سام شيبرد: الحلمُ الأميركي يحتضر

37

3126498427

يعد سام شيبرد أحد أبرز الشخصيات الأميركية في المسرح والسينما، على مدى العقود الخمسة الماضية، بيد أنه قبل الإخراج السينمائي والتمثيل اللذين أكسباه النجومية، يعتبر كاتب مسرحيات في الأساس، والكتابة كما يقول تعني له الدعامة والثبات والاستقرار في حياته المليئة بالتجوال، ذلك أنه لا يزال حتى مع بلوغه سن السبعين، يعيش وفقاً للطبيعة المتنقلة لمجموعة أفلامه التي تتقاذفه من موقع تصوير إلى آخر.
كان دافعه لبدء كتابة المسرحيات في ستينات القرن الماضي، فيما كان منكباً على قراءة أعمال صاموئيل بكيت، تمثل في رغبته في أن يكون لأميركا المعاصرة صوت مسرحي، لكنه أكد في مقابلة أجرتها معه صحيفة «أوبزرفر» البريطانية، أخيراً، بمناسبة تقديم مسرحيته التي كتبها عام 1980 «الغرب الحقيقي» على مسرح ترايسكل في لندن، إنه: «في تلك الأثناء، كان هناك شح في المسرح الأميركي» موضحاً أن الأميركيين تراجعوا في تأثيرهم الثقافي، كما أن الحُلم الأميركي يحتضر.
عبور الزمن
هذا الشح الثقافي انتقل أخيراً على مستوى الكتابة، فهو يقرأ في هذه الأيام لكتاب إيرلنديين، ذلك أنه يجدهم متفوقين عن غيرهم، وهذا برأيه يتعلق بقدرتهم على التعامل مع اللغة وحبكها، ثم هناك الكتاب من أميركا الجنوبية أيضاً «لأنه لديهم، على ما يبدو، القدرة على عبور الزمن والأعماق».
لكنه يجد صعوبة في إيجاد كتاب أميركيين معاصرين جيدين، عدا دنيس جونسون، يقول: «مشكلة الكتاب الأميركيين تكمن في أنهم كمجموعة استحوذت تلك الفكرة نفسها على تفكيرهم، وتتمثل في أننا نشكل قارة، والعالم سيتراجع من بعدنا، وهذا كله هراء».
تأثير ثقافي
ويعترف بأنه وقع هو نفسه في هذا الفخ، ولم يكن قادراً على رؤية وجود عالم آخر، فيقول: «لم أتمكن من رؤية ما وراء غرفة الموتيل والصحراء والطريق السريع»، ويضيف: «بالنسبة لي، العالم كله كان مشمولاً في هذا. واعتقدت بأنه العالم الوحيد الذي له أهمية».
وهذا الوضع باعتقاده غير قابل للإصلاح، وهو يقول عن أميركا: «نحن لم نعد مؤثرين ثقافياً. لم تعد أميركا تصنع أي شيء. الصينيون يقومون بذلك. وديترويت خير برهان على ذلك. كل تلك المدن التي كانت في الماضي شيئا. إذا توجهت إلى موقف شاحنات في أوكلاهوما فقد ترى وجه أميركا. كما نحن يائسون فعلاً».
لكن لماذا لا يزال العالم مبهوراً بالثقافة الأميركية، ويبقى مشدوداً لمسرحية مثل «الغرب الحقيقي؟»، يقول: «لأنهم جميعاً يؤمنون بالخرافة الأميركية، إنه بإمكانك أن تحقق نجاحاً في أميركا، لكنك لا تفعل».
كتابة بالفطرة
وشيبرد، الذي فاز عام 1979 بجائزة بوليتزر عن مسرحيته ذات الثلاثة فصول «الطفل المدفون»، يقوم الآن بكتابه روايته الأولى، وهو يتحدث عن هذه التجربة، فيقول: «بعد ست مجموعات كتب، أليس رائعاً أن تكون قادراً على تختبر شيئا ما؟»، لكنه يعترف:
«غير أنني أواجه أصعب الأوقات في إدامة النثر. فأنا أشعر بأنني كاتب مسرحيات بالفطرة، لكن لطالما أدهشتني مسألة النثر. لا سيما كيفية إبقاء النثر مستمراً؟، يضحك ويقول: «كيف يتمكن الناس من القيام بذلك لسنوات وسنوات؟ وأنا أعمل هذا الأمر على مدى عشر سنوات».
يرى اختلافا كبيراً بين الكتابة للمسرح وأي نوع آخر من الكتابة، ذلك أن ما يكتب سيحكى في النهاية. ولهذا السبب يعتقد أن عدداً كبيراً من الروائيين الأقوياء فعلاً لا يمكنهم كتابة مسرحية.
1975
ترعرع سام شيبرد في كاليفـــورنيا، وعاش بين نيويورك وكاليفورنيا ولندن، قبل انتقاله الى نيو مكسيكو وكنتاكي. وأعماله تتشرب هذا الحس بالتجوال، يقول عن نفسه: «أنا لا أنتمي كثيراً إلى أي مكان، كانت الكتابة دعامتي وبيتي الدافئ»..
وهو عندما يتحدث عن مشاركته في الجولة الموسيقية «رولينغ ثاندر» لبوب ديلان عام 1975، يقول: «لم أكن معتاداً على سرعة التنقل، وكانت هناك حركة في كل ثانية. وكنت مسروراً بالعودة إلى نوع من الثبات والاستقرار. والكتابة كانت هذا الثبات والاستقرار».
مصدر إلهام
بالنسبة لشيبرد، لا تشكل المناظر الطبيعية مصدر إلهام له إلا بمدى اتصالها بالماضي والذكريات، لذا يتحدث عن الهنود الحمر الذين كانت تعج بهم نيو مكسيكو فيما مضى، والفخاريات التي تعود إلى ألفي عام التي يمكنك أن تركلها بقدمك في الصحراء. وهذا الاتصال بالمنطقة يعود لفترة طويلة، يقول: «يمكنني أن أتذكر أنني مررت بهذه البلدة عندما كنت في الثامنة من عمري، في طريقي إلى شيكاغو. واذكر أنني كنت وحيدا جدا ولوحـــدي تماما. وتقطعت بي السبل على متن قطار في وسط بلاد الهنود الحمر».
أدوار وصراع
وربما هذا النوع من الذكريات يجعله إلى حد ما مشدوداً إلى الأساطير والحكايات عن الغرب الأميركي. وأحداث مسرحيته «الغرب الحقيقي» تدور في ضواحي كاليفورنيا حيث منزل والدته، وتركز على منافسة شرسة بين أخوين أحدهما كاتب سيناريو، والآخر لص صغير صعب المراس يقضي معظم أوقاته في صحراء موغافي. وفي أثناء إقامتهما بمنزل والدتهما يقع صراع بينهما حول بيع سيناريو وحول أسلوب حياتهما المتناقضة، حيث يتبادلان الأدوار في النهاية.
الغرب المتوحش
يرى النقاد أن المسرحية تستكشف في الجوهر فكرة الداخل والخارج، والهوية، والعائلة، وفكرة أميركا عن نفسها في عملية تفحص لنقطة لقاء الغرب الجديد في أميركا بضواحيه المتحضرة، مع الغرب القديم البري المتوحش الذي لم يجر احتواؤه.
مثالان
وبالنسبة لشيبرد، فإن المثال الأول عن الخارج كان والده. يقول: «اعتقد والدي أن الأمر كله عبارة عن سخافة، تلك الفكرة عن كونك مواطناً صلباً. ولقد ابتعد أكثر فأكثر باتجاه أن يصبح خارجاً، باحتسائه الكحول. وكانت والدتي على عكسه، متماسكة جداً تفكر في كيفية المضي قُدماً في الحياة».
إضاءة
سام شيبارد هو كاتب مسرحيات ومخرج ونجم سينمائي أميركي، ولد عام 1943، بدأ في كتابة المسرحيات في أوائل الستينات، ومن أهم مؤلفاته، «لا توريستا»، و«مدينة الملائكة»، و«صخب راعي البقر»، بالتعاون مع شريكه السابق بين آخرين باتي سميث، ثم «الغرب الحقيقي» و«حمقى من أجل الحب»، إضافة إلى عدد من القصص القصيرة، والرسومات التخطيطية، والمقالات وسيناريو «باريس، تكساس»، لكاتب المسرحيات ومخرج الأفلام الألماني فيم فندر. حاز على جائزة «بوليتزر» عن مسرحيته «الطفل المدفون».
وقد مثل أدواراً عدة في السينما، أهمها بطولة «أيام الجنة»، و«الشيء الصحيح»، و«فرنسيز»، حيث التقى بالممثلة جيسكا لانغ، التي أصبحت زوجته لمدة 30 عاماً، وأخيراً «الأخوة» أمام جايك غيلنهال، و«اغتيال جيسي جيمس» أمام براد بت.
«الغرب الحقيقي».. الطابع المُدمر للازدواجية البشرية
«الغرب الحقيقي» هي عبارة عن كوميديا سوداء، تبرز فيها ازدواجية الشخصية الإنسانية والجذور العميقة للمنافسة والعنف في النفسية الإنسانية ومشكلات الروابط العائلية. وكمعظم أعمال الكاتب سام شيبرد، فإنها تستلهم جوهرها من أساطير الحياة الأميركية والثقافة الشعبية.
وتدور أحداث المسرحية حول أخوين يقيمان في منزل والدتهما فيما هي في رحلة إلى ألاسكا، حيث يتقاتلان ويكاد يقتل أحدهما الآخر، وفي سياق الأحداث تنعكس أدوارهما، ويقر كل من الأخوين المتنافسين بأنه تمنى أن يكون مكان الآخر بطريقة ما.
لا رمزية
يقول كاتب المسرحية سام شيبرد عن هذا العمل: «أردت كتابة مسرحية عن الطبيعة الإنسانية المزدوجة، لا تكون رمزية أو مجازية أو أي شيء من هذا القبيل.
أردت فقط أن أعطي طعماً لما يمكن أن يكون الشعور في أن يكون لك وجهان». المسرحية تبدأ مع جلوس كاتب السيناريو المنضبط والطموح أوستن، في منزل والدته بكاليفورنيا، منكباً على كتابة سيناريو لفيلم، قبل أن يدخل عليه لي، أخوه الأكبر منه غير المتعلم، ويبدأ إزعاجه، والأخ الأكبر أتى بهدف سرقة الأجهزة المنزلية من منازل الجيران. ولا يقدر أوستن على منعه.
فيطلب منه أن يغادر المنزل عندما يأتي منتج الأفلام لزيارته لمناقشة السيناريو الذي يعده. لكن بينما كان أوستن مع المنتج صول كيمر في المطبخ يناقشان السيناريو، يعود لي حاملا جهاز تلفزيون. ويطلب من المنتج أن يشاركه في لعبة غولف باليوم التالي،..
ويطلب منه النظر في عنوان سيناريو خاص به. ثم يقنعه بتبني مشروعه وبالتخلي عن سيناريو أخيه كشرط إذا خسر الرهان في لعبة الغولف، والمنتج يطلب بعد ذلك من اوستن أن يكتب سيناريو فيلم أخيه السخيف. وليلتها، يسخر أوستن من أخيه لعدم قدرته على كتابة السيناريو، فيما يشارط لي أن أخيه أوستن لا يمكنه سرقة محمصة كهربائية. ويناقش الأخوان واقع أن المنتج على ما يبدو يعتقد انهما شخص واحد.
تجاوب وشرط
ويبدأ الأخوان تدريجياً في التحول الواحد إلى الآخر. ويعبر أوستن، كاتب السيبناريو، عن حاجة للعيش بالصحراء. ويوافق لي بشرط أن يسعفه في كتابة السيناريو. ويبدأ الأخوان الكتابة بحماس. ثم تصل الوالدة. فيسألان أمهما بشأن رحلتها.. يغير أوستن الموضوع قائلا إنهما ذاهبان إلى الصحراء. لكن لي يرفض فيحاول أوستن أن يخنقه بسلك الهاتف، وتغادر الوالدة للإقامة في موتيل.
عرض أول
عرضت هذه المسرحية لأول مرة على مسرح «ماجيك» في سان فرانسيسكو في 10 يوليو 1980. ثم في شيكاغو ونيويورك قبل أن تنتقل إلى برودواي في 2 مارس 2000.. وعام 2002، تحولت إلى نسخة تلفزيونية من بطولة بروس ويليس وتشاد سميث. والآن تعرض مجدداً على مسرح «ترايسكل» في لندن، من إخراج فيليب برين ومن بطولة يوجين أوهارا وأليكس فيرنز.

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.