مبررات اقامة الدولة الكوردية – آلان قادر

32

 

 

مبررات اقامة الدولة الكوردية- الجزء الثاني

ماهي الشروط المستوفاة في اقليم كوردستان للمطالبة بحق تقرير المصير؟

مقدمة

995012_660819380608067_258329897_nلابد من التذكير ان جنوب كوردستان لم يكن جزءا من الدولة العراقية الا بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وتفككها بعد الحرب العالمية الأولى والتقسيم الاستعماري للمنطقة وفق معاهدة سايكس-بيكو لعام 1916.لقد جرى عملية ضم القسم الجنوبي من كوردستان الى الدولة العراقية المصطنعة،من قبل بريطانيا بقوة الحديد والنار وبالضد من ارادة الشعب الكوردي الذي لم يخرج في مظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة في السليمانية ومناطق أخرى فحسب،بل انتفض مرارا بقيادة الشيخ الجليل محمود الحفيد وأحمد البرزاني وغيرهم ضد القرار البريطاني الجائر بحق أمة الكورد.

السوابق القانونية- السياسية حول جنوب كوردستان

فلو عدنا الى ارشيف التاريخ سوف نجد العديد من السوابق القانونية والسياسية،التي تخص جنوب كوردستان خاصة وكوردستان عامة، وهي تدل بشكل صريح على رغبة الكورد في تأسيس كيان سياسي مستقل وليس الانضمام القسري الى الدولة العراقية،وذلك بسبب التباينات الكثيرة والعميقة بين الشعبين.

وهاهي البعض من تلك السوابق على سبيل المثال وليس الحصر:

1-تقديم الشيخ محمود الحفيد في العام 1918 وثيقة الى المندوب السامي البريطاني في العراق أرنولد ويلسون اثناء لقاء مع الزعماء والوجهاء الكورد في السيمانية،وقع عليها اربعون زعيما كورديا تضمنت مايلي: “بما ان حكومة صاحبة الجلالة عبرت عن استعدادها لتحرير الشعوب الشرقية من الاضطهاد التركي،وترغب في مساعدتها لنيل الاستقلال،فإننا نحن كممثلي الشعب الكوردي،نتوجه الى صاحبة الجلالة بطلب منح الشعب الكوردي امكانية السير في طريق التطور السلمي تحت الوصاية البريطانية..”*

يلاحظ ان الزعماء الكورد طالبوا بوضع كوردستان تحت الوصاية البريطانية وليس الدولة العراقية،هذا يعني لفترة انتقالية معينة الى حين الفوز بالاستقلال مثل بقية الشعوب الأخرى التي عانت من الاستعمار العثماني.

2-هناك عشرات المذكرات التي رفعها الكورد،مطالبين بوطن مستقل، سواء تلك التي رفعوها إلى الحلفاء آو إلى الحكومة البريطانية بالذات وكذلك إلى عصبة الأمم . ولاننسى تلك الجهود الكبيرة التي بذلها الجنرال شريف باشا في مؤتمر الصلح في باريس حيث قدم مذكرتين بالتنسيق مع نوبار باشا رئيس الوفد الأرمني ضمناهما مطالب وحقوق الأمتين الكردية و الأرمنية وخريطتين لكوردستان و ارمينيا في أول آذار 1920و اقر مجلس الأعلى للحلفاء في باريس مطا ليبهم مبدئيا، كما صادق عليها مجلس الحلفاء فيما بعد حيث تضمنتها اتفاقية سيفر المعروفة وفي موادها: 62،63 و 64 .

3- اقرار حكومة بريطانيا والعراق،بحق الشعب الكوردي في إقامة حكومة خاصة به وذلك في تصريح مشترك في 25.12.1922

وفي قرار لمجلس العصبة في 16 كانون الثاني1925،ورد في الفقرة الثالثة منه:”المجلس يدعو الحكومة البريطانية بصفتها الدولة المنتدبة على العراق إلى أن تقدم التدابير الواجب اتخاذها في سبيل ضمان الإدارة الذاتية للكورد في ضوء توصيات اللجنة الأممية”.

4- انتقل مبدأ حق تقرير المصير الوارد في إعلان وبرنامج عمل فيينا،الذي صدر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المعقود في فيينا خلال الفترة من 14 إلى 25 حزيران 1993 الى مرحلة متقدمة جدا من حيث المضمون والشمول،حيث نص على مايلي:

لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير. وهي، بمقتضى هذا الحق، تحدد مركزها السياسي بحرية وتسعي إلي تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية.

وإن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، إذ يأخذ في الحسبان الحالة الخاصة للشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية أو غير ذلك من أشكال السيطرة الأجنبية أو الاحتلال الأجنبي،يسلم بحق الشعوب في اتخاذ أي إجراء مشروع،وفقا لميثاق الأمم المتحدة،لإعمال حقها، الذي لا يقبل التصرف،في تقرير المصير. ويعتبر المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان إنكار الحق في تقرير المصير انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان ويؤكد أهمية الإلتزام الفعلي بهذا الحق وحسب القاعدة الفقهية الشهيرة: pacta sunt servanda، وتعني:العقد شريعة المتعاقدين.وبهذا المعنى القانوني الدولي من حق حوالي 6 ملايين كوردي في الاقليم اللجوء الى استخدام هذا الحق وحسب الطرق والاجراءات المتاحة في القانون الدولي،الذي يمنح الشرعية الكاملة له في ذلك.

نكتفي بهذا القدر من الأمثلة التي تبين بكل وضوح رغبة الكورد في جنوب كوردستان بإقامة دولة كوردية مستقلة وحسب مبدأ تقرير المصير.

لايختلف السياسي أو الحقوقي المنصف والحيادي أن إقليم كردستان العراق يعيش في وضع دولة حقيقة على الأرض وحسب التعبير القانوني: de Factoفهو يشارك بشكل فعال سواء في السياسة العامة للعراق من بغداد أو الاقليمية والدولية وعلى الأصعدة السياسية والاقتصادية والتبادل الديبلوماسي وغيرها. بتعبير آخر،يعتبراقليم كوردستان وحسب كافة المعايير شخصية اعتبارية في القانون الدولي المعاصر: Legal personality in international law الى جانب الأمم والشعوب التي تناضل من أجل حق تقرير المصير،الدول المستقلة ،ناهيك عن المنظمات الدولية.

ماهي القرائن القانونية والاجتهادات التي تدعم شرعية مطالبة اقليم كوردستان بحق تقرير المصير؟

 

آ-هناك مجموعة من المعاهدات والاتفاقات التي وقعت بين ممثلي الشعب الكوردي الشرعيين والحكومة المركزية في بغداد، نصت على احترام الحقوق القومية للشعب الكوردي وفي مقدمتها:

1-       المذكرات الصادرة عن عصبة الأمم،حيث تعهدت الحكومة العراقية في العهد الملكي الالتزام بها وعن طريق عرضها على البرلمان والمصادقة عليها وفقا لميثاق عصبة الأمم الذي نص على احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها،

ولكن الحكومات العراقية آنذاك لم تلتزم بها مطلقا وخرقتها بشكل فظ.

2-      دستور 1958 الذي نص على شراكة الكورد والعرب في البلاد ،الذي بقي حبرا على ورق.

3-      اتفاقية اذار 1974 التي لم تحمي الكورد من حملات البطش والاقتلاع والابادة بالغازات السامة والسلاح الكيماوي،التهجير وعلى يد سلطات المحتل العراقي،الذي ارتكب جرائم الجينوسايد وبالضد من معاهدة 1948 وعلى نطاق واسع سواء خلال عمليات الأنفال القذرة أو ابادة حلبجة.

4-      قانون الفدرالية لعام 2005 الذي يعد عقد بين طرفين،الحكومة الاتحادية من جهة والشعب الكوردي من جهة أخرى، والمادة رقم 140 حول اعادة المناطق المحتلة،لم تلتزم بهما الحكومة الاتحادية،بل مارست التسويف والمماطلة وافراغ المؤسسات الاتحادية من مضامينها واستبدالها شيئا فشيئا بالمركزية والاملاء،حتى وصل الأمر بحكومة المالكي الى قطع الرواتب عن الموظفين في اقليم كوردستان.

فالأمثلة الواردة أعلاها تعطي للشعب الكوردي في الاقليم كل المبررات في عدم الثقة بالحكومات العراقية المتعاقبة،بما فيها الحالية،ومن حقها تنظيم استفتاء بهدف معرفة واستبيان رأي الشعب الكوردي،كونه مصدر السياده والمرجع الأساسي المعني بحق تقرير المصير،فيما اذا كان يريد البقاء ضمن الاتحاد العراقي أو البحث عن حل آخر في تقرير مصيره خارج الشراكة العراقية.

 

ب- تشكلت في اقليم كوردستان ومنذ أول انتخابات ديمقراطية وحرة في العام 1991 وحتى الآن مؤسسات دولة،سلطات تشريعية،تنفيذية وقضائية،اقيمت البنى التحتية ولاسيما الاقتصاد ومؤسسات المجتمع المدني في اطار تجربة تعددية وديمقراطية،تعبر جميعها بهذا الشكل أو ذاك ليس عن الارادة الجماعية لشعب اقليم كوردستان ولاسيما البرلمان،حيث يجتمع ممثلي الشعب الكوردي المنتخبين ديمقراطيا، فحسب،بل عن سيادته على اراضي الاقليم وشروط يجب توفرها كي ينسجم مع جوهر القانون الدولي فيما يخص طرح قضايا الاستفتاء وحق تقرير المصير.والبيشمركة هي القوة الضاربة والجيش النظامي لاقليم كوردستان الذي ينسجم وفق معايير اتفاقات جنيق لعام 1949.

 

نستنتج مما ورد أعلاه وبناء على مقولتين اساسيتين في القانون الدولي،ألا وهما:

1-      De Facto اي عمليا،في واقع الأمر،فعلي

2-      De Jure أي شرعي،قانوني

ان اقليم كوردستان له كل الحق اللجوء الى تنظيم الاستفتاء لمعرفة قرار الشعب الكوردي في قضية مصيرية وهامة مثل حق تقرير المصير،وكل من يقف ضد قرار وارادة الكورد في الاقليم،فهو عاجزعن الاستناد الى المبررات القانونية والسياسية ومجرد موقف عدائي لغايات وأهداف خبيثة وانانية لن يجني من وراءه سوى الخيبة والفشل.

يقدر عدد سكان إقليم كوردستان بأكثر من 5.2 مليون نسمة في محافظات الإقليم الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك. وتغطي هذه المدن مساحة 40000 كيلومتر مربع ، أي أكبر من هولندا وأربع مرات مساحة لبنان. تشتمل هذه الاحصاءات على المناطق التي هي تحت سيطرة حكومة اقليم كوردستان، ولا تشتمل المناطق الكوردستانية خارج ادارة الحكومة في حدود محافظات نينوى، صلاح الدين، كركوك و ديالى. بينما دولة الفاتيكان ،تقدر مساحتها ب 44 هكتارا فقط ويبلغ عدد سكانها 890 نسمة.فليس من العدل ابدا،ناهيك قانونا حرمان الكورد في اقليم كوردستان من البند الثاني الوارد في المادة الأولى من ميثاق المم المتحدة الذي ينص صراحة:

“إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام”.

الكورد في الأجزاء الأخرى من كوردستان يتطلعون بحماس وترقب ذلك اليوم الذي سوف يسجل شعبنا في الاقليم سابقة قانونية وسياسية لأول مرة في التاريخ،تتعلق بمسألة الخطوة الحاسمة نحو الاستقلال من الهيمنة الأجنبية.استقلال اقليم كوردستان يعني اسقاط نهائي لاتفاقية سايكس-بيكو الجائرة وبداية شرق أوسط جديد يساهم الكورد في رسم معالمه بشكل حضاري،سلمي وديمقراطي،بعيد عن العنف والحروب الدموية.

  • الحركة الكوردية في العصر الحديث،مجموعة مؤلفين سوفيات،ترجمة د.عبدي حاجي.بيروت1992

 

د.آلان قادر حقوقي ومتخصص في القانون الدولي العام،رئيس الجمعية الكوردية للدفاع عن حقوق الانسان في النمسا

النمسا في 03.08.2014

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.