وفاة الشيخ عبيد الله النهري في مكّة المكرّمة

314

الشيخ عبيد الله النهري في الوثائق البريطانية

ولد الشيخ عبيد الله بن الشيخ طه النهري في قرية (نهرى ) عام 1247 هجري قمري واصبح مثل والده من خلفاء النقشبندية وبعد فترة عظم نفوذه واتسعت شهرته حتى انه فكر في الامارة والسلطنة متجاوزا المشيخة.

يقول( روزبياني) عن الشيخ ( كان الشيخ عبيد الله قد ورث المجد كابرا عن كابر ، وأذعن الناس لهذه الأسرة معتقدا فيهم الولاية والتقوى فخضعت لهم منطقة شمزينان من ولاية هكاري وتوسع نفوذهم الديني فانقاد لهم الناس في اذربيجان الصغرى الغربية ايضا ، فاستغلت حكومة السلطان عبد الحميد تقواه وتمسكه بالدين فحاولت ان تحثه على شن حرب شعواء على الارمن والمسيحيين القاطنين في هكاري واورمية الا ان الشيخ لم يعر الحكومة العثمانية إذنا صاغية ).

يصفه الدكتور كوجران بالقول (( الشيخ يبلغ خمسين عاما من العمر ، جذاب الى حد كبير في مخبره ، وهو يرتدي حلة فضفاضة من جبة واسعة الاطراف والاكمام ، ويعمم بعمامة بيضاء )) 

ويقول ( لايارد )(8) ان عائلة الشيخ طه كانت تسكن جزيرة بوتان في ظل حكم الامير بدرخان باشا الكبير وبعد احتلال الامارة من قبل العثمانيين ونفي الامير الكبير عام 1847 انتقل الشيخ طه مع عائلته الى ( نه هرى ) في شمزينان في حدود امارة هكاري وفي ظل اميرها ( موسى بك ) الذي يقول عنه لايارد انه زاره عام 1849 وكان الامير الوحيد بين الامراء الكرد الذين احتفظوا بالحكم حتى ذلك الوقت .

ان الشيخ عرف ب ( الشيخ عبيد الله النهري ) عند العرب وهو مشهور بين الكرد باسم ( شيخ عبيد الله نيرى )وكذلك ( شيخ عبيدالله شمزيني ) .المصادر التي بحثنا فيها تقول عندما توفى والده الشيخ طه انتقلت رئاسة المشيخة الى اخيه الشيخ محمد صالح وان هذا الاخير وبعد 12 عاما من الارشاد انتقل الى رحمة الله عام 1865 فتولى الشيخ عبيد الله رئاسة المشيخة وهو في الثلاثينيات من عمره وعندما توفى الشيخ عثمان سراج الدين عام 1866 أصبح الشيخ عبيد الله الزعيم والمرشد الوحيد للطريقة النقشبندية في كردستان وتركيا وايران و قد اصبح يملك نفوذا كبيرا على أتباع المشيخة ويحوز على احترام الكرد في كثير من المناطق إضافة الى مريدين ومحبين من العرب والترك بل ان السلطات التركية نفسها كانت تنظر اليه بعين الوقار .

يقول احد القادة الايرانيين الذين شاركوا الحرب ضد الشيخ عبيد الله (( لهذا الشيخ مريدون ينفذون أوامره دون نقاش ، وهم ينتشرون من بايزيد الى الموصل والسليمانية وكركوك ودياربكر ..)).

قبل اندلاع الحرب الروسية العثمانية تورد بعض المصادر ان نزاعا حصل بين الشيخ عبيد الله وبين السلطات الايرانية عندما رفض أتباع الشيخ في الشطر الشرقي من كردستان دفع الضرائب الى الحكومة القاجارية باعتبار ان الاراضي التي يستغلونها تعود الى الشيخ وليس الى الحكومة القاجارية.

( برزت زعامة الشيخ عبيد الله مطلع السبعينات من القرن التاسع عشر ، عندما رفض اكراد فارس دفع الضرائب الى الحكومة الفارسية متذرعين بأنهم يدفعونها الى الشيخ عبيد الله بموجب امتياز كان والده قد حصل عليه من شاه فارس عام 1836 . وقد جردت فارس حملة عسكرية ضده جعلته يستنجد بالدولة العثمانية ).

يجب ان نذكر ان الشيخ طه كان يملك عددا من القرى في سهل( مه رگه ڤه ر وته رگه ڤه ر ) لكن الشيخ عبيد الله زاد من عدد القرى فكان يحوز على ما يربو عن 200 قرية .، ولذلك كان الشيخ يريد ان تستقر الأوضاع في ظل حكومة عادلة حتى تتطور المنطقة وتزدهر التجارة بالقضاء على المهربين وقطاع الطرق وهو أمر لم يكن باستطاعة الدولتين العثمانية والايرانية إتمامه . وتبين الوثائق البريطانية ان الشيخ عبيد الله أقدم على شراء الاراضي الزراعية في (( گه ڤه ر وباشقلا ومرگه ڤه ر وتر گه ڤه ر )) بغية تحسين معيشة المواطنين وتشغيل اكبر عدد منهم في الزراعة وقد اقترح على الدولة الايرانية تأجير سهول ( مركه فه ر وبرادوست ) ومقابل مبلغ سنوي ولنفس الغرض وبغية القضاء على السرقات واعمال اللصوصية . وقد أوفد نجله عبد القادر الى ايران ، لكن السلطات الايرانية التي كانت تحصل على المنافع وتشارك اللصوص امتنعت عن تأجير الاراضي اليه فكان ان هدد باجتياح المنطقة للقضاء على اللصوص . كان الشيخ وهو يرأس الطريقة الصوفية يؤمن بالعدالة والمساواة ويؤمن بوجوب محاربة الظلم والحكام الفاسدين، إذ ان الطريقة ترتكز على مبدأ رفض الظلم والمساواة بين الناس، كل الناس ، مهما كانت اديانهم او اعراقهم او مذاهبهم لأنهم خلق الله وبشر متساوون في الحقوق والواجبات ،وان كل الشرائع هي للتعرف على الله .تشير المصادر ان اغلب محصول التبغ في هكاري كان يعود للشيخ عبيد الله وكان يصدر الكثير منها الى اوروبا ، انه كان ينافس في إنتاج التبغ الشركة الفرنسية ( ريژي ).

لم يكن الشيخ عبيد الله منقطعا لذاته انما كان فعالا في النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وكان يدعو باستمرار الى استقرار الأمن وتطور الاقتصاد ورفع معيشة المواطنين وتقديم الخدمات لهم . كان مركزه الاجتماعي وثقله السياسي يتقدم أحيانا مركزه الديني وكان عليه الإيفاء بالتزامات هذه المراكز ، لذلك التبس الامر لدى البعض الذين لا يرون في الدين الا حبس النفس في الحجرات وإهمال أمور الدنيا .

لقد اتهم الشيخ( محمد بچكولة ) علنا عائلة شمزينان بانها قد انحرفت عن طريقة الدين الصحيحة لانها اصبحت صاحبة سلطة دنيوية اكثر من كونها صاحبة ارشاد ديني .

حقا لم يكن الشيخ رجل دين وحسب انما كان زعيما حقيقيا لشعب كردستان ، يكتب عنه ( لازاريف ) في كتابه تاريخ كردستان ( لم يكن يتمتع بنفوذ ديني لكونه رئيس الطريقة النقشبندية وحسب ، بل كان واحدا من اثرياء الملاكين في كردستان ، فقد كان يمتلك 200 قرية في تركيا وايران على السواء، وكان في ذلك الوقت قائدا دون منازع للكورد في تركيا وايران ايضا ).

يقول عنه الكاتب الفرنسي المعروف ( كريس كوجيرا) في كتابه الحركة القومية الكردية (( كان الشيخ عبيد الله انسانا بسيطا قانعا عادلا ومؤمنا بالله ومتدينا جدا ، كان مهتما جدا بتحسين معيشة الكرد ، كل ذلك جعل من مواطنيه تبجيله والنظر اليه وكان الله ارسله اليهم كمنقذ )) .

توفي الشيخ النهري رحمه الله في مثل هذا اليوم 23 تشرين الأول سنة 1883 منفياً في مكة المكرمة. عليه رحمة الله تعالى

 

التعليقات مغلقة.