حصل الهجوم بعد فترة قصيرة من بدء الإضطرابات الأولى في مدينة درعا في الجنوب السوري في شهر آذار من العام 2011.
كانت بضع شاحنات عسكرية قديمة روسية الصنع، مُحمّلة بعناصر أمن سوريين، تشق طريقها على منحدر صعب في واد يقع بين درعا المحطة ودرعا البلد. وكان عناصر الأمن يجهلون أن مسلحين صبّوا زيتاً على الطريق، وهم ينتظرون اقترابهم لإيقاعهم في الفخ.
بدأت الشاحنات بالانزلاق على بعضها البعض، ولكن المسلحين لم ينتظروا إلى حين توقفها حتى بدأوا بإطلاق النار في اتجاهها. ووفقاً لمصادر عديدة في المعارضة السورية، «قُتل حوالي 60 جندياً سورياً» في ذلك اليوم، في مجزرة بقيت طي الكتمان من قبل الحكومة السورية وسكان درعا.
ويشرح أحد هؤلاء السكان: «في ذلك الوقت، الحكومة السورية لم تكن تريد أن تظهر أنها ضعيفة، كما أن المعارضة لم تكن ترغب أن تعلن أنها مسلحة». وفي ما عدا ذلك، تبدو التفاصيل غير مهمة.
يقول نزار نيوف، معارض سوري ومدون كتب حول العملية، إن المجزرة «وقعت في آخر أسبوع من شهر آذار من العام 2011». ووضع مصدر آخر كان موجوداً في درعا في تلك الفترة، العملية «قبل الأسبوع الثاني من شهر نيسان» من ذلك العام .
من جهته، يؤكد الناشط السوري المعارض الذي يرأس «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن أن «العملية وقعت في بداية نيسان 2011، وقُتِل فيها حوالي 19 عنصراً أمنياً – او من الاستخبارات».
يُعتبر نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، واحداً من المسؤولين السوريين القليلين الذين هم على علم بالحادثة. وفي الواقع، ولد المقداد، الذي درس في درعا، في بلدة تُدعى غصم، تقع على بعد 35 كيلومتراً من درعا، وكان قام بعدة زيارات رسمية إلى درعا في الأيام الأولى للأزمة السورية. روايته عن المجزرة تبدو مشابهة لما ذُكر أعلاه، ولكنه يعتقد أن «حوالي 24 جندياً سورياً» قُتل حينها.
لماذا ترغب الحكومة السورية في إخفاء هذه المعلومة (الحادثة)، التي من الممكن أن تدعم روايتها عما يحصل في سوريا، وخاصة تأكيدها أن «مجموعات مسلحة» كانت تستهدف السلطة السورية منذ البداية، وأن «الانتفاضة» في سوريا لم تكن أبداً «سلمية»؟
في نظر المقداد، فإن «هذه الحادثة تم إخفاؤها من قبل الحكومة السورية ومن السلطات الأمنية لأسباب أستطيع أن أفسّرها على أنها كانت محاولة لعدم إثارة العداوات. وفي مسعى لتهدئة الأمور، وعدم تشجيع أي محاولة لإثارة المشاعر ما قد يؤدي إلى تصعيد الأمور، وهي سياستنا التي كانت متبعة آنذاك».
÷ نيسان 2011: قتل الجنود
أما بالنسبة إلى المعلومات المؤكدة، فإنه، في 25 نيسان من العام 2011، قُتل 19 جندياً سورياً في درعا بعد إطلاق النار عليهم من قبل مسلحين مجهولين. أما أسماؤهم وأعمارهم وتاريخ ومكان ولادتهم وتاريخ وفاتهم ووضعهم الإجتماعي، فجميعها معلومات موثقة في لائحة تضم أسماء القتلى العسكريين، وتم الحصول عليها من وزارة الدفاع السورية.
وتم دعم هذه اللائحة، بوثيقة أخرى، تم الحصول عليها من قبل مصدر غير حكومي مشارك في جهود السلام. وهذه الوثيقة تعدد الإصابات في صفوف الجيش السوري في العام 2011، وتؤكد أسماء القتلى الـ19 الموجودين في اللائحة الأولى.
هل هؤلاء الجنود هم نفسهم ضحايا «مجزرة درعا» التي تم كتمانها؟
إن تاريخ 25 آذار أبعد من التواريخ التي ذكرتها جميع المصادر عن «المجزرة»، والجنود القتلى الـ19، لا يبدو أنهم «مخبأون».
ولكن ما يثير الصدمة أكثر من إيجاد الجنود القتلى الـ19 في درعا على لائحة وزارة الدفاع السورية، هو اكتشاف أن 88 جندياً سورياً تم قتلهم في شهر آذار من العام 2011 على أيدي مطلقي نار مجهولين في أماكن متفرقة من سوريا، علماً أن الجيش السوري لم يكن على أرض الميدان في ذلك الوقت من الصراع، بل كانت الشرطة السورية والاستخبارات متواجدتين أكثر على الجبهات الأمامية، والغريب أن لا ضحايا لهاتين المجموعتين على اللوائح الرسمية.
وكان سائر يحيى مرهج، وهابيل أنيس ديوب، أول جنديين سوريين قُتلا في الصراع منذ اندلاعه، وتم ذلك في 23 آذار 2011 في درعا تحديداً. وبعد يومين من ذلك التاريخ، قُتل علاء نافذ سلمان، بإطلاق النار عليه في مدينة اللاذقية.
وفي شهر نيسان من ذلك العام، قُتل أيهم محمد غزالي، في منطقة دوما جنوب دمشق بإطلاق نار أيضاً، كما كان عيسى شعبان فياض، أول جندي سوري يُقتل في محافظة حمص، وتحديداً في بلدة تلدو، في العاشر من شهر نيسان من العام ذاته، وهو التاريخ الذي عُلم به عن أول مجزرة بحق جنود سوريين، وكان ذلك في مدينة بانياس في محافظة طرطوس، عندما وقع عشرة جنود سوريين في كمين وأطلقت النار عليهم في حافلة كانوا يستقلونها. حينها، ادّعت شبكة «بي بي سي» الإخبارية وقناة «الجزيرة» وصحيفة الـ«غارديان» أن هؤلاء الجنود هم «منشقون» قُتلوا من قِبل النظام السوري «لرفضهم إطلاق النار» على المدنيين.
هذه الرواية تم فضح زيفها لاحقاً، ولكن رواية أن «الجنود تمت تصفيتهم من قبل رؤسائهم» راجت في العام الأول للثورة، وأعطت وسائل الإعلام حجة لعدم الإكتراث لفكرة أن القوات السورية تُستَهدف من قبل مجموعات مسلحة.
من جهته، يقول رامي عبد الرحمن (المرصد السوري) إن «لعبة الادعاء أن الجيش يقتل المنشقين لا أقبل بها لأنها مجرد بروباغندا أو دعاية كاذبة». ويبدو أن هذه الرواية تم استخدامها في الفترة الأولى من الصراع من قبل ناشطي المعارضة لتشجيع الانقسامات داخل الجيش السوري والانشقاق في صفوفه. ولكن إذا كان ضباط الجيش السوري يقتلون رجالهم، فمن المؤكد أن الجيش السوري لم يكن ليبقى موحداً وسليماً خلال السنوات الثلاث التي مضت.
بعد مذبحة بانياس، تفجّرت أخبار قتل الجنود السوريين في أماكن متفرقة من البلاد: المعضمية، إدلب، حرستا، المسمية (بالقرب من السويداء)، تلكلخ، وضواحي دمشق. ولكن في 23 نيسان من العام 2011، تم قتل سبعة جنود سوريين في بلدة نوى، بالقرب من درعا.
ولكن هذه الحادثة لم تحتل عناوين الصحف كمجزرة بانياس. يُذكر أن حادثة نوى جاءت مباشرة بعد محاولة الحكومة السورية تنفيس الإحتقان من خلال إنهاء المحاكم الأمنية ورفع حالة الطوارئ ومنح عفو عام والاعتراف بحق التظاهر السلمي.
بعد يومين من ذلك التاريخ، وفي أحد عيد الفصح، توجهت مدرعات الجيش السوري أخيراً إلى درعا، في ما بات يُعرف باليوم الذي شهد ثاني مجزرة جماعية بحق جنود سوريين منذ اندلاع الأزمة. وهذه الحادثة لم تأخذ أيضاً حجمها في الإعلام.
عوضاً عن ذلك، كان كل ما تناقلته وسائل الإعلام هو «القتل الجماعي الذي يستهدف المدنيين من قبل النظام»، أو «الديكتاتور يقتل شعبه». ولكن بعد مرور ثلاث سنوات على بدء الأزمة السورية، هل نستطيع القول إن الأمور كانت أخذت منحىً آخر لو كان بالإمكان الحصول على جميع المعلومات؟ أو لو كانت وسائل الإعلام أمّنت «مساحة هواء» متوازنة وعادلة بين النظام السوري والمعارضة، وعرضت شهادات كان بالإمكان الوصول إليها؟
÷ وقائع ضد روايات من نسج الخيال
ويقوم تقرير صادر عن منظمة «هيومن رايتس واتش» على شهادات 50 ناشطاً سورياً و«مُنشقاً» وشاهداً مجهولي الأسماء، لوضع صورة للمشهد الذي كان يجري في درعا في ذلك الوقت.
ويتحدث شهود «هيومن رايتس ووتش» عن «عناصر أمنية تستعمل أسلحة قاتلة ضد محتجين خلال تظاهرات ومراسم تشييع». في بعض الحالات، تقول المنظمة إن «العناصر الأمنية كانت تستخدم القنابل المسيلة للدموع أو تطلق النار في الهواء، ولكن عندما كان المدنيون يرفضون أن يتفرقوا، كانت قوات الأمن تطلق النار من أسلحتها باتجاه الحشود»، مضيفة أنه «منذ نهاية شهر آذار 2011 أفاد الشهود باستمرار عن وجود قناصين على أسطح المباني الحكومية بالقرب من التظاهرات، وكانوا يستهدفون المحتجين وقتلوا العديد منهم».
ويضيف التقرير: «السلطات السورية ادّعت أن العنف في درعا كان يُنفّذ من قبل عناصر إرهابية مسلحة، تم تحريضها وتمويلها من الخارج»، وهو قول أصبح اليوم منصفاً بحق قسم كبير من المسلحين الإسلاميين الموجودين في سوريا، ولكن هل كان ذلك صحيحاً في درعا في العام 2011 أيضاً؟
ربما هناك بعض الأمور التي أصبحت حقيقة. مثلاً، توجد إثباتات بالصوت والصورة لمسلحين يعبرون الحدود اللبنانية السورية إلى سوريا في شهري نيسان وأيار من العام 2011، وفقاً لشريط مصور وشهادة لمراسل قناة «الجزيرة» السابق علي هاشم، وهو شريط منعت القناة القطرية بثه.
وهناك أمور أخرى تُكتَشف اليوم تباعاً. مثلاً، يدعي تقرير «هيومن رايتس واتش» أيضاً أن القوات السورية في درعا «شوّهت الجوامع برسومات على جدرانها»، مثل «ربك هو بشار، ولا إله الا بشار»، والمقصود هو الرئيس السوري بشار الأسد.
في الآونة الأخيرة قال جهادي تونسي يعرف بـ«أبو قصي»، للتلفزيون التونسي، إن «مهمته» في سوريا كانت تدمير وتدنيس المساجد التي تحمل أسماء سنيّة (مسجد أبو بكر ومسجد عثمان وغيرها) في اعتداءات طائفية ذات شعارات خاطئة لتشجيع الانشقاق في صفوف الجيش السوري، ذات الغالبية السنّية.
ومن الأمور التي قام بها «أبو قصي»، كتابة شعارات مؤيدة للحكومة وأخرى تتضمن تجديفاً على الله على جدران المساجد مثل «الله، سوريا، بشار وبس»، معتبراً ذلك بمثابة «تكتيك.. ليأتوا الى جانبنا»، بحيث «يصبح الجيش ضعيفاً».
لو أن الحكومة السورية أطيح بها بسرعة ـ كما حدث في تونس ومصر ـ ربما لما علمنا شيئاً عن هذه الممارسات الخادعة. ولكن، خلال ثلاث سنوات وسط الصراع، حان الوقت لتأسيس وقائع في مواجهة الفبركة.
ويقول عضو من عائلة «حريري»، الكبيرة في درعا، والذي كان هناك في آذار ونيسان عام 2011، إن الناس مشوشون، حيث أن العديد من «الولاءات تغيرت مرتين أو ثلاث مرات من آذار 2011 حتى الآن. في الأصل كانوا جميعاً مع الحكومة، ثم تغيروا فجأة ضدها، لكن اعتقد اليوم أنه ربما 50 في المئة أو أكثر عادوا إلى النظام السوري».
وكانت محافظة درعا الى حد كبير مؤيدة للحكومة قبل أن يشتعل الموقف. واستناداً إلى صحيفة «ذي ناشيونال» الإماراتية، فإن «درعا كانت لوقت طويل مؤيدة للأسد بقوة، مع وجود العديد من شخصيات المنطقة معينة في النظام».
ولكن، وكما يشرح المصدر من العائلة، «كان هناك رأيان في درعا، أحدهما أن النظام يطلق النار على عدد من الناس لثنيهم وتحذيرهم لإنهاء احتجاجاتهم ووقف تجمعاتهم، أما الرأي الآخر فهو أن الميليشيات المختبئة تريد لذلك أن يستمر، لأنه إذا لم تكن هناك جنازات، لن يكون هناك سبب للحشد».
ويضيف الشخص من عائلة حريري، الذي بقي والداه في درعا، أنه «في البداية 99 في المئة منهم كانوا يقولون أن كل اطلاق النار كان يتم من قبل الحكومة. لكن رويداً رويداً بدأت هذه الفكرة تتغير في أذهانهم – هناك بعض الاطراف المخفية، لكنهم لا يعرفونها».
وأقرت»هيومن رايتس ووتش» بأن «المحتجين قتلوا أعضاء في القوى الأمنية» لكنها استدركت بقولها إنهم «استخدموا فقط العنف ضد القوى الأمنية ودمّروا الممتلكات الحكومية كرد فعل على ما قامت به القوى الأمنية من عمليات قتل أو.. لتأمين الإفراج عن المتظاهرين الجرحى الذي اعتقلتهم القوى الأمنية ولاعتقادهم بأن هؤلاء سيتعرضون لخطر الإيذاء».
تجب معرفة أن ذلك ليس صحيحاً. فإطلاق النار على تسعة من الجنود كانوا في حافلة في بانياس في 10 نيسان، كان كميناً غير مبرّر. حتى، على سبيل المثال، مقتل الجنرال أبو خضر التلّاوي، الى جانب ولديه وحفيده في حمص في 17 نيسان.
في ذلك اليوم نفسه في حارة الزهراء المؤيدة للحكومة في حمص، تم قتل الضابط في الجيش السوري ـ خارج الخدمة إياد كامل حرفوش، حين خرج من منزله للتحقيق في إطلاق نار. بعد يومين، قُتل العقيد ـ خارج الخدمة، المولود في حماه محمد عبدو خضور، في سيارته. وكل ذلك حصل فقط في الشهر الأول من الاضطرابات.
في العام 2012، قال باحث الشؤون السورية لدى «هيومن رايتس ووتش» أولي سولفاغ، إنه وثّق العنف «ضد الجنود والمدنيين الذين اعتُقلوا» وأنه «كان هناك في بعض الأحيان أسلحة بين الحشود وبعض المتظاهرين فتحوا النار على القوى الحكومية».
ولكن هل حصل ذلك بسبب أن المتظاهرين كانوا متضررين حقاً من العنف الذي تقوم به القوى الأمنية؟ أو كانوا «عصابات مسلحة» كما ادّعت الحكومة السورية؟ أو، كان هناك اطلاق نيران تحريضي لجانب أو لكلا الجانبين؟
÷ محرّضون في «الثورات»
الأب فان در لوغت، المقيم في سوريا، كان راهباً هولندياً قُتل على أيدي مسلحين في حمص منذ أسابيع قليلة فقط. مشاركته في نشاطات للتسوية والسلام لم تمنعه من تلقي الانتقادات من كلا الجانبين في هذا الصراع. لكن في السنة الأولى من الأزمة، صاغ بعض المشاهدات الجديرة بالاهتمام حول العنف – هذا مما قاله في كانون الثاني 2012: «منذ البداية لم تكن حركات الاحتجاج سلمية تماماً. منذ البداية شاهدت متظاهرين مسلحين يسيرون بين المحتجين، وهم الذين بدأوا باطلاق النار على الشرطة أولاً. في كثير من الأحيان كان عنف القوى الأمنية ردة فعل على العنف الوحشي للثوار المسلحين».
في أيلول 2011 كتب: «من البداية كانت هناك مشكلة المجموعات المُسلّحة، والتي هي جزء من المعارضة… المعارضة في الشارع أقوى من أي معارضة أخرى. وهذه المعارضة مسلحة وكثيراً ما توظف الوحشية والعنف، فقط من أجل القاء اللوم على الحكومة».
بالتأكيد، بحلول 5 حزيران، لم يكن هناك أي قدرة للمجموعات المعارضة الى حد بعيد للادعاء بصورة مغايرة لذلك. في هجوم مُنسق في جسر الشغور في إدلب، قتلت مجموعة مسلحة 149عضواً من القوى الأمنية، حسبما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لكن في شهري آذار ونيسان 2011، حين كان العنف والضحايا جديدين على البلد، يبقى السؤال: لماذا كان على الحكومة السورية – وبخلاف كل منطق – قتل السكان المدنيين العزل في مناطق «ساخنة»، فيما كانت في الوقت نفسه تتخذ خطوات إصلاحية لتهدئة التوترات؟
من سيربح من قتل «نساء وأطفال» في هذه الظروف؟ ليست الحكومة بالتأكيد؟
لقد قام نقاش حول دور المحرضين في تأجيج الصراع بوضع بعض العناوين الرئيسية منذ المحادثة الهاتفية المُسرّبة بين وزير خارجية أستونيا أرماس بايت ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، والتي كشفت بعض الشبهات بأن قنّاصين مؤيدين للغرب قتلوا عناصر من قوى أمنية أوكرانية ومدنيين خلال احتجاجات «ميدان اليورو».
ويقول بايت: «كل الدلائل تُظهر بأن الناس الذين قُتلوا بواسطة القناصين هم من كلا الجانبين، أي رجال الشرطة والمدنيون، أي كان القناصون أنفسهم من قتل الناس من الجانبين معاً… وحقاً هذا يزعج التحالف الجديد (المؤيد للغرب)، وهم لا يريدون التحقق حول ما حصل بالتحديد».
ويؤكد تحقيق للتلفزيون الألماني عرض مؤخراً حول نيران القناصين هذه الادعاءات، فاتحاً الباب أمام مناقشة لروايات حول الأحداث في أوكرانيا، وهي فرصة لم تتح في معظم مراحل الصراع السوري، أقله في وسائل الإعلام أو المنتديات الدولية.
ولكن، بدلاً من وصف هذه الأمور باسم «نظريات المؤامرة»، يبدو أن دور المحرضين ضد الحكومات المستهدفة يظهر كجزء أساسي من الخطاب العام. فسواء أكانت الخطة الأميركية المُسرّبة لإنشاء «تويتر» كوبي، لإثارة الاضطرابات في الدولة الجزيرة، أو ظهور منشورات توجيهية في احتجاجات من مصر الى سوريا الى ليبيا الى أوكرانيا، جميعها أحداث تلتقي مع الكثير من حركات المعارضة الضخمة «المستنسخة» التي تتحول الى أعمال عنف، ما يجعل الناس يطرحون الأسئلة ويغوصون عميقاً في البحث اليوم.
منذ بداية العام 2011، سمع الكثير من الادعاءات حول قناصين «غير معروفين» يستهدفون الحشود والقوى الأمنية في تونس، مصر، ليبيا، سوريا، وأوكرانيا. ماذا يمكن أن يكون مؤثراً أكثر من ذلك من أجل تحويل الناس نحو معارضة السلطة، أكثر من القتل غير المبرر للعُزّل الأبرياء؟.
على نفس المنوال، ماذا يمكن أن يضمن بشكل أفضل ردة الفعل من القوى الأمنية في أي بلد، أكثر من قتل واحد أو أكثر من عناصرها.
في بداية العام 2012، أعلنت منظمة الأمم المتحدة أن «عدد الضحايا في سوريا فاق الخمسة آلاف شخص»، من دون أن تحدد ما إذا كان هؤلاء الضحايا هم مدنيون أو مقاتلون متمردون أو من عناصر القوات الأمنية السورية.
ووفقاً للوائح حكومية قُدّمت في السنة الأولى للأزمة إلى لجنة الإستقصاء الدولية المستقلة الخاصة بسوريا والتابعة للأمم المتحدة، التي نشرتها، وصل عدد القتلى في صفوف قوات الشرطة السورية إلى 478، كما وصل عدد الضحايا في صفوف الجيش والقوات الأمنية إلى 2091.
وتظهر هذه الأرقام تفاوتاً واضحاً في عدد الوفيات بين جهتي الصراع منذ البداية. كما توحي هذه الأرقام أن قسماً من «المعارضة» السورية على الأقل كان مسلحاً منذ الأيام الأولى للأزمة، وكان يستهدف القوات السورية كجزء من إستراتيجية، لإثارة رد فعل من قبلها لتأمين استمرار التصعيد.
اليوم، وبالرغم من أن مصادر عسكرية سورية تنفي بقوة هذه الأرقام، يدعي المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هناك أكثر من «60 ألف ضحية في صفوف قوات الأمن السورية والميليشيات الداعمة لها». هؤلاء هم رجال قدموا من مختلف المناطق السورية، من جميع الطوائف والمجتمعات. كما أن موتهم لم يترك أسرة سورية بمنأى، ويشرح الكثير عن تصرف وردة فعل الحكومة السورية خلال هذه الأزمة.
شيرمين نرواني
عن موقع قناة «روسيا اليوم» باللغة الانكليزية
التعليقات مغلقة.