مخازن السلاح الأميركية السرية في إسرائيل
في منتصف شهر أغسطس الجاري، وفي أجواء الهجوم الوحشي الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، بدا وكأن هناك أزمة بعضها خفي وبعضها الآخر معلن، بين تل أبيب وواشنطن، وعقدة الأزمة هي حاجة إسرائيل إلى أسلحة وذخائر جديدة، تعيد من خلالها استبدال الفارغ أو الهالك في الحرب.
والمعروف أن المورد الرئيسي للأسلحة إلى تل أبيب، هو وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، غير أن طريقة توريد السلاح تختلف من فترة إلى أخرى، ففي الأوقات العادية يتم شحن تلك الأسلحة بالطرق الاعتيادية، لكن في أوقات الطوارئ يمكن لإسرائيل فتح مخازن أميركا السرية في إسرائيل، والتي تعرف بمخازن “يوم القيامة”، لكن الشرط الرئيسي هنا هو الموافقة الأميركية.
ولعل علامة الاستفهام في هذا المقام: هل تلقت إسرائيل في يوليو الماضي أسلحة من البنتاغون دون موافقة البيت الأبيض؟ أم أن الأمر أكثر هولاً، لا سيما في ظل الخلافات الواسعة بين حكومة نتانياهو وإدارة باراك أوباما؟ بمعنى؛ هل فتحت إسرائيل المخازن السرية دون علم الإدارة الأميركية الحالية؟ وإن كان ذلك كذلك فما تبعات هذا الأمر؟
بحسب ما نشر، فإن المخازن السرية للسلاح الأميركي في إسرائيل، قد شيدت في أربع نقاط شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، داخل مناطق عسكرية محظور دخولها على الجيش الإسرائيلي إلا في ساعات الطوارئ الحربية القصوى، ولها ملحق ينظم فتحها ووضعها تحت تصرف الحكومة الإسرائيلية، في أوقات محددة ينظمها قانون خاص مؤرخ بتاريخ 26 مارس 1979، موقع عليه بالإجماع من قبل مجلس الشيوخ الأميركي.
تلك المخازن الستة العملاقة التي تكدس فيها الولايات المتحدة الأميركية السلاح الحديث بأنواعه وأشكاله، والتي تطلق عليها واشنطن اسم مخازن الاحتياطي الاستراتيجي، تقع في ست نقاط داخل حدود دولة إسرائيل، منها ثلاثة مخازن عملاقة شيدت بالكامل تحت الأرض في أنفاق طبيعية عملاقة، مع أخرى صناعية شرق وجنوب جغرافية إسرائيل.
تحصينات نووية
ما الذي يوجد في المخازن الستة العملاقة؟ هذه المخازن عملاقة بكل ما تعنيه الكلمة، وتحتوي على كافة أنواع الصواريخ الذكية بأحجامها المختلفة حتى «التوماهوك»، والعابرة للقارات منها، مع قطع غيار الطائرات الأميركية الأحدث في العالم، متراصة في هناجر عملاقة.
وهناك كذلك الأسلحة الثقيلة بأنواعها، وعشرات الآلاف من الدبابات الأميركية الحديثة، والطائرات العمودية الهجومية والمقاتلة الحديثة، بكل الأحجام حتى القاذفات الاستراتيجية منها، ومخازن الذخيرة الحية الذكية والعادية، بمختلف أنواعها وأعيرتها.
كما يوجد مخزن واحد عملاق يحتوي على 10 مستشفيات كبيرة، وتجهيزاتها الأحدث في العالم طبياً وعسكرياً، بسعة 50 ألف سرير ميداني متقدم، تخدم معركة شاملة تدوم لمدة عام كامل دون الحاجة لأي تجهيزات إضافية.
وطبقاً لبنود الاتفاقية الأميركية – الإسرائيلية السرية، فإن هناك لتلك القواعد أسماء «كودية» خاصة تعرفها بها واشنطن وتل أبيب، وهي على التوالي: موقع 51 – موقع 52 – موقع 53 – موقع 54، وهو المخزن الطبي العسكري الأميركي العملاق في الشرق الأوسط.
وهناك سؤال خطير بدوره: هل تلك المخازن تحتوي على سلاح نووي؟ الجواب يعود بنا إلى الموقعين الهامين والخطيرين في هذه المخازن، وهما موقع 56 وموقع 57، وطبقاً للاتفاقية فإن هناك 12 قنبلة تحمل رؤوساً أميركية نووية من أحجام مختلفة، وموقع ذلك المخزن العملاق يقع في حدود الأراضي العسكرية المحظورة، التابعة لمفاعل ديمونة النووي داخل صحراء النقب.
وطبقاً للتفاصيل المتوافرة حالياً، فإن أحد تلك المواقع يقع على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، وشيده سلاح المهندسين الأميركيين تحت الأرض، ونفذت عمليات البناء شركات ألمانية متخصصة في تشييد التحصينات المضادة للصواريخ النووية.
أمن إسرائيل أولاً
لماذا هذه المخازن وكيف تدار واقعياً؟ في ديباجة الاتفاقية نكتشف السر وراء إقامة تلك المخازن العملاقة للسلاح الأميركي في إسرائيل، فقد كانت حرب أكتوبر عام 1973 هي السبب الرئيسي، كما هو وارد في بعض التحليلات.
وذلك عندما وجدت الولايات المتحدة الأميركية مشاكل من قبل الدول الأوروبية، التي فرضت محاذير على نقل جسر الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل عبر حدودها ومياهها الإقليمية حتى لا يتقدم الجيش المصري، ويحدث اختلال أو عدم توازن في ميزان القوى في الشرق الأوسط، وهو ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بمصر.
هذه التجربة قادت إلى التفكير في أن أفضل وسيلة يمكن بها تأمين إسرائيل، أثناء مفاوضات معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وبعدها وعلى طول الوقت، هو أن تكون مخازن السلاح الأميركية الاستراتيجية في أرض إسرائيل نفسها، لكنها لا تفتح إلا في أزمنة الحروب وفي حالات التهديد الحقيقي، الذي يمكن أن تتعرض له دولة إسرائيل.
وطبقاً للاتفاقية الأميركية – الإسرائيلية، فإن تلك المخازن تديرها بشكل كامل وزارة الدفاع الأميركية، بواسطة فرقة أميركية مصغرة من الخبراء والمهندسين والفنيين العسكريين.
وتعداد هذه المجموعة طبقاً للاتفاقية، يصل إلى نحو 150 ضابطاً، يقيمون إقامة دائمة في إسرائيل مع أسرهم، وبالتبادل فيما بينهم وبين الأطقم الأميركية التي تستبدل على فترات منتظمة، وتساعد إسرائيل طبقاً للاتفاقية في الحراسة الداخلية طبقاً للمتطلبات الأميركية الأمنية الصارمة، مع تأمين الجيش الإسرائيلي للقواعد الست سيادياً.
وطبقاً للاتفاقية ذاتها، فإن وزارة الدفاع الأميركية تقوم بشكل سنوي دوري بتجديد الأسلحة المكدسة في تلك المخازن بالكامل، وما يستبدل منها، وغالباً ما يكون في حالة المصنع، يورد كمعونات عسكرية للدول التي تحصل على المعونات العسكرية الأميركية، وفي المقدمة منها إسرائيل نفسها، ومصر، وطبقاً للاتفاقية يكون التجديد والاستبدال بواقع ما يعادل 3 مليارات دولار سنوياً.
وتقوم وحدة إسرائيلية خاصة بمهام عمليات الحراسة الدورية للمخازن الأميركية، بواسطة استخدام أحدث أجهزة المراقبة، وتدرب وزارة الدفاع الأميركية عناصر وقوات تلك الوحدة في القواعد العسكرية الأميركية في ألمانيا.
السؤال الأكثر إلحاحاً؛ كيف يمكن لإسرائيل فتح تلك المخازن؟ الجواب مثير ويدعو للغيظ أو الخنق أو كليهما معاً، ففتح تلك المخازن أمام الحكومة الإسرائيلية وتسليمها للجيش الإسرائيلي، لا يحتاج سوى لمجرد فاكس واحد يصدر من الكونغرس الأميركي مباشرة لمكتب السفير الأميركي في إسرائيل، وعلى السفير الأميركي في تل أبيب أن يقوم بفك شيفرة الفاكس بنظام خاص.
وعند التأكد من صحة مصدره يقوم بدوره بتسليمه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، طبقاً للاتفاقية السرية في حالة الحرب، بعدها تتسلم إسرائيل مخازن السلاح الأميركية العملاقة الأكثر حداثة في العالم، بدعوى الدفاع عن نفسها!
هل خضعت هذه الاتفاقية لتطبيق عملي من قبل؟ بمعنى؛ هل فتحت تلك المخازن مسبقاً؟ نعم جرى ذلك بالفعل في 6 يونيو 1982 في حرب لبنان، ويومها سمح الكونغرس الأميركي لإسرائيل بوضع يدها على المخزنين العملاقين رقمي 55 ، 56 الواقعين بالقرب من الحدود اللبنانية.. ما الذي جرى مؤخراً إذن؟
معاهدة تسليح سرية
يبدو أن بئر الأسرار بين واشنطن وتل أبيب لا تزال عميقة ومليئة بالأسرار، فقد تكشف مؤخراً أنه على هامش عقد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 المعروفة باسم «كامب ديفيد»، وقعت إسرائيل اتفاقية خاصة وسرية مع الولايات المتحدة، تمتلك بمقتضاها واشنطن رسمياً ستة مخازن سرية عملاقة للسلاح في إسرائيل، شيدت بحيث تتواجد في الاتجاهات الأربعة للبوصلة العسكرية.
ومن الذين لفتوا النظر إلى هذه القضية مؤخراً، الكاتب المصري توحيد مجدي عبر كتابه «أسرار الحروب»، إضافة إلى ما نشرته عدة مواقع غربية ذات مسحة استخباراتية، مثل «ستراتفور» الظهير الفكري للاستخبارات المركزية الأميركية، عطفاً على «انتلجنس أون لاين» الفرنسي وغيرها.
عدو ما من صداقته بدّ
تتزايد الفجوة، على ما يبدو، بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، لكن هذا الخلاف، أو الاختلاف، الشخصي لا يبدو أنه يؤثر في العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي يبدو أنها، حتى الآن، عابرة للمواقف الشخصية، وحتى للمصالح الأميركية الخاصة، لحساب إسرائيل واللوبيات المساندة لها في أميركا.
ويبدو حال أوباما هنا أشبه بحال من يضطر لمصادقة عدو «ما من صداقته بد».
وقد أظهر العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تبايناً ملحوظاً بين موقف الإدارة الأميركية والموقف الإسرائيلي، سواء فيما يتعلق بحجم الخسائر البشرية بين المدنيين في غزة، وربما حتى في توقيت العدوان واستمراره فترة أطول من المعتاد في حلقات العدوان الإسرائيلية السابقة.
والحديث الدائر الآن «على استحياء» في واشنطن، حول ما إذا كانت حكومة نتانياهو قد استخدمت مخازن الأسلحة الاستراتيجية الأميركية في إسرائيل خلال هذا العدوان، دون علم الرئيس أو أمر الكونغرس كما تقتضي اتفاقية إنشاء هذه المخازن، يدل على أن الخلاف بين إدارة أوباما وحكومة نتانياهو ربما يتطور أكثر ليشمل أوساطاً رسمية وإعلامية أخرى في الولايات المتحدة.
بما في ذلك الكونغرس الأميركي، الذي يبدو انه قد تم تجاوزه بشكل غير قانوني، إذا تأكد استخدام إسرائيل لتلك المخازن دون علمه أو علم الإدارة، حتى لو كان ذلك بموافقة صريحة أو ضمنية من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)..
وهذا ما تتناوله هذه الصفحة، من خلال ما يتوفر حتى الآن من معلومات وتصريحات رسمية أو شبه رسمية.
التعليقات مغلقة.