مـرافـئ العـدم
مرافئ العدم
عبدالجابر حبيب
عند مهبطِ القداسةِ
سأفكّ أَختامَ المخطوطاتِ المحرَّمَةِ،
سأترجم نحيبَ الغيابِ.
سأستنِدُ هديلَ أشواقٍ ذابِلَةٍ،
على تخومِ يأسٍ شاخَتْ عُروقُهُ.
سأترك الريحَ تمزِّقُ وشاحَ الفتنةِ،
وتَنثُرُ بقاياها في أروقةِ العدمِ.
آنَ للقمرِ أن يبوحَ بسرَّ عشقي،
للعابرينَ على جسورِ آلامي،
أن يقيدَ أسرابَ الأبابيلِ
في سجنِ الصمت الحجريّ،
حتى تنكشفَ عروسُ الأمنياتِ
كطيفٍ مرتجفٍ أمامَ صيّادِ العواصفِ،
في مركبٍ مشقوقٍ يبحرُ في الفراغِ.
في زمنِ الرصاصِ.
لم أدهَشْ،
من هروبِ ماردِ الحكايةِ من سراديبِ الوجع،
حامِلًا حصانَهُ الخشبيَّ،
ليتركني على أبوابِ مدينةٍ مهزومةٍ،
تكسَّرت مراياها، تَيَبَّست أزهارُها،
فغدت بلا مصابيحَ،
بلا أغانٍ، بلا دُموعٍ.
هوَيتُ في متاهةِ جدائلِها،
أتسكّعُ مثلَ ظلٍّ منسيٍّ بين خرائبِ الوهمِ،
أبسطُ أحلامي على أرصفةٍ
أكلتْ أصواتَ ساكنيها الغربانُ،
كي يواجهوا جلّادَ الصمتِ بصرخةٍ يتيمةٍ:
كفى… كفى لهذا الجرحِ أن يستمرَّ.
لا… لا لكلِّ هذا الألمِ.
عذراً يا صديقي المسافرُ،
لستُ ذاكَ الأيوبَ النَّبيَّ،
حقّاً، لا أستطيعُ أن أَرفعَ عن ظهري
جبلَ العذابِ.
نعم يا صديقي،
لقد رأيتُ الهاويَ إلى بطنِ الحوتِ،
كيفَ يغرقُ في سفرِ الجنونِ،
ورأيتُ أرواحَ المهاجرينَ
تتدلّى من سقوفِ الغيابِ
كأنّها قناديلُ مطفأةٌ.
فكيفَ لي،
وأنا المثقَلٌ بكلِّ هذه الشروخِ،
أن أروي ملاحمَ الرحيلِ
أنْ أروِي حكاياتِ الغرقى
باسمِ كلْ من ترك أوجاعه
وديعةً في وريدي،
كجرحٍ أبديٍّ،
يكتبُ وصاياَهُ بدم أباحه الآخرون
على حوافي الحياة.
نعم يا صديقي،
أنا ذلكَ الرجلُ الذي لم يتعلّمْ
كيفَ يموتُ بهدوءٍ.
———–

التعليقات مغلقة.