يا ريت ما تساويها تاني يا مارك
في ليلة كباقي الليالي السومرية في روجافا، ومشابهة في تفاصيلها كباقي الليالي المملّة، حيث أخبار الحرب الروتينية عن تقدم فصيل على حساب فصيل آخر، واستعادة مناطق محتلة للمرة الألف بعد عمليات الكرّ والفرّ، ومؤتمرات الدعم للشعب التي لانهاية لها ووعود الحلّ السياسيّ الذي لا بريق أمل منه، ومخيّمات النزوح التي ترمّم لتكون ملاجئ أبدية أسوة بالأخوة الفلسطينيين، واستقبال الجثث المتوارية الثرى على طرق الهجرة المتعددة بريّاً وبحريّاً ومؤخّراً نهريّاً، في خضم هذه الأحداث التي أصبحت تنافس وتترافق مع حلقات المسلسلات الهندية التي أشكّ أنها من أحد ركائز المؤامرة الكونيّة على بلدنا، فالأجزاء المتوالدة طرديّاً تلهينا عن مستقبل أصبح الماضي السحيق ألف رحمة ونعمة منه في جميع النواحي، وتعلّقنا الإدماني بشبكات التواصل الاجتماعي التي تعتبر بأكاذيبها وإشاعاتها الخليل الوحيد والترفيه النوعيّ لساعات جلوسنا في المنزل، إذ أن صفحات الفيسبوك الشخصيّة والاخباريّة والاجتماعية حالت دون قيامنا بأقلّ الأعمال المنزلية، وحتى ردّ الواجبات الاجتماعية، ففي الساعة الواحدة نهنّئ بحفل زفاف عدداً من المعارف والأصدقاء ونعايد بميلاد البعض الآخر وبنفس الوقت نعزّي بوفاة البعض الآخر، ولا يستبعد إن كانوا من ذات العائلة التي قامت ببثّ العرس مباشرة على صفحات الفيسبوك وأحد المدعوين يتراقص على أنغام جعير ذاك الفنان.
ولأتناسى مجموعات “الواتس آب” العائلية والمهنية والرياضية والإباحية المغلقة، ففي لحظات تمتلئ هاردات الموبايل بتسجيل الأصوات وأدعية المساء والصباح والصور والفيديو التي تترافد بشكل لا إرادي، وفوق كل ما ذكر وبدون سابق إنذار وتنبيه يقوم مارك بإجرام يفوق أذية “التوماهوك والكروز” والقنابل الفراغية ويقوم بحرقة قلب أشد من ظهور إيفانكا بين الحين والآخر بطلة البهية، حيث يقوم ماركو بإغلاق “الواتس آب” لمدة 5 دقائق، وكأن أوقاتنا ملك الذي خلّفه، ألا يعلم بأن هذه الخمس دقائق ذهبت من عمرنا سدى، ألا يعلم بأن اشغالنا على الواتس كشف لنا حقائق كنا على غفلة منها، منها دراية بعض الثانويات في حياتنا كاكتشاف المراحل الدراسية التي بلغها أولادنا، وطيب وخفة دم العائلة وأنهم منحدرون من سلالة حسنة الأخلاق وديكور المنزل الجميل بعد التعديلات التي طرأت عليها في السنوات الخمس الأخيرة، والجار الخامس في الشقة نفسها، كل هذه الثانويات كانت أشبه بالصدمة خلال الخمسة دقائق تلك، والحمد لله أن عودة الواتس أعادت تلك الغمامة وأعادتنا إلى عالمنا الحقيقي الطبيعي الأنيق، لا يابو مارك لا، يا ريت ما تساويها تاني، وإذا نويت تسويها، سويها بعيد عنا ( بلامعنى )
التعليقات مغلقة.