«القيادة والسيطرة».. أوهام الأمان النووي

12

فهرس

لا شك أن الأسلحة النووية غيّرت منذ بدايات ظهورها الكثير من المعطيات العسكرية ومن موازين القوى في العالم. ولا يزال ماثلاً في أذهان الكثيرين أن استخدام ذلك السلاح ضد هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في مطلع شهر أغسطس من عام 1945 أنهى الحرب العالمية الثانية وفرض على اليابانيين رفع الرايات البيضاء وإعلان الاستسلام.
وإذا كان السلاح النووي قد غدا احدى وسائل الردع الأكثر فاعلية تحت عنوان «التدمير المتبادل الأكيد»، فإنه شكّل بالوقت نفسه مصدر خطر حقيقي بما يمكن أن يترتب عليه من حوادث غير محسوبة النتائج. وصحفي التحقيقات الأميركي أريك شلوسير، يكرّس كتاباً لمسائل «القيادة والسيطرة»، كما جاء في عنوانه الرئيسي، يناقش فيه ما يسميه «أوهام الأمان» في ما يتعلّق بالأسلحة النووية، وينطلق تحديدا مما يسميه «حادث داماس» الذي وقع في عام 1980 بولاية اركانساس الأميركية.
يؤكّد المؤلف في تحليلاته للمخاطر النووية «الطارئة» المترتبة على «الحوادث المفاجئة»، مثل تلك الأكثر شهرة التي عرفها مفاعل «تشيرنوبيل» في روسيا ومفاعلات فوكوشيما في اليابان، أن خطر الحوادث والاستخدام العشوائي من قبل البعض يعادل في واقع الأمر اللجوء إلى اختراع تلك الأسئلة باسم «متطلبات الدفاع».
وتتم الإشارة في هذا السياق إلى أن أولى العقبات التي تواجه «الخوض» في الموضوع النووي وما يترتب عليه بالنسبة للأمن تتمثل في «السريّة»، التي تحيط به. إنها السريّة التي تحيط عامّة بالسلاح النووي منذ أن شرع الأميركيون، بالاعتماد على أدمغة ألمانية بالدرجة الأولى، بما سمي «مشروع مانهاتن»، لتصنيع سلاح يمكنه الرد على القنابل القوية جداً ومن نوع جديد، التي امتلكها الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية.
إن المؤلف يصف في القسم الأول من الكتاب، حادث داماس في أركانساس، حيث وقع انفجار في الصاروخ «تيتان – 2» عام 1980. ذلك بالاعتماد على سلسلة من الشهادات وعلى بحثه الخاص حول كل ما يتعلّق بذلك الحادث من الزوايا التقنية والإنسانية. هذا مع «التوقف» في الوصف بين الحين والآخر من أجل تقديم معلومة ما أو حدث يتعلّق بتاريخ الأسلحة النووية.
هكذا يعود أريك شلوسير إلى تلك اللحظة التي سقطت فيها قطعة معدنية على الصاروخ وأحدثت ثقبا في جداره. انطلقت المحروقات داخله وحدث تفاعل خطير. ما يؤكّده هو أن الحادث لم يحدث بسوء نيّة أو بقصد التخريب، ولكن إثر حادث عادي يمكن أن يقوم به أي إنسان. والإشارة أنه في الواقع من نوع الحوادث التي يتم وصفها في عالم «الهندسة الإلكترونية»، بـ«حادث عادي».
ومن خلال ذلك الحادث الذي يعتبره المؤلف، الأكثر إثارة للرعب، يشرح المؤلف مدى «الهشاشة»، التي تلازم المشاريع النووية والتي يتم تمويهها، أي الهشاشة، بمسحة من «البيروقراطية». ويبيّن في هذا السياق نقاط الضعف ونقص المرونة في البرنامج النووي للولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لإجراءات الأمن، ودور المحللين المختصّين بالمسائل المتعلّقة بالسلاح والتسليح في هذا.
وعلى مدى العديد من صفحات هذا الكتاب يتعرّض المؤلف للحديث عن الكثير من الأحداث النووية التي مرّت حتى الآن بسلام، لكن التي كان يمكن لها أن تكون بمثابة كوارث حقيقية. أحداث تشمل «الإنذارات الكاذبة» و«القنابل التي أُلقيت خطأ» و«الصواريخ التي وصلت إلى حد التهديد الأكبر بانفجارها في منصّاتها»، و«الوصول إلى حافة المجابهات النووية خلال فترة الحرب الباردة».

عن بيان الإمارتيَّة

التعليقات مغلقة.