يهربنَ إلى السجن ليخرجنَ منه مهنيّات
تُمنَح نزيلات مركز إصلاح وتأهيل النساء في الأردن، فرصة للاندماج من جديد في المجتمع، إذ توفّر لهن فرص عمل في مِهن كن قد تدربن عليها خلال محكوميتهن، في إطار برنامج التدريب الذي توفره إدارة مركز الإصلاح للراغبات.
وبرنامج الرعاية الذي يقدّمه معهد التضامن الأردني، انطلق قبل سبعة أعوام بالتنسيق مع إدارة مركز الإصلاح والتأهيل ليوفر بالإضافة إلى فرص العمل، الحماية للمفرج عنهن والمهددات بالقتل من قبل أسرهن.
هناء (اسم مستعار) واحدة من المستفيدات من البرنامج. والشابة البالغة من العمر 28 عاماً، قضت سبع سنوات في مركز الإصلاح والتأهيل، كموقوفة إدارية للحفاظ على حياتها من تهديد أسرتها، إثر تعرّضها للاغتصاب عندما كانت في الواحدة والعشرين من عمرها من قبل ثلاثة أشخاص مجهولين.
ونتيجة ذلك الاعتداء أنجبت هناء طفلاً غير شرعي، فسعى أهلها إلى التخلص منها ومنه لمداراة العار، وغسل الشرف بالقتل. لكنها نجت لتودَع السجن كموقوفة إدارية من دون محاكمة أو تهمة.
تقول هناء لـ”العربي الجديد” إن “السجن كان يحميني من القتل. لكنه سجن. وكنت أشعر بالاختناق والحزن”. تضيف: “كنت أبحث عن أي شيء أملأ به وقتي. وخلال تلك الفترة نظمت دورة تطريز وحياكة للراغبات، فالتحقت بها”. وتوضح: “تعلمت خلال الدورة تطريز الأثواب، وتعلمت في أخرى صناعة المسابح والإكسسوارات وبعض الأشغال اليدوية”.
وبحسب قوانين مراكز الإصلاح، تحصل النزيلة التي تلتحق بدورة تدريب وتتمكن من أن تصبح منتجة، على راتب شهري قيمته 28 ديناراً أردنياً (نحو 40 دولاراً أميركياً)، وذلك من خلال إيرادات بيع منتجات النزيلات.
مطلع العام الجاري، أفرج عن هناء. تقول “أنا ضحيّة اغتصاب. لكن عائلتي لم تصدق ذلك”. لذا وبعد الإفراج عنها، لم تعد إلى منزل عائلتها بل تسلمها برنامج الرعاية في المعهد. وتروي “تزوجّت برجل عرّفني إليه المعهد بعد أن عرف بقصتي. واليوم هو سندي وشريكي في المشغل الذي أصنع فيه ما تعلمته في داخل السجن”.
تضيف هناء أن البرنامج منحها قرضاً بقيمة ألف دينار (1400 دولار)، تسدده على أقساط شهرية. وقد تمكنت بهذا المبلغ من شراء مستلزمات مشروعها الخاص. واليوم هي تقوم بالإنتاج فيما يقوم زوجها بترويج المنتجات.
”
برنامج الرعاية انطلق قبل سبعة أعوام بالتنسيق مع إدارة مركز الإصلاح والتأهيل ليوفر بالإضافة إلى فرص العمل، الحماية للنساء
”
وتخبر مديرة مركز إصلاح وتأهيل النساء المقدّم كفاح الكرادشة، أنها تشعر بالسعادة عندما تخرج إحدى النزيلات وتشق طريقها في حياتها الجديدة ولا تعود إلى السجن. وتقول: “هناء ومثيلاتها يحققن هدفنا في الإصلاح والتأهيل”، مشيرة إلى أن البرامج التي يقدمها المركز تهدف إلى تأهيل النزيلات وتدريبهن على مهن تؤمن لهن لقمة العيش بعد إطلاق سراحهن. وتوضح أن المركز يقدّم من خلال التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، دورات في قسم المشاغل الحرفية، فيجري تعليم النزيلات صناعة الفخار وتزيينه، والرسم على الرمل، بالإضافة إلى الخياطة والتطريز. كذلك يقدّم المركز برنامجاً للتجميل وتصفيف الشعر وبرنامجاً لصناعة الحلويات.
ويبلغ عدد النزيلات في المركز 460 نزيلة، التحقت 80 منهن فقط بالدورات التدريبية، إذ يُشترط موافقة النزيلة على الالتحاق بالتدريب. وتشترط قوانين المركز على الراغبات في تلقي التدريب، المشاركة في حلقات علاج جماعية يتحدثن خلالها عن مشاكلهن وسبل حلها.
وتلفت كرادشة إلى أنه “يحق للنزيلات الاشتراك في الضمان الاجتماعي بحسب رغبتهن”. وقد اشتركت ثلاث نزيلات بالفعل. سعاد (اسم مستعار) عاشت تجربة مماثلة. فالمرأة البالغة من العمر 39 عاماً، أقدمت على الزواج من رجل يحمل جنسية عربية وسافرت معه هرباً من تسلط إخوتها ووالدها المزواج. لكن الحظ لم يحالفها طويلاً. فأعادها زوجها إلى الأردن بعدما كان أهلها قد أصدروا تعميماً لتغيّبها عن المنزل. فدخلت السجن لتحمي نفسها من تهديد إخوتها لها بالقتل، بعدما طلقها زوجها. أفرِج عن سعاد مطلع العام 2011. تقول: “خرجت وأنا خائفة. كنت أتوقع قتلي عند باب السجن”.
لكن مندوبين من برنامج الرعاية اصطحبوها ووفروا لها الحماية، وقدموا لها مساعدة مالية كي تبدأ العمل. وكانت سعاد قد شاركت في دورات لإعداد الحلويات في داخل السجن، فاختارت امتهان ما تعلمته وراحت تعدّ الحلوى والمعجنات والتبولة للمناسبات بحسب الطلب. بعد عام من الإفراج عنها، تزوجت سعاد من شخص تعرّف إليها من خلال برنامج الرعاية. وهي الآن تنتظر طفلها الأول.. والسعادة تملأها. –
عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة.