لأننا من الفولاذ
خُـضنا
كلّ هذه الحروب
و تلقينا الكثير من الهزائم
من أجل ملك ٍ
يحب ُّ
الحزن .
/
كنّا نذهبُ إليها كالمهاجرين
كالعشّاق
كحاصدي الأرق .
/
كنّا نمر ُّ بالأراضي الخائفةِ
و نسمعُ
انسلاخَ خطواتِنا عن العشب
عن الوحل
عن البقعة الوحيدة
التي يربّـيها الضوءُ
عن البقعة
التي
يصلُ إليها
دعاءُ الأمهات .
/
كنّا نغني
و ننظرُ إليها بعينٍ واحدةٍ
بالعين التي لا تشبع
بالطحال
و كانت الشمس تنظرُ إلينا
كقطيع ٍ
من الظلمة ِ
الرّاسخة .
/
كنا نذهبُ
و نحن نحفظ ُ
أغاني الموتى و المفقودين
نردِّد ُ
صلوات الموتى
و المفقودين
و تهتز ُّ
على ضلوعنا القوية
تمائمُ الموتى و المفقودين
من أجل ملك
يحبُّ الحزن .
/
و من أجل تلك المقلتين الضامرتين
المطليّتـين بالرصاص
قتلنا الصغار و الكبار
قتلنا الشجر و الحيوانات
قتلنا اليتامى ..
و في كلّ أرضٍ
كنّا نضعُ نصباً للحبِّ
و نصباً للحياة
كأنّـنا
نريدُ أن نقولَ :
إلى هنا
وصلَ
حزنُ
ملكنا .
/
لم نكن نقتلُ
كانت الناسُ تأتي إلينا
الأشجار ُ كانت تأتي
الحيواناتُ و النجوم
من أجل أن نقـتلَ ذلك الحزن
من أجل
عينين .
/
و أيّ
عينين ! .
/
قدمٌ في الجو
و أخرى في الأرض
قدم في القمر و أخرى في الأرض
و مرّات كثيرة
كنّا نظنُّ
في الظلمة ِ
بأنـّنا خرجنا عن الدرب
و مشينا
على كوكب ٍآخر
كانت الأرض ُ
ضيّقـةً
على أقدامنا .
/
و لأنـّنا من الفولاذ
كنّا لا ننام
و لأنـّنا من السيل الجارف
لم نشمّ توسلاتِ الورد
المختبئ
بين
الحجارة
و لأنـّنا من السيوف
كنّا
لا نرأف .
/
كانت أرواحُـنا
مثل سبائكَ
تُـثـْقِـلُ
أقدامَ الغرقى .
/
كان يكفي أن نرفع قلباً مثقوباً
و مترنّحاً
من الخوف
حتى تهتزَّ الجبالُ و تمشي
كان يكفي أن ننظر في العيون
حتى تمتلئ بالمياه البيضاء
و كان يكفي أن نمدّ يدنا إلى النهر
لنشربَ
حتى تطفو الأسماكُ
على الماء
مثل
ليرات ٍ
من الفضّة .
/
لكنـّنا أبرياء
اليدُ كانت ترتعشُ و نحن نتصافح
القلبُ كان يَضمرُ
و ينزلقُ
إلى الأمعاء
العودةُ كانت تَـنْـحَلُ و تضيع
و كان القتلى يصفحون بابتسامةٍ رقيقةٍ
كانوا يعرفونَ
و يغفرون ..
كنّا نخافُ على ملك ٍ
رقيق
يحكمهُ
الحزن .
البحر
لم أشاهد البحر َ
في صغري
ولم أعشقْـهُ
و عندما كان أستاذُ الرسم
يطلبُ لوحةً
كنتُ
بلا تردّدٍ
أرسمُ البحرْ
ليس سطحَهُ
أو سفنه
أو صوتـَه
الذي يشبهُ القصفْ
بلْ
أحشاءهُ
/
كنتُ
بلا تردُّدٍ
أرسمُ
ذلكَ الشّر .
/عارف حمزة
التعليقات مغلقة.