تركيا تريد مواجهة “داعش” من دون تقوية الأكراد
لا يزال العقل التركي مرتبكاً بخصوص عمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، إذ ترى القيادة التركية بأن هزيمة “داعش” ستقوّي من نفوذ حزب “الاتحاد الديمقراطي” في المنطقة ذات الكثافة السكانية الكردية شمالي سورية (روج آفا) التي يسيطر عليها بالفعل، وقد أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن هذه المخاوف في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ أشار إلى أن العملية العسكرية لا يجب أن تكون موجَّهة الى “داعش” فقط، بل يجب في الوقت نفسه أن تكون موجَّهة للنظام السوري و”التنظيمات الإرهابية الانفصالية”، وكان يقصد بهذا المصطلح حزب “الاتحاد الديمقراطي”، ذراع حزب العمال الكردستاني في سورية.
من جهة أخرى، لا زالت قوات “العمال الكردستاني” بما فيها قوات الحماية الشعبية التابعة لجناحه في سورية، تقدّم عروضاً قوية في الحرب ضد “داعش”، مما ساعدها في اكتساب ثقة القوى الغربية، إلا أن رفض أنقرة تقديم أي دعم للقوات الكردية في حربها ضد “داعش”، أدى إلى استياء زعيم “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، وقادة “العمال الكردستاني” في جبال قنديل شمالي العراق، وكذلك حزب “الشعوب الديمقراطية” ذي التوجُّه الكردي أو اتحاد الجماعات الكردية، مما دفعهم بالتهديد بوقف عملية السلام القائمة مع الحكومة التركية.
وكان عضو المجلس التنفيذي لاتحاد الجماعات الكردية مراد كارايلان، قال في وقت سابق: “لدينا وثائق تثبت أن هناك تخطيطاً مشتركاً بين تركيا و”داعش”، لقد خانت تركيا الأكراد وضربتهم من الخلف مرة أخرى، إذ أرادت بيع كوباني (عين العرب)، لكنها لن تستطيع فعل ذلك، كوباني هي قطعة من كردستان، ولا يمكن لتركيا أن تخدعنا بعد الآن، وهذا إعلان للحرب، ولم يعد هناك معنى لمفاوضات السلام بالنسبة لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني”.
”
دميرتاش دعا الحكومة التركية إلى اتخاذ خطوات ثابتة في الحرب ضد “داعش” ودعم المقاتلين الأكراد في عين العرب
”
كما دعا الرئيس المشارك لحزب “الشعوب الديمقراطية”، الجناح السياسي للعمال الكردستاني” صلاح الدين دميرتاش الحكومة التركية إلى اتخاذ خطوات ثابتة في الحرب ضد “داعش” ودعم المقاتلين الأكراد في مدينة عين العرب (كوباني)، وأبدى دميرتاش غضبه إثر الزيارة التي قام بها يوم الثلاثاء الى المدينة وبعد اجتماعه بمسؤولي “الاتحاد الديمقراطي” هناك ، قائلاً: “على الجميع أن يعرف بأنه إذا سقطت كوباني، فلا أحد منا سيتقبل انتصارهم”.
في غضون ذلك، اعتبر حزب “الحقوق والحريات”، أحد الأحزاب الكردية في تركيا، أن المقصود من مطالبات أروغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو بإقامة منطقة عازلة في سورية، هو إسقاط النظام السوري والسيطرة على مناطق الأكراد هناك أكثر من كونه القضاء على تنظيم “داعش”.
وقال الحزب، في بيان، إن تركيا غيّرت موقفها من الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تشكل برئاسة واشنطن بهدف القضاء على “داعش”، بعد أن تمكّنت من تحرير رهائنها من قبضة التنظيم، وأعلنت أنها ستلتحق بركب التحالف وستشارك بالعمليات العسكرية، لافتاً إلى أن المطالبات بإرسال قوات عسكرية إلى الداخل السوري سيجر البلاد إلى نزاع لا نهاية له، مطالباً المسؤولين بالابتعاد عن فكرة إرسال قوات برية إلى سورية لأنها لن تخدم المصلحة ولن تحل المسألة بل ستزيدها تعقيداً.
وفي إطار تصاعد التوتر بعد تصريحات المسؤولين في حزب “العمال الكردستاني”، طالب نائب رئيس الوزراء التركي يالتشين أكدوغان مقاتلي “العمال الكردستاني”، بالتوجه للقتال إلى جانب الأكراد ضد مقاتلي تنظيم “داعش” في بلدة عين العرب السورية بدلاً من استعراض العضلات وتهديد تركيا.
وأكد أكدوغان، خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني على قناة تركية خاصة، أنه لا يوجد أحد يمكنه تهديد تركيا وأمنها واستقرارها، لافتاً إلى أن ما يفعله قادة “العمال الكردستاني” هو مجرد زهو واستعراض للعضلات لا طائل منه.
وخاطب أكدوغان قادة “العمال الكردستاني” قائلاً: “إن كانت لكم قوة حقاً فعليكم التوجه للقتال إلى جانب الأكراد في بلدة كوباني السورية التي تسكنها أغلبية كردية ضد هجوم “الدولة الإسلامة” عليها، أما أن تجلسوا في جبال قنديل تلقنون الأكراد دروساً حول ما يجب عليهم القيام به فهذا لا معنى له، إذا كنتم أقوياء فاذهبوا وقاتلوا تنظيم داعش فذلك خير لكم”.
”
الحكومة التركية تنوي إنشاء مجلس مختص بمتابعة وتنسيق الإصلاحات الخاصة بعملية السلام
”
وبعدما كانت الإدارة التركية تخطط للانتظار حتى ربيع أو صيف العام المقبل قبل الانتخابات البرلمانية، كي تخطو خطوات جديدة في إطار المفوضات القائمة مع “العمال الكردستاني”، إلا أن الأزمة الحالية أجبرت أنقرة على التخلي عن هذه الخطة، إذ أعلن نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة بولنت أرينج عن نية الحكومة إنشاء مجلس مختص بمتابعة وتنسيق الإصلاحات الخاصة بعملية السلام وذلك في إطار حزمة القوانين التي أقرها البرلمان التركي في يوليو/تموز الماضي. وأضاف أرينج أن “مجلس عملية السلام سيتابع مهمة المراقبة والتنسيق بين مختلف إدارات الدولة، إذ سيرأس هذا المجلس رئيس الوزراء أو النائب الذي سيتم تكليفه بالعملية، إضافة إلى كل من وزراء العدل والداخلية والخارجية والدفاع، إضافة إلى وكيل رئاسة الوزراء، ومستشار رئيس الوزراء للأمن العام، ورئيس جهاز الاستخبارات التركية”.
وشدد أرينج على أهمية المجلس، قائلاً “إن هذا المجلس يعتبر الأساس في عملية الحل، إذ سيقوم بمتابعة والتنسيق لباقي الخطوات وذلك ضمن القانون التركي”.
إذاً يبدو أن التحالف ضد “داعش” خلط الكثير من أوراق الحكومة التركية، لكنها حتى الآن ثابتة في استراتيجيتها في التعامل مع الأكراد، إذ يمكن تلخيصها كالتالي: “عملية سلام مع أكراد تركيا، تحالف مع أكراد العراق، ورفض تام للتعاون مع جناح العمال الكردستاني السوري”، بل وأن الكثير من المراقبين يؤكدون بأن أهم أسباب العودة القوية إلى التحالف هو التفاوض على شروط تركيا التي لا ترغب بوصول أي سلاح لمقاتلي “العمال الكردستاني” سواء في جبل قنديل أو في سورية.
– عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة.