جغجغ.. مشكلة تتجاوز في حجمها مشكلة جفاف نهر أو تلوثه

55

كان النهر يروي 50000 دونم, قبل أن تبني تركيا سدّ نصيبين.
·جغجغ    خضعت الممارسات التركية لتوتر العلاقات السياسية بين سوريا وتركيا
·    بلدية نصيبين أبدت كامل استعدادها للتعاون معنا من أجل إيجاد حلّ لمشكلة نهر جغجغ
تعتبر هذه المشكلة نتيجة لمشكلة قديمة جديدة وتعتبر تركيا المحكّ الأساسي فيها, إذ تعاني سوريا من شح في الموارد المائية والسطحية, وتتفاقم مشكلة الجفاف لعدم التزام تركيا بالمبادئ الأساسية في اقتسام المياه المشتركة ولاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن.
لا يوجد مبرر قانوني يسمح لتركيا أن تتحكم في المياه التي تنبع من أراضيها وتجري عبر دولٍ أخرى, والتصرف فيها طبقاً لمصالحها دون مراعاة لحقوق الدول الأخرى التي تعتبر شريكة في هذه الموارد,  بعد أن ثبت وبموجب الاتفاقيات الدولية الموّقعة في هذا الشأن ومنها الاتفاقية الموّقعة عام (1997م).
نهر جغجغ: ينبع من الأراضي التركية، طوله الإجمالي 124/كم, حيث يدخل الأراضي السورية عند مدينة قامشلو, ويعتبر من الروافد الرئيسة لنهر الخابور, ويمتاز بواديه العميق. يبلغ الوسطيِّ السنويِّ لتصريف هذا النهر 2.2 م3/ثا, ويبلغ تصريفه في فترة الفيضان الحد الأعظمي ويصل إلى 5.9 م3/ثا.

يعتبر الشريان الرئيسيِّ لمدينة قامشلو الواقعة على الحدود السوريّة المتاخمة لتركيا, تحوّل اليوم إلى مجرى للصرف الصحيِّ ومكبَّاً لمخلفات ونُفايات بعض الورش والمعامل في  مدينة نصيبين التركية.
هنا نجد أنفسنا أمام مشكلة بيئيّة عمرها سنوات وتتفاقم يوماً بعد يوم دون أدنى اكتراث من الجهات المعنيّة في الحكومة السوريّة رغم كثرة المواضيع التي تمَّ طرحها من خلال وسائل الإعلام السوريَّة المقروءة, على سبيل الذكر صحيفة تشرين الحكومية14-1-2010, دراسة البيئة التي قدَّمتها المهندسة عبير حنَّا.
وقد تحوَّل نهر جغجغ لمكبّ نُفايات وأصبح مصدراً للتلوث والأمراض المزمنة التي يتوَّقع أن تتجاوز حدود المنطقة,  وخاصة في ظل التهميش و اللامبالاة من الجهات المعنيَّة بهذا الشأن والتي ازدادت سوءً منذ اندلاع الثورة السوريَّة.
قد تتجاوز المشكلة في بعض جوانبها جفاف نهرٍ وتحوله إلى مجرى للصرف الصحيَّ, هذا عدا تلوثه من الدَّاخل والخارج, فهي تلامس في حدودها مشكلة أكبر تحتاج إلى طرحه على مستويات إقليميّة ودوليّة  أعلى ” تركيا, العراق ” والتي تتقاسم مع سوريا المسطَّحات المائيَّة المتّمثلة بنهري الدجلة والفرات, ألا وهي مشكلة الأمن المائيِّ لسوريا والتي عمرها سنوات  في ظل السياسة التركيّة التي  تخضع لمصالحها الاستراتيجية.
رياض إسماعيل – ماجستير جغرافيا اقتصادية:
الاسم القديم لنهر جغجغ هو “ميكدونيوس” وتعود التسمية إلى العهد الرومانيِّ, فيما كان يسميه العرب بنهر “الهرماس”. ويتمتع هذا النهر بأهمية كبيرة بسبب استخدام مياهه في الزراعة,  وبحسب المصادر التاريخيّة  كان النهر يروي 50000 دونم, قبل أن تقوم تركيا ببناء سد نصيبين عليه. وقد بني هذا السد في عهد الاحتلال الفرنسي لسوريا, بغاية حجز مياهه واستغلاله في عمليات الري من خلال إنشاء قناتين للريّ, إحداها تتجه نحو جزيرة بوطان, والثانية باتجاه القرى القريبة من مدينة قامشلو.
يمكننا القول بأنّ مياه نهر جغجغ لاتصل اليوم بشكل جيد إلى مدينة نصيبين التركية, ففي داخل المدينة لا يوجد سوى مياه الصرف الصحي ونسبة قليلة جدا من مياه النهر التي تكمل جريانها نحو مدينة قامشلو.
عندما أنشأ قسم الجغرافية في جامعة دمشق وبدأت القيام بالدراسات البحثية والتي كانت أبرزها الدراسة التي قام بها الدكتور عادل عبد السلام وامتدت بين عامي 1970-1980, لم يكن نهر جغجغ أكثر من وادي سيلي ولم يتمتع بأهمية كبيرة ذاك الوقت بحكم الممارسات التركية في احتجاز مياهه وهذا ما يفسر غيابه في الدراسات الجغرافية.
وقد قام الأتراك بقطع مياه النهر كلياً عن مدينة قامشلو عام 1958 ليعاد بعد ذلك جريانه بشكل جزئي, فيما غلب عليه مياه الصرف الصحي القادمة من مدينة نصيبين. الممارسات التركية كانت تخضع لتوتر العلاقات  السياسيّة بين سوريا وتركيا, فعندما كانت  تتوتر هذه العلاقات كانت تركيا تلجأ إلى قطع مياه نهر جغجغ, فيما كانت الدولتان تتباحثان أثناء تحسن العلاقات بينهما سبل الاستفادة من المياه المشتركة بينهما, لتكون مياه نهر جغجغ  إحداها.
إلى متى ستبقى المشكلة قائمة, وهل من حلول مستقبلية مطروحة في ظل الإدارة الذاتية؟؟
روضة حسن- الرئيسة المشتركة لبلدية قامشلو:
“ناقشنا موضوع مشكلة نهر جغجغ منذ شهرين تقريباً مع بلديّة نصيبين التي أبدت كامل تعاونها معنا من أجل إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة, حيث تمَّ تحديد موعد لاحق للتنسيق فيما بيننا, سيتم العمل ضمن آليات جديدة ومحددة من شأنها تصفية المياه وفصل مياه النهر عن مياه الصّرف الصحيِّ  بوضع فلترات على جانبي النهر,  بالإضافة إيجاد آلية من شأنها صرف كمية مناسبة من المياه التي تمَّ حجزها.
وقد كان الموعد محدداً بعد عيد الأضحى, و قد تمَّ تحديد اللجنة المكَّلفة بعمليات التنسيق والتعاون مع بلديّة نصيبين إلّا أنَّ أحداث كوباني والظروف الأمنيَّة الحاليّة, حالت دون ذلك, وسوف نتريث إلى أن يتم تهدئة الأوضاع.
نحن كبلدية قامشلو بدأنا منذ فترة وجيزة بالعمل على تنظيف نهر جغجغ من النُفايات المتراكمة على جانبيه للإحالة دون فيضان النهر في فصل الشتاء, جهدنا لتأمين الآليات اللازمة فعملية التنظيف تحتاج إلى جرافات كبيرة, وذلك بالتنسيق مع بلديّة الحسكة”.
ويبقى السؤال هل ستتمكن بلديتي قامشلو ونصيبين في ظل إهمال الحكومة السورية من إيجاد آليات من شأنها الحد من هذه المشكلة والحيلولة دون حدوث أزمة بيئية سيصعب التحكم بها في المستقبل إذا ما تمَّ التعامل معها بشكلٍ جديٍّ, في ظل ما تمرُّ به سوريا من ظروف صعبة, مع عدم وجود أي حلول تلوح في الأفق؟ وهل ستتمكن البلديتين من خلال جهودهما المتواضعة من وضع حد للممارسات التركية في احتجازها لمياه النهر وتحويلها إلى مجرى للصرف الصحي لمدينة نصيين ومكبّاً لنُفاياتها الصناعيّة؟.

تحقيق فنصة تمو

التعليقات مغلقة.