هل ضربت طائرات “التحالف” عمق “الوجدان” السوري؟

46

timthumb.php

استفاقت سوريا فجر الثلاثاء الماضي على وقع غاراتٍ شنتها طائرات “التحالف” على مواقع لتنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، (داعش) ضمن الأراضي السورية. الغارات كانت منتظرةً إلّا أن الصبغة الخليجية التي كانت طاغيةً على المشاركين في القصف كانت مفاجئةً للسوريين.

السماء استباحتها طائراتٌ كانت إلى أمدٍ قريبٍ تحلم في فرصةٍ كهذه، وبينما قد تكون في الغارات مصلحةً سوريةً بإضعاف قوة تنظيم “داعش” الذي عاث فساداً في بقع جغرافيةٍ عدة من الأرض السورية، فإن تحليق الطيران القطري والسعودي وغيره من قوات الجو الخليجية قد ضرب وجدان الشعب السوري، الذي بات لسان حاله يقول بأنه سلّم لـ “قضاء الأمريكي وقدره” في الغارات، إلّا أنه لم يتقبّل مشاركة دولٍ لا يزال يعتبرها ضئيلةً في قصف مواقع بلاده.

أمراء السعودية ونسوة الإمارات وجدوا في سماء سوريا ميداناً لإبراز أنفسهم وإعادة “زمن البطولات” إلى خليجٍ عربيٍ لم يبق لأبنائه من “أمجاد” أجدادهم سوى القصائد والمعلّقات، التي تروي تاريخاً دموياً خطّوه قبلهم بمئات السنين.

الغارات أسفرت عن مقتل عددٍ كبيرٍ من عناصر “داعش”، بحسب ما تحدثت به المصادر الميدانية، بينما راح ضحيتها عشرات المدنيين، كما أدت لتدميرٍ كبيرٍٍ في البنية التحتية التي كان التنظيم يسيطر عليها ويستثمرها في مناطق سيطرته. إلّا أن الضربات المباشرة كانت موجّهة إلى “الوجدان” السوري، الذي وجد في الضربات إهانةً لكل سوري أينما كان ومهما كانت توجّهاته.

الأقلام كانت مشحوذةً وجاهزة. الفرصة اليوم سانحةٌ لاسترداد “الكرامة” الخليجية على حساب سوريا وتحت جناح أمريكا، الصحف الخليجية لم تختصر في عناوينها، فكلمة “التحالف” قلّما وردت لتحلّ مكانها “طائرات السعودية وقطر والبحرين….”. فـ “أشباه الرجال” يقصفون في عقر الأرض السورية، والدولة التي أنهكتها سنين الحرب الأربع لم تتمكن من الرد.

“المعارضون” الذين كانوا سبباً مباشراً في تدمير دفاعات الدولة الجوية، اليوم ينددون بالعدوان، ليس همهم استباحة السماء السورية، فغالبا ما يتلعثمون حين يدلون بتصريحاتهم ويقولون “لطالما طالبنا بغطاءٍ جويٍّ أمريكي” قبل أن يصححوا و يقولوا “حظرٍ جويٍّ أمريكي”، إنما همّهم مواقعهم التي قد تقصف في اطار حملة “التحالف” التي استهدفت إخوانهم في “النصرة” و”داعش”.

آخرون وجدوا الفرصة سانحةً للاستهزاء بالدولة، و”الممانعة” التي اتخذتها نهجاً في سياساتها، ليمجّدوا بذلك طيرن “التحالف” الذي قدّم لهم ما لم ينتظروه، فغالبيتهم اتخذوا من أوروبا موطناً جديداً لهم ولم تعد أحوال الميدان تهمّهم، بل همّهم الوحيد أن يحصلوا على أكبر كمٍّ من “الاعجابات” على منشوراتٍ في مواقع التواصل الاجتماعي وجدت ضالّتها في الحملة الأخيرة على الأرض السورية، لتظهر مقدار الحقد الذي طغى على كل معاني الوطن.

في “الضفة” الأخرى لم يكن الوضع أفضل حالاً، فالأقلام الصديقة للدولة تبدو في غيبوبة، وان استفاقت تفيق على فقدان ٍ في الذاكرة، البعض تخندقوا مع طائرات “التحالف” في نفس الخندق، وآخرون نددوا بخجلٍ استباحة السماء السورية، والبعض تحدّث عن مفاجآتٍ تعدها القيادة وتنسيقٍ لم يكشف عنه بعد، والبعض كان واقعياً بأن أي رد فعلٍ غير محسوب قد يزيد الوضع (السيئ أصلاً) سوءاً.

التصريحات الرسمية السورية تحدثت عن أن غارات التحالف تسير في الاتجاه الصحيح لحد الآن، وبأن الاستهدافات طالت عناصر لـ”داعش” و”النصرة” دون أن تطال مدنيين أبرياء، وجاءت هذه التصريحات بعد جدلٍ حول وجود تنسيقٍ بين القيادة في سوريا وبين “التحالف” سبق بدء الضربات، انتهى بتأكيدٍ من بان كي مون (أمين عام الأمم المتحدة) بأن أمريكا أبلغت سوريا بموعد الضربات قبل بدئها.

في ظل الأحداث التي تبدو على السوريين متسارعةً وأكثر جدية، لا يملك أي من الشعب السوري فكرةً عما سيحمله له الغد. المؤكّد الوحيد أن طائراتٍ قطرية كما غيرها من طائرات الخليج قد استباحت سماء سوريا بذريعة “مكافحة الارهاب”، فهل سنعود إلى أكذوبة “شكراً قطر” لتغدو “شكراً تحالف”! أم أن للدولة السورية ردّاً سياسياً كان أم عسكرياً على العدوان الذي أجمع أبناؤها على وقوعه.

عن الاوسط الكندية

التعليقات مغلقة.