«دروب».. أثواب الألم والحزن

29

images

تأتي رواية “دروب الفقدان” لعبدالله صخي، امتداداً لعمله “خلف السدة”، بشخصياتها التي تطوّرت وفق مسار درامي وحبكة قصصية يسيطر عليها الفقد: العنصر الأساسي الذي تحتفل به الرواية. يكاد بطل الرواية، علي سلمان، أن يكون البطل الأوحد لكل الروايات العربية التي كُتِبَت.

وليسَ فقط بطل الرواية الجديدة “دروب الفقدان”، فهو يعتبر بمثابة الشخصيّة الحقيقية التي تعيش في دواخلنا جميعاً، الفقد هو العنصر الأساسي إضافة إلى الذكريات التي تكون متواترة بين كل فصل وآخر ضمن الرواية، التي تسير وفق خط تصاعدي لا يمتّ بصلة إلى الأدب المتخيّل. ففي هذا العمل كل شيء واقعي ممزوج مع الذكريات المتمثلة بشخصيات وأطياف تكون موجودة في كل الصفحات. السمة الرئيسة للعمل هي سرد حالات الفقد التي تضع الشخصيات كلها في مأزق التذكُّر. إن البطل الروائي، علي سلمان، يحاول أن يفعل شيئاً ما كي يخفف الحنين الذي يجتاحه إلى عشيقاته:

“يعمل في البناء ويدرس ويبقى أسير ذكرياته”. إنها رواية تتحدَّث عن مناطق عراقية مهمشة وأُناس فقراء يغنون، لهم أفراحهم ومصائبهم. وأيضاً، هناك “مكية الحسن”، المرأة القوية – التي هي بمثابة رمز لكل الأمَّهات – بأحلامها المتواضعة، كأي إنسانة قروية بسيطة لا تروم شيئاً، سوى أن يحقق ولدها الحلم البسيط، المتمثل في أن ينهي دراسته ويتوظَّف براتب محترم، ينقذ العائلة من الفقر.

إن قصص الحب السريعة لعلي سلمان في الرواية، تدل على الفقد المتواصل، كما قصّة حبه المفاجئ لخالدية، التي تبادله الحب. ولكن بينَ ليلة وضحاها، تتزوج آخر وتختفي. وأيضاً دلالة على حالات الفقد المتعددة نعثر على حكايات علي سلمان مع أصدقائه الذين يخونونه كما حصل معه في قصة صديقه محمد هادي الذي كان قد واعده على أن لا يفترقا. إلا أن محمد هادي يوظف كرجل أمن، وترتفع مرتبته. ومن ثم يتزوج. وكمكافأة من الحكومة على تفانيه في مهماته الأمنيّة، يُرقى إلى مراتب عالية، ما يدفعه إلى نسيان أصحابه وأهل الحي الفقراء المعذبين.

ثَمَّة طرح في الرواية، عن فساد المسؤولين في المؤسسات الحكومية، هو ليس طرحاً بقدر ما هو تلميح يمكن استنتاجه بسهولة، من خلال سرده حكاية السرقات التي كانت تحصل وتخلّي المسؤولين عن التاجر “ياسر البزّاز”، بعد سرقة محله وتردي حالته النفسية.

وسبب هذه الحالة النفسية ليست الخسارة الماديّة التي مُني بها، بل تخلي المسؤولين عنه. وهو الذي كان يقيم لهم الولائم في مزرعَة يملكها، تقع خارج العاصمة، ذلك مقابل التسهيلات التي كانوا يقدمونها له في تجارته وأعماله. وضمن كمّ هائل من الذكريات، يتّضح لنا خط سردي آخر، متمثل في مسألة اكتشاف النفط تحت سطح مدينة الثورة.

ويبدو لافتاً أن الذي يتضح من خلال سير الرواية، أنّ الأمر ليس سوى خدعَة لترحيل وتهجير الناس من المدينة، كما فعلوا في “خلف السدة”. وهنا فإن الشخصيات تفصح، كما فعل عبد الحسين صهر مكية الحسن، عن أن خدعة اكتشاف النفط ليست إلا فعلاً لتهجير الناس عن هذه المدينة، التي أسسها عبدالكريم قاسم، وكأن الحكومة تريد أن تقضي على الذاكرة السياسية لهذا الشخص الذي كان يحبهم كثيراً، بمعنى آخر، فإن الحكومة تريد أن تمحي ذاكرة سياسية معينة لا تروق لها، من تاريخ العراق الحديث.

وتبين في هذه الرواية، السمات البارزة لتجربة الروائي عبدالله صخي، التي تصنف مؤثِّرة بصيغها ومحتواها الإنساني الثر، ذلك من خلال سرد آلام فئة مهمَّشة من الناس. إنها رواية عن تاريخ من التهجير والفقد، وكذا الوحل الذي يملأ الشوارع ويطغى على المعيشة ضمن لغة سرديَّة آسرة.

المؤلف في سطور

عبدالله صخي. روائي وكاتب عراقي. قدم دراسات وروايات عديدة. من بينها: “خلف السدة”/ رواية.

 الكتاب: بدروب الفقدان / رواية

تأليف: عبدالله صخي

الناشر: دار المدى للطباعة والنشر

والتوزيع 2013

الصفحات: 288 صفحة

القطع: المتوسط

جوان تتر/ عن البيان الاماراتية

التعليقات مغلقة.