. بينما تشرَّبَ الوحلَ طرفُه الاّخر…
ولم أملكْ حيالَ منظرها إلا أن أغمض عينيَّ وأجدِّد دعائي… يارب.. لا تحرِمْ أحداً سريرَه…
الدكتورة أنجيل عبد النور سورية مغتربة في كندا
التعليقات مغلقة.