المجلس الكردي في دمشق اعتراف أم فخ؟
د. محمود عباس
ينتشر أن المجلس الوطني الكردي قد دُعي إلى دمشق للقاء الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وهي دعوة تحمل في جوفها وجهين متناقضين، وجهٌ يُسوَّق كإعادة اعتبار لمكانة المجلس بعد شهور طويلة من التهميش المتعمد من قبل الحكومة الانتقالية، ووجهٌ آخر يثير شكوكًا عميقة حول مقاصدها، خاصة في هذا التوقيت المثقل بالرموز والإيحاءات والدلالات السياسية الثقيلة.
إن مجرد انعقاد اللقاء يعكس نزعة فوقية مألوفة، تشبه تمامًا الطريقة التي كان يتعامل بها النظام السوري السابق مع الحراك الكردي، جلسات حوار عامة بلا التزامات، محكومة بذهنية الإملاء لا بذهنية الشراكة، ورغم أن المجلس قد يرى في هذه الدعوة فرصة لاستعادة مكانة سياسية نُزعت منه منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة الانتقالية، إلا أن ما يخشاه الشارع الكردي هو أن يتحول المجلس، من حيث يدري أو لا يدري، إلى أداة تمنح الشرع اعترافًا سياسيًا بشرعيته، وتساهم في تبييض تاريخه.
لا يخفى أن القوى الإقليمية، وفي مقدمتها تركيا، تقف خلف هذه الدعوة، فهي محاولة مدروسة لإعادة الشرخ بين طرفي الاستقطاب الكردي بعد أن جرت محاولات لترميمه في مؤتمر قامشلو برعاية مباشرة من التحالف الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة وفرنسا، فأن يُحاور المجلس الوطني الحكومة الانتقالية في دمشق بعيدًا عن الهيئة الكردية للتفاوض المنبثقة عن مؤتمر قامشلو في نيسان 2025، هو تناقض صارخ مع الاتفاق الكردي، وتجاوز لإرادة الشارع الكردي الذي منح هذه الهيئة مشروعيته.
إن أي حوار يتجاوز الهيئة الكردية هو ببساطة مصادرة لحق الأغلبية، وتكرار للعبة الأنظمة السابقة التي سعت دائمًا إلى تفتيت الموقف الكردي عبر انتقاء المحاورين وتجزئة الصوت الكردي. القيادة العسكرية لقسد لها اعتبارات أخرى، فهي مدعومة وموجهة من قبل قوى التحالف وتتحرك ضمن مصالحهم الاستراتيجية، بينما الإدارة الذاتية تبرر حواراتها على أساس أنها تمثل منطقة متعددة المكونات، كردية وعربية، لكن هذا لا يعفي المجلس الوطني الكردي من مسؤوليته في الحفاظ على وحدة الصوت الكردي، وعدم الوقوع في فخ التوظيف الإقليمي.
وفي العمق، تبدو الدعوة محاولة لإحياء مجلس فقد الكثير من حضوره بين الشارع الكردي، وبدأ يُتداول اسمه باعتباره في سبات عميق، إن لم نقل على حافة الانهيار، واليوم، تأتي هذه الدعوة كطوق نجاة خارجي لإعادته إلى الواجهة، لكنها في حقيقتها اختبار، هل يستعيد المجلس زمام المبادرة بعودة فعلية إلى الساحة الكردية الداخلية، أم يكتفي بلعب دور ورقي على طاولات حوار مرسومة سلفًا؟
لقد طالبنا مرارًا بأن يتجاوز المجلس حالة الجمود والتقوقع، لأن استمرار هذا الشلل ينعكس سلبًا على مجمل الحراك الكردي، ومع ذلك، فإن الحذر يبقى واجبًا أمام أي دعوة من هذا النوع، إذ لا يمكن فصلها عن السياقات السياسية المريبة التي تحيط بها.
ورغم كل الملاحظات والتحذيرات، فإننا نتمنى أن يكون هذا اللقاء فرصة لإعادة المجلس إلى نشاطه الحقيقي، لا في أروقة السلطة ولا في موائد الاسترضاء الخارجية، بل داخل البيت الكردي ذاته، حيث ينتظره الشارع بعيون مفتوحة وأمل متردد.
لكن علينا أن نكون صريحين، ورغم تأييدي لمبدأ اللقاء بعد التشاور مع قوى الإدارة الذاتية وقيادة قسد وبعض الأطراف الكردية الأخرى، فإن هذه الدعوة لا تبدو بريئة تمامًا، بل قد تكون جزءًا من لعبة أوسع تهدف إلى إضعاف الصوت الكردي المستقل وإدخاله في دائرة شرعية مشوّهة تحاول بعض القوى الإقليمية تمريرها عبر الشرع، إن أي قبول غير مدروس أو غير مشروط بمثل هذه اللقاءات قد يتحول إلى خطوة خطيرة على مسار القضية الكردية، ويُضعف من ثقلها السياسي، لذلك تبقى المسؤولية التاريخية على عاتق المجلس، إما أن يثبت جدارته في حماية الموقف الكردي، أو أن يترك المجال مفتوحًا أمام محاولات الالتفاف وإعادة إنتاج الاستبداد بأقنعة جديدة.
التعليقات مغلقة.