الحرب غيّرت الجغرافيا الاقتصادية في دمشق وريفها
بالقرب من ملعب تشرين في منطقة البرامكة، وضع ما بقي له من أدوات وعلّق لافتة تشير إلى وجود «ميكانيكي» في المنطقة، آملاً استقطاب المارة واستعادة أيام مهنته القديمة التي امتهنها لأكثر من عشر سنوات في منطقة القدم. أبو أحمد، واحد من أهالي القدم الذين نزحوا بفعل الحرب الدائرة هناك. وبعد سلسلة تنقلات، انتهى به المقام في أحد أحياء دمشق للإقامة والعمل. وبعدما كان يعمل وسط منطقة متخصصة في ورَش تصليح السيارات، بات مضطراً إلى العمل في مكان «مخالف» وسط العاصمة.
يوضح أبو أحمد أنه قبل الأحداث لم تسمح «محافظة دمشق» بالعمل في تصليح السيارات وسط الشارع، نظراً إلى ما ينتج من هذه المهنة من ضجيج وتلوث. ويشير إلى أنّ الحاجة دفعته إلى حمل ما بقيَ من أدواته والعمل وسط الشارع، بعدما رأى انتشار هذه التجربة في مناطق عدة، مستفيداً من وجود قريب له يملك محلاً لبيع قطع السيارات في منطقة البرامكة. ويؤكد أنّ هذا الأمر مخالف للقوانين المعمول بها في العاصمة، ولكن على ما يبدو يغضّ الرسميون النظر عن هذه المخالفات لمنح الناس فرصة لتأمين لقمة العيش. مهنة تصليح السيارات ليست الوحيدة التي تغيّرت حالها وتشرد أصحابها بعدما كانوا متمركزين في كل من حوش بلاس والقدم وكفرسوسة، ليتوزعوا في مختلف أحياء دمشق، وخاصة في الأماكن الحيوية. ويوضح مصدر في محافظة دمشق أن جغرافية العمل تغيّرت بالكامل في سوريا، ولم تعد المناطق المتخصصة في مهنة معينة أو حرفة ما كما كانت في الماضي. ويستشهد بمأساة منطقة سقبا التي كانت تعرف باسم «عاصمة المفروشات»، نظراً إلى ما كانت تضم من معامل ضخمة للمفروشات تغذي أسواق دمشق وسواها. ويوضح أنها اليوم أصبحت مهجورة ولم تتوقف الاشتباكات فيها منذ بداية الأحداث.
تشرّد أصحاب العمل المتمركزون في كل من حوش بلاس والقدم وكفرسوسة
والأمر ذاته ينطبق على كل من حمورية وعربين وداريا التي كانت أيضاً مشهورة بصناعات المفروشات والأخشاب، وتوزع أصحاب هذه المعامل بين مركز العاصمة أو المحافظات الآمنة، وبعضهم انتقل الى خارج البلد أو تعرض لخسارة كبيرة أفقدته كل ما يملك. في دمشق اليوم، لم يعد الأمر ميسراً كما في الماضي عند البحث عن أي سلعة؛ فعند الرغبة في شراء سيارة، ستكون الخيارات أمامك قليلة ومتعبة، ويجب التنقل بين المزرعة والقصور والزاهرة. ويتحدث صاحب أحد المحال عن أنه مع اشتداد الأزمة في منطقة مخيم اليرموك أغلق محله الواقع في منطقة «شارع 30» (إحدى أهم المناطق في دمشق المتخصصة في بيع السيارات إضافة إلى طريق حرستا)، ووجد في منطقة الزاهرة حلاً مناسباً له. وبعدما بدأ بالعمل انتشرت العدوى في المنطقة ـــ كما يقول ـــ وفُتحت محال متخصصة في بيع السيارات شكلت سوقاً صغيراً إضافة إلى المحال الموزعة في بقية المناطق. الفوضى المهنية الجديدة، رغم سلبياتها، شكّلت عاملاً إيجابياً لدى سكان دمشق، إذ بدل ذهابهم الى المناطق البعيدة كحوش بلاس، بات بإمكانهم تصليح سياراتهم بالقرب من منازلهم من دون أي مخاطرة. وفي السياق، يوضح عضو في «اتحاد حرفيي دمشق» أنّ منطقة حوش بلاس المهنية باتت آمنة بشكل كامل وعاد بعض أصحابها إلى العمل، لكن بقية من غادرها لم يقتنع بالعودة بعد. ويشير إلى أنهم يتواصلون مع المحافظة لتشجيع أصحاب هذه المهنة على الرجوع، مطالبين في الوقت ذاته بمساعدتهم في تأمين الكهرباء. وبدورها، شجعت محافظة دمشق على الانتقال إلى المنطقة الصناعية لمختلف المهن، وفق ما يشير مصدر في المحافظة، وهيّأت 150 دونماً لهذا الأمر بالتنسيق مع غرفة صناعة دمشق. وهذا الانتقال لن يشمل بالتأكيد جميع المهن، لأن بعضها «يحتاج إلى آلات ضخمة وكبيرة لا يمكن نقلها من المناطق الساخنة».
الأخبار
التعليقات مغلقة.