حكاية عائلة كرديَّة مهاجرة في بريطانيا: «شرف» للتركية إليف شافاق

35

22qpt897لم تستفد الأم من نذورها كي يرزقها الله بذكر بعد ست بنات، فأنجبت فتاتين توأمين، ثم عادت وحملت بأنثى في سن التاسعة والأربعين، وودعت الحياة أثناء الولادة مع جنينها الأنثى أيضاً.
صمتت نازي، الأم، أياماً ولم تستجب لكل ضغوط زوجها كي تسمي الطفلتين التوأمين، وعندما عادت عن صمتها أسمتهما «بخت»، و»بس»، كصرخة احتجاج أنها أخذت حظها من إنجاب البنات وهذا يكفي. زوجها بيرزو سخر من تسميتها فأسماهما «بمبي»، و»جميلة»، لكن تسمية الأم لم تُهمل فأخذت كل من الفتاتين التسميتين معاً: بمبي – بخت، وجميلة – بس.
قدر الابنتين التوأمين يتقاطع مرات بعكس سعادتهما، حين يعشق آدم طبرق جميلة، ثم يتزوج بمبي، وعندما ينوي اسكندر ابن بمبي قتل أمه بداعي الدفاع عن «الشرف» يقتل خالته جميلة.
واضح أن إليف شافاق في روايتها «شرف» الصادرة عن دار الآداب 2014، بترجمة محمد درويش، تتابع لعبتها في كتابة رواية غرائبية تستمد عناصرها من الواقع، مثلها مثل رواية «لقيطة اسطنبول»، محققة معادلة (best seller)، والشهرة، والثراء، مع مئات آلاف النسخ المباعة من رواياتها.
تبدأ الرواية بطريقة الخطف خلفاً، حين تذهب أسماء ابنة بمبي إلى السجن لمرافقة أخيها المفرج عنه بعد قتله خالته، رغم أن الجميع، بما فيها السلطات الإنكليزية التي حكمت عليه بالسجن، يظنون أنه قتل والدته.
في الطريق تفكر أسماء بكتابة قصة حياة والدتها بمبي، مستفيدة من موهبتها في الكتابة، ومن إحساسها بالواجب تجاه والدتها وخالتها وعائلتها التي انتقلت من القرية إلى اسطنبول، قبل الهجرة إلى لندن.
تبدأ الحكاية عام 1945 في قرية (منازل الرياح الأربعة) الكردية على الفرات جنوب شرق تركيا، ويتردد الزمن في فصول الرواية عبر خلخلة الزمن الذي تملأ الكاتبة فراغاته بقدرة كبيرة على التلاعب بالقارئ، حيث على القارئ متابعة تسلسل السرد بشكل متقطع يجمع من خلاله ومع تمام القراءة منمنمات مبعثرة هنا وهناك بشكل مثير.
الأب بيرزو يصر على تعليم الفتاتين التوأمين في المدارس التركية، مبرراً ذلك أمام زوجته المعترضة «كي يتمكنَّ من قراءة الدستور» ص28.
تضطر بمبي إلى تسمية ابنها البكر بعد سنوات من ولادته عندما يحين موعد دخوله إلى المدرسة، وبعد سنوات أخرى تغادر مع زوجها إلى لندن، بينما تظل جميلة وحيدة في القرية، ولا يربطها بمحيطها سوى عملها كقابلة، وكـ»طبيبة» تحضر وصفات الأعشاب الطبية للقرويين.
أما خيار الكاتبة لشخصية التوأمين السياميين بمبي وجميلة في روايتها، فتوظفه بالطريقة التقليدية للروايات والأفلام، فإذا بكت إحداهما في الشرق، بكت الأخرى في الغرب. وعليه، عندما شعرت جميلة أن أختها بمبي في ضائقة قررت السفر إلى لندن لتتلقى طعنة في قلبها على الجهة اليمنى من جسدها نيابة عن أختها. وظل الابن اسكندر يعتقد لسنوات وهو في السجن أنه قتل والدته قبل أن يوضح له أخوه يونس الحقيقة محذراً إياه من التعرض بالأذى لوالدتهما.
لكن جميلة تعود إلى تركيا لتقضي آخر أيامها في منزل العائلة الذي تركته جميلة، وتتوفى فيه قبل خروج الابن القاتل من السجن.
هنالك حكايات تأتي حشواً في جسد الرواية، جرياً على عادة شافاق في إصرارها على كتابة روايات ضخمة الحجم، فتفاصيل ما عاشه اسكندر في السجن يأتي معظمها دون ضرورة، كما أن حكاية طفولة تونس وارتباطه بجماعة هيبية، وعشقه الطفولي لفتاة هيبية، في كل ذلك إطالة لا مبرر لها، وكان يمكن الاكتفاء بصفحات قليلة عن ذلك كتنويع على مجتمع الرواية الذي تشكله عائلة طبرق في لندن، ومجتمع جميلة في القرية، وعلاقتها بالعائلات والنساء الحوامل، والمهربين الذين يتعرضون لإطلاق نار على الحدود السورية التركية.
ميزة أخرى تتابع شافاق تقديمها في «شرف»، على غرار رواياتها السابقة، فعدا عن أبطال روايتها الأكراد، تضع شخصية إلياس الذي تجري في عروقه دماء يونانية – لبنانية، بينما يحمل الجنسية الكندية ويعيش أهله فيها. كما تذهب الكاتبة بآدم طبرق إلى أبوظبي ملاحقاً عشيقته التي تسافر إلى هناك للعمل في أحد الملاهي، وعندما لا يجدها يتدبر عملاً في شركة بناء، ويتابع ولعه في القمار ليخسر كل ما كسبه من عمله، وينتهي الأمر به منتحراً بالقفز من سطح إحدى البنايات التي كان يعمل فيها.
كذلك يتزوج فلسطيني من أسماء ابنة بمبي وآدم طبرق، في انعكاس ربما لما عاشته الكاتبة متنقلة في بلدان عديدة في أوروبا وأمريكا مع والدتها الديبلوماسية والسفيرة في عدد من البلدان.
لا تغفل شافاق وضع ثيمة غيبية في روايتها على جري عادتها، فالمحظية الكهرمانية، أو الماسة التي أهداها إياها أحد الأغنياء ترافقها في حياتها في قرية (منزل الرياح الأربعة)، تتميز بما يتميز به الألماس الذي لا يمكن سرقته أو اغتصابه دون أن تحدث للسارق مصيبة، وقد جرب مهرب أنقذت جميلة حياته سرقة المحظية فسار في حقل ألغام ومات. تصل المحظية إلى لندن، وبعد مقتل جميلة تؤول ملكيتها إلى بمبي التي تبيعها وتخصص المال لتعليم أسماء ويونس. لم تهتم بمبي بقاعدة سرقة الماسة كونها توأم سيامي لأختها، وما تفكر فيه إحداهما تفكر فيه الأخرى.
إليف شافاق تكسب مرة أخرى رهان شعبية ما تكتب من روايات، وتدل على ذلك عبارات الشكر التي توجهها لمحرري رواياتها، وللنساء اللواتي سمعت حكاياتهن وصمتهن، حيث استطاعت أن تضمِّن أفكارهن وقصصهن في روايتيها: «شرف»، و»لقيطة اسطنبول». ولعلها في هذه الميزة تحقق معادلة الكاتب والناشر التي تغيب عن كثير من الكتاب، خاصة في الشرق العربي.

عن القدس العربي

التعليقات مغلقة.