الكشف عن أصل الجناة… مثار جدل بين وسائل الإعلام الألمانية

25

19104116_303 (1)

DW- Buyerpress

الشخص المتهم من أصل ألماني ولا ينحدر من خلفية مهاجرة” جاءت هذه الجملة في تصريح للشرطة في مانهايم، تمّ نشره على موقع تويتر عندما دهس رجل حشدا من الناس بسيارته  وسط مدينة هايدلبيرغ. وجاء هذا التصريح كرد للشرطة على شائعات  في المواقع الاجتماعية حول أصل هذا الرجل وعلى اتهامات للشرطة بأنها حجبت عن قصد ذكر أصل الجاني.

وراء هذه الحادثة يدور منذ فترة طويلة وفي كل لحظة نقاش واسع يشحن وسائل الإعلام الألمانية: والسؤال هو هل يحق لوسائل الإعلام الكشف عن أصل الجاني أم لا؟ ويتساءل نيكولاوس ياكوب مدير أعمال معهد الإعلام في ماينتس “عند حدوث هجوم على أحد الأكشاك هل من الضروري معرفة ما إذا كان الشخص صربيا أم تركيا أو “مواطنا عريقا من فرانكفورت”؟

في الحقيقة ليس من العادة في ألمانيا ذكر أصل الجاني في مثل هذه الوقائع. لكن بصفة عامة هناك توجه لدى وسائل الإعلام  في ذكر جنسية الجاني عند تغطيتها لأحداث إجرامية.

الجدل يرتبط ب”ليلة رأس السنة” 2015/2016 في كولونيا التي شهدت قيام مجموعات بسرقات وتحرشات جنسية بالنساء. وكان شهود قد وصفوا أولئك الجناة بأن لديهم ملامح “عربية أو من إفريقيا الشمالية”. وبعدها نُشرت انتقادات كثيرة موجهة إلى كيفية التغطية الإعلامية لما حدث، وذُكر أن أصل الجناة تمّ التكتم عنه عن قصد، حيث إن غالبية وسائل الإعلام لم تتحدث في البداية عن ذلك بسبب وجود قواعد أخلاقية معينة في الإعلام الألماني .

مجلس الصحافة والنظرة الأخلاقية

وقد أثّر هذا الضغط العام على توجهات التغطية الإعلامية. فقد أكّدت دراسة حديثة لجامعة ميونيخ أن صحفا قامت عقب ليلة رأس السنة طوال أسابيع بذكر أصل الجناة في حالات أكثر من ذي قبل. وفي الوقت نفسه تراجع في نفس الفترة الزمنية عدد الجنايات لدى الأجانب، حسب الإحصائيات الجنائية.

نيكولاوس ياكوب يلاحظ هو الآخر هذا التوجه الحالي. وكان مجلس الصحافة قد عدّل مؤخرا قاعدة للتغطية الإعلامية لأحداث الجرائم. فهي الآن أكثر مرونة من السابق، لأن “الاهتمام العام” أصبح كافيا لذكر “خلفية الانتماء العرقي والديني أو الإشارة إلى أقليات أخرى”. وفي السابق كانت هناك حاجة لوجود دليل ملموس مثلا عندما يتعلق الأمر بالمافيا الإيطالية بشكل واضح.

تستدل غالبية دور التحرير في ألمانيا  بقانون الصحافة لمجلس الصحافة وهي هيئة للمراقبة الذاتية أدرجها صحفيون بعد انتهاء فترة الحكم النازي. ويتضمن ذلك القانون أن ذكر أصل الجاني قد يؤدي إلى إثارة اتهامات ضد أقلية معينة. كما أنه من خلال عدم ذكر أصل الجاني في حالات استثنائية فإن الهدف هو تفادي إثارة شبهة عامة ضد مجموعات عرقية أو دينية معينة.

يعود هذا الموقف إلى أسباب تاريخية شهدتها فترة الحكم النازي، مما دعا إلى توخي الحيطة الكبيرة بألمانيا في التعامل مع موضوع الجنسية عند التغطية الإعلامية والحديث عن الجناة. ويقول ياكوب إن الوضع مختلف في دول بثقافة صحفية عريقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا حيث يتم التعامل بقسوة عند التغطية الإعلامية لشخصيات لامعة أو للجناة.

مخاطر التمييز

“ما الذي سيحدث إذا استمر اتهامنا بحجب شيء ما؟ ألن تكون الخسارة هنا أكبر؟”. هذه هي التساؤلات التي يطرحها صحفيون ألمان بشكل متزايد. وهنا يتمّ الوزن بين الخضوع لمثل هذه الاتهامات أو التمسك بالمبادئ المتعارف عليها والتي تبدو أنها تتلاشى بعض الشيء. من خلال تقديم تنازلات للذين أثاروا الاهتمام بصرخات “صحافة الكذب” يتمّ الابتعاد عن المتعارف عليه. ولكن العديد من الصحفيين ينظرون لهذا التوجه بعين الانتقاد .

قناة التلفزة الأخبارية n-TV تتعامل مع الموضوع حسب الحالات وطبقا لمعايير صحفية. وتقول رئيسة تحرير القناة: “يحصل ذلك دوما على خلفية أننا نريد أن نقدم لمشاهدينا صورة شاملة ولا نريد إقامة وصاية عليهم”. أمّا قناة التلفزة الألمانية الثانية فلا تذكر أصل الجناة إلّا عندما يكون ذلك ضروريا بشكل محوري بهدف وصف الحدث كاملا .

على خلاف صحيفة “زيكسيشه تسايتونغ” التي بدأت تذكر أصل الجاني منذ يوليو من السنة الماضية عند تغطيتها الإعلامية للجرائم . وتعتمد الصحيفة في ذلك على استطلاع لرأي القراء قام به خبير علوم الاتصالات لوتس هاغن الذي توصل إلى أن نصف مجموع من شملهم الاستطلاع يعتقدون أن أصل الجاني لا يُذكر تنفيذا لأوامر عليا خلال أوقات أزمة اللاجئين”. كما أن هناك تقييما خاطئا لتورط أجانب في أعمال إجرامية عند النظر إلى ما هو وارد في الإحصائيات. ومن المتوقع إجراء استطلاع آخر بهذا الشأن بعد سنة. ويعبر لوتس هاغن عن تخوفه من أن الكشف الإعلامي عن أصل الجناة قد يدفع بالقراء لتقييم الجريمة لدى الأجانب وتقمص مواقف تمييزية.

التعليقات مغلقة.