سلطة الملكات في العصور الوسطى

41

2691897638

كتب الكثير من المؤرخين الكثير عن ملوك فرنسا في جميع الحقب، وقدّموا صورة لهم على أنهم كانوا من سادة عصرهم في كل العصور السابقة وحتى في الفترة التي يطلقون عليها توصيف «العصور الوسطى»، التي يعتبرها الكثير من المؤرّخين أنها «الأكثر ظلاماً وقتامة» في التاريخ الفرنسي الحديث. لكن ذلك لم يمنع البعض من التنقيب في خبايا تلك الفترة بحثاً عن «البذور الأولى» لعصر النهضة الذي تلاها اعتباراً من القرن السادس عشر على الصعيد الأوروبي عامّة وعلى الصعيد الفرنسي بشكل خاص.
وإذا كان ملوك فرنسا هم الذين كرّس لهم المؤرّخون أعمالهم فإن البعض منهم أولى اهتمامه في السنوات الأخيرة للحديث عن «ملكات فرنسا». المثير للانتباه أن «المؤرّخات» هن اللواتي أظهرن القدر الأكبر من الاهتمام بالتأريخ لدور المرأة في العصور الوسطى الأوروبية والقول إنه كانت هناك نساء ملكات لعبن دوراً مركزياً في العصور الوسطى.
في إطار مثل هذا التوجّه الجديد في التأريخ للعصور الوسطى الأوروبية تقوم المؤرّخة الفرنسية مورييل غود ـ فيراغو بتقديم كتاب تحت عنوان «الملكة في العصور الوسطى» وتبحث فيه عن حقيقة السلطة النسائية في للقرنين الرابع عشر والخامس عشر، أي في الفترة التي سبقت مباشرة بروز ملامح عصر النهضة في إيطاليا أوّلاً ثمّ في فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية لاحقاً.
أحداث وحكايات
ولعلّ الميزة الكبرى لهذا الكتاب تتمثّل في الكم الكبير من المعلومات الخاصّة بسلطة نساء – ملكات في العصور الوسطى – وتشير المؤلفة إلى أنها كانت قد نقّبت عن تلك المعلومات في الكثير من الوثائق التي تعنى بتاريخ تلك الحقبة كما في محتويات الكنائس وفي بعض المصادر الخاصّة المتوارثة جيلاً بعد جيل. من الملاحظ أن المؤلفة تقوم في هذا العمل بدور المؤرّخة الحقيقية..
حيث لا تكتفي بالتعرّض لذكر الأحداث والحكايات والوقائع التي دارت في قصور ملوك فرنسا في الفترة المدروسة ولا تولي أهمية كبيرة لما يمكن توصيفه بالجانب العاطفي من حياة النساء المعنيات ولا للدسائس التي حاول العديد ممن كتبوا عن العصور الوسطى أن يجعلوا منها العصب الرئيسي لأعمالهم على أساس أنها كانت الرهان الحقيقي للسلطة. إنها لم تتوقف كثيراً عند ذلك كلّه بل ركّزت تحليلاتها على محاولة شرح واقع دور الملكة في تلك الفترة ومما يعطي للكتاب الدلالة الحقيقية لعنوانه «الملكة في العصور الوسطى».
مما تؤكّد عليه المؤلفة هو أنه رغم السلطة الحقيقية المتباينة في الفاعلية فإن صورة الملكة في العصور الوسطى لم تكن خارجة عن الصورة النمطية المرسومة آنذاك للمرأة عموماً. ذلك تبعاً للشروط والمفاهيم التي رسمتها الكنيسة ذات السلطة والحضور الكبيرين آنذاك وكذلك تبعاً لمجموعة من المعايير المتوارثة منذ حقب قديمة تعود أحياناً إلى اليونانيين القدماء.
صفات
كان على الملكة من موقعها كامرأة أن تتحلّى بعدد من الصفات الأساسية وعلى رأسها «الفضيلة واللطف في التعامل وصون أسرتها ورعايتها»، وبقية الصفات المنصوص عنها في التعاليم الكنسية وفي المعايير الأخلاقية السائدة، هذا كلّه بالإضافة إلى دورها في الإنجاب وضمان استمرار سلالات القصور. وفي جميع الحالات تشرح مؤلّفة الكتاب أن العديد من ملكات العصور الوسطى الأوروبية كان لهنّ مشاركة فعلية في تسيير شؤون القصور.
الأمثلة التي يتم تقديمها على تلك المشاركة وعلى الدور الحقيقي للملكات في الحياة العامة وفي القضايا الكبرى لشعوبهن كثيرة. هكذا نقرأ مما كتبته إحدى الملكات وتدعى إليزابت تودورل، وتنقله عنها المؤلفة حيث كان موّجهاً لشعبها ما مفاده: «أنا مصممة على أن أعيش وأموت بينكم وعلى أرض المعركة..
ومن أجل إيماني وشعبي أنا مستعدة كي أمرّغ دمي بالتراب. أدرك أنني أملك جسد امرأة ضعيفة لكنني أملك قلب ومعدة وصلابة ملك». بهذا المعنى تشرح مؤلفة هذا الكتاب أن الملكات في العصور الوسطى امتلك عدد منهن سلطة حقيقية وولجن دهاليز «حقيقة السلطة»، وكن ملكات في زمن السلم وفي زمن الحرب واهتممن بقضايا العدل والعدالة وبأمور الناس ومشاغل حياتهم اليومية، لكن رغم ذلك كلّه احتفظن بمفهوم أنهن «جسد ضعيف» لزوجات ملوك.
ظل الملوك
ومن ذلك الموقع مارسن السلطة بأغلب الأحيان «في ظل الملوك»، الذين كان خيارهم لهن هو سلّم الترقي إلى المواقع التي سمحت لهن بلعب دور في كل ما يتعلّق بشؤون الحكم. وتربط المؤلفة سلطة الملكات المعنيات بسلسلة من الوقائع تبدأ بالزواج الملكي الذي يعني الثروة والمكانة الرفيعة والحقوق وما قد ينجم عنها من النفوذ السياسي وصولاً إلى المشاركة في القرارات «المصيرية» التي تتعلّق مثلاً بالسلام والحرب.
لكن ليس الحقوق فقط بل الواجبات حيال الشعب وحيال الكنيسة تبعاً للمكانة المتميّزة التي كانت لها في العصور الوسطى. تجدر الإشارة إلى أن المؤلّفة تكرّس العديد من صفحات الكتاب لتوصيف كيف كانت الملكات يمضين يومهن في العصور الوسطى والذي كان موزّعاً بين الأعمال الخيرية والعناية بالأطفال الملكيين وحضور بعض المراسم مثل القيام بالتعازي وغيرها. وفي المحصلّة تقدّم المؤلفة ملكات العصور الوسطى في مجمل حياتهن وفي موقعهن بمجتمعاتهن.
المؤلف في سطور
مورييل غود فيراغو هي مؤرّخة فرنسية مختصّة بالعصور الوسطى الأوروبية. تسهم بالكتابة في العديد من الدوريات المختصّة بالتاريخ، وقد أشرفت على العديد من المؤتمرات العلمية – التاريخية وعلى الكتب الجماعية، من مؤلفاتها «عن الذهب والرماد»، حول الموت ومراسمه في العصور الوسطى.

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.