السودان: رقم قياسيّ لمعدّل الانتحار

30

210

سجل السودان أعلى معدل انتحار عربياً بـ17.2 حالة لكل مائة ألف نسمة، بحسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية. يتجاوز هذا الرقم المعدل العالمي بكثير، ويشغل المجتمع في الفترة الأخيرة. فأرقام عام 2012 تكشف أنّ معدل الانتحار في العالم يبلغ 11.4 لكل مائة ألف. ومع ذلك فإنّ بعض الخبراء يشيرون إلى أرقام أعلى بكثير. لكن يتم إخفاؤها عادة، لأسباب أمنية واجتماعية.

وداعاً

فاطمة (اسم مستعار) تقول إنّ الضغوط الحياتية قادت والدتها لوضع حد لحياتها. فجّرت المرأة المسنّة قارورة الغاز في المطبخ، وأحرقت نفسها. وسط دموعها تتذكر فاطمة تفاصيل ذلك اليوم، الذي تلقت فيه خبر انتحار والدتها، وتقول: “كانت تشعر أنّ الجميع مشغول عنها، بخاصة مع معاناتها من اكتئاب مزمن”.
وتكشف فاطمة أنّ والدتها، في الفترة الأخيرة قبل انتحارها، رددت طويلاً على مسامع العائلة كلمات من قبيل عدم رغبتها في العيش عبئاً عليهم. وتعلّق: “لكن لم يخطر ببالنا أبداً، أنّها ستقدم على الانتحار”. لا يختص الانتحار في المجتمع السوداني، بشريحة عمرية معينة. فقد نقلت التقارير الصحافية أخيراً، أخباراً عن انتحار عدد من الشباب والمسنين، من خلال رمي أنفسهم من فوق جسور نهر النيل. وترك بعضهم رسالة يشير فيها أنه أقدم على الانتحار بسبب الضائقة المعيشية، وفشله في تأمين وضع أفضل لعائلته.

 

من هؤلاء شاب انتحر قبل عرسه بفترة قصيرة. كان في رحلة ترفيهية عند النهر مع أصدقائه، الذين نظموها خصيصاً له. فما كان منه إلاّ أن ابتعد عنهم، ولوّح لهم “وداعاً”، قبل أن يرمي نفسه إلى عمق النيل، بشكل مفاجئ، فجعوا به، بدلاً من أن يفرحوا. من جهتها، تغالب ندى دموعها، رغم مرور سنوات على انتحار حبيبها. تقول: “عشت قصة حب مع زميلي في الجامعة وتعاهدنا على الزواج”. وتضيف: “بعد تخرجنا حرص على تأمين عمل، في سبيل تأمين حياتنا المستقبلية ونجح في ذلك. لكن حالت تقاليد عائلتي التي تمسكت بتزويجي من ابن عمي دون زواجنا، ما دفعه للانتحار”.
من جانبها، تعتبر الباحثة الاجتماعية، آمنة عبد المطلب، أنّ الانتحار، أو الشروع فيه، يعود إلى جملة عوامل متعلقة بالظروف الاقتصادية والتفكك الأسري. إلى جانب أسباب أخرى ترتبط بالعلاقات غير الشرعية، والحمل غير الشرعي، والإجبار على الزواج. وتؤكد عبد المطلب أنّ معظم حالات الانتحار يتم إخفاؤها من قبل العائلات، خوفاً من وصمة العار الاجتماعية.

أرقام مخيفة

تشير تقارير الدفاع المدني إلى انتشال ما بين ثلاث وأربع جثث يومياً من نهر النيل، من بينها عدد من حالات الانتحار، وفق ما تعلنه تحقيقات الأمن. كما كشف تقرير صادر عن مستشفى الأنف والأذن والحنجرة في العاصمة الخرطوم عن تسجيل 703 حالات تسمم ببعض أنواع صبغة الحناء، العام الماضي معظمها حالات شروع في الانتحار.
وسجلت النساء أعلى نسبة بين حالات محاولات الانتحار بالصبغة بـ610 إناث، مات منهن خمس، و93 ذكراً مات منهم واحدٌ. وفي تعليقه على معدل الانتحار المرتفع في السودان، يقول أستاذ الصحة النفسية، علي بلدوا، إنّ النسبة التي أوردها تقرير منظمة الصحة العالمية “لا تمثل سوى قمة جبل الجليد”.
ورجح بلدوا أن تكون الأرقام أكبر، معللاً ذلك بضعف التسجيل الطبي، والعار الاجتماعي، والمحاذير الأمنية، التي تحول كلها دون الكشف عن كامل حالات الانتحار. ويضيف أنّ النسبة الحقيقية تتراوح بين 1 في المائة و3 في المائة، بينها 50% وسط الشباب. ويذكر بلدوا أنّ الانتحار يكثر بين الأشخاص الذين انتحر أحد أفراد عائلتهم سابقاً.
وكذلك بين المرضى والمدمنين والعاطلين من العمل. ويشير إلى أنّ مرضى الاكتئاب يشكلون أكثر من 55 % من الحالات في ولاية الخرطوم. ويلاحظ بلدوا أنّ الفترة الأخيرة شهدت ازدياداً في معدل تردد المرضى على العيادات والمراكز الطبية النفسية. ويوضح أنّ “150 ألف سوداني يعانون من انفصام الشخصية، و55 في المائة يعانون من الاكتئاب”. ويشير إلى أنّ هذين المرضين يشكلان أوسع بوابة للانتحار، فيما يشدد على أنّ غياب الصحة النفسية والثقافة الطبية النفسية يقودان إلى زيادة حالات الاكتئاب، إلى جانب الإدمان وتعاطي المخدرات.

عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة.