قامشلو – أجرى الدكتور غيفارا الفرحة ” أخصائيّ جراحة عصبية ” قبل أيام في مستشفى الرازيّ بقامشلو عملاً جراحيّاً نوعيّاً استمر لأكثر من أربع ساعات وتكلل بالنجاح، حيث استطاع إعادة الحياة إلى طرفين سفليين مشلولين نتيجة سقوط جسم ثقيل عليهما.
خطأ يودي بطرفين سفليين إلى الشلل
وفي التفاصيل، كان المواطن رفعت السعيد (32) سنة, وهو من نازحي مدينة حلب, يعمل على سيارة شحن لنقل حديد البناء بين تربه سبيه ومنبج، كان واقفاً أسفل رزمة من الحديد يريد التحكم في اتجاهها أثناء تحميلها في الشاحنة عن طريق آلية “البوبكات” الصغيرة، وفجأة سقطت الرزمة التي تزن أكثر من طنين حيث ضربت ظهره واستقرت على قدميه, مما أدى إلى إصابته بشلل طرفين سفليين مباشر.
اتصل ذوو المريض مباشرة بالدكتور محمد علي “إخصّائي جراحة عظميّة” ونقلوه لمشفى فرمان ظناً منهم أ ن قدماه مكسورتان, إذا لم يكن بوسعه تحريكهما, وعند تشخيص حالته تبيّن أن الطرفان لا يتحركان البتة, وأخبر الدكتور ذوي المريض أن الحالة من اختصاص الجراحة العصبيّة ومن ثمّ طلب منهم التصوير بالرنين, واتصل مع الدكتور غيفارا الفرحة لاستكمال العلاج.
الحالة تتأزّم والوقت يمرّ..!؟
تبيّن بعد التصوير أن الفقرة الثانية مكسورة ومسحوقة تماما, بينما الأولى مخلوعة مع دوران. المنطقة هي منطقة حركيّة، حيث ينتهي النخاع الشوكي في تلك المنطقة, وتبدأ الأعصاب المرتبطة بالمثانة والطرفين.
في هذه الحالة سرعة اتخاذ القرار والعلاج حسبما صرّح به الدكتور غيفارا الفرحة ضرورية, لأن الفرصة الذهبية للنجاح هي خلال الثماني ساعات الأولى . كان ذوو المريض حاضرين عدا والده, الذي كان في منبج حينها، وارتأى نقل المريض إلى حلب أو دمشق.
يضيف الفرحة:” شرحت لهم الوضع مفصّلاً وأن فرص النجاح ستتضاءل حين نقله، وقد تتلاشى تماماً، ويستحسن عدم المخاطرة وتضييع الفرصة، تشاورت مع الدكتور محمد علي, وأطلعته على الوضع وأن العملية إسعافية، وبالنسبة لعودة حركة الطرفين, لم يكن بوسعنا حينها البتّ في الأمر, لأنه من المحتمل أن تكون الاعصاب مقطوعة, أو تمّ هرسها, وكانت الحالة مفتوحة على كل الاحتمالات لأنها حالة كسر مع خلع ودوران، ولكن بكل الأحوال كان يجب ألا نضيّع الفرصة ونجري العمليّة حتى يستطيع المريض– على أقل احتمال – أن يجلس في كرسي متحرّك أو على الأرض”.
ويتابع الفرحة:” كان المريض واعياً لما حوله, ولم يغب عن الوعي، لكنه كان يتألم جدّاً، ناداني، وطلب مني شرح وضعه, فأخبرته بالمطلوب دون أن أؤكد له نسبة نجاح العملية, فحسم الأمر بإجراء العمل الجراحي, لوضع حدّ لهذا الألم”.
ساعة الحسم
على الفور تمّت تحضيرات العمل الجراحي, من تجهيز غرفة العمليات والدم والاستشارة القلبية والتحاليل، ثم أدخل المريض إلى غرفة العمليات وكان الساعة التاسعة مساءً أي بعد مرور ست ساعات على الحادث, وتألف الفريق الطبي من الدكتور غيفارا الفرحة، د. محمد علي. د عبدالباسط ملا علي مخدراً, والمساعد الجراح شبال حسن, وفنيّ التخدير دوران عرفات.
يقول الفرحة:” عانينا كثيرا أثناء العمل الجراحي، لصعوبة وحساسية وضعه ولا سيّما أثناء قلبه من على الظهر إلى البطن حتى بعد التخدير, لأنه يجب القيام بذلك بتأنٍّ، من جهة أخرى , وأثناء الجراحة يجب التحكم في الجرح أيضاً لأنه حينما أحدثنا شقاً جراحيا سال حوالي مائة وخمسين غراما من الدم من مكان الرض”.
منوّهاً:” حينما وصلنا إلى الفقرة الأولى المخلوعه و المكسورة الثانية كانت الزاوية بحدود ستين درجة، وأول عمل مطلوب هو تقليص الزاوية إلى حدودها الدنيا. ثبّتنا برغيين في الفقرة الثانية عشرة واثنين في الفقرة الثالثة؛ أي أعلى الفقرة المنزلقة وأسفل فقرةالمكسوره ثم بدأنا بالتبعيد رويداً رويداً، من ثم فتحنا ذلك العظم من الفقرة الاولى حتى الثالثة, حيث بدأت الزاوية بالتراجع حتى وصلت إلى زاوية حوالي عشرين درجة. وتطلّب بعد ذلك إعادة الفقرة التي خلعت مع دوران، وبدأنا تثبيت البراغي على الفقرة المنزلقة من الطرفين, وقمنا بمناورات التبعيد و التقريب وشيئاً فشيئاً استطعنا إعادة الفقرة إلى مكان حيث سُمع طقطقة إعادتها”.
ويؤكد الفرحة أنه كان هناك إزرقاق كبير على “الجافية”, وبعد إعادة الفقرة تبدّدت تلك الزرقة بسبب عودة النبض وتدفّق الدم إلى الفقرات:” ثمّ أنهينا تدفق السائل الدماغي الشوكي الذي كان يتسرب من اماكن متفرقه وثبّتنا البراغي والجسور نهائياً، وكانت الساعة تشير إلى حوالي الواحدة بعد منتصف الليل، حيث استمر العمل الجراحيّ لأكثر من أربع ساعات”.
نتائج سريعة
وعن وضع المريض بعد العمل الجراحي يقول الفرحة:” كان المريض لا يزال مخدّراً، لكني كنت متفائلاً، لأن الوقت الذهبي لعب دوره. في اليوم الثاني زرت المريض الثامنة صباحاً، طلبت منه تحريك أصابع قدمه, فحرّك أصابع اليمين, وطلبت منه تحريك اليساريّ فقال أشعر بها لكنها ثقيلة نوعا ما, حينها أحسست بطعم النجاح. عدت في الحادية عشرة ظهرا, كان المريض يحرك أصابعه اليسرى أيضاً, وحين زرته في الرابعة عصرا, كان يقوم بسحب رجليه وتحريكهما أيضاً, وبدأ يتحسّن شيئاً فشيئاً وأؤكد أنه سيتمكّن من المشي خلال شهر من الآن”.
تحسّن ملحوظ
يقول المريض رفعت السعيد، الحمد لله على هذا العمل الجراحي وهذه النتائج المذهلة, كانت حالتي عصيبة جداً ولكننا لم نقطع الأمل من الله, وبفضله وفضل الدكتور غيفارا الفرحة عادت الحياة إلى أطرافي ثانية, كانت النتائج جيدة جداً وفوق مستوى التصور.
ويضيف السعيد:” أشعر بتحسّن ملحوظ في وضعي ليس بالأيام وإنما بالساعات, وكلي أمل أنني سأتمكّن من المشي ثانية ودون عكازات مستقبلا، ولا يسعني إلا أن أحمد الله الذي سخّر لي جرأة وفطنة الدكتور (الفرحة) الذي كان سببا في إعادة الحياة إلى طرفيّ السفليين.”
التعليقات مغلقة.