التغريبة السورية ” الاعتراف بالخطأ ليس انهزاماً “
كانت مقولة “على الأسد الرحيل ” ولا تزال تشكل مدخلاً لتحقيق الانتقال السياسي المنشود في سورية، لكنها كانت موضوع الكثير من الرهانات الخاسرة منذ بداية الثورة، عند الثوار والنخب الثورية، وعند الفصائل العسكرية، وعند المحللين السياسيين بل حتى عند بعض القوى الإقليمية والدولية التي وضعت ما أسمته خطوطاً حمر، معتبرة أنه بمقدار ما يزداد إجرام النظام ومخالفته لأبسط قواعد العدالة الدولية بمقدار ما تقترب نهايته.
لكن ساسة العالم كانوا يتغيرون بحكم الدورات الانتخابية الديموقراطية، والنظام، رغم استخدامه للأسلحة المحرمة دولياً وخرقه للمواثيق الدولية، كان يدوم ويستعيد قوته اعتماداً على حلفائه الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية.
ويتضح الآن، ربما بعد فوات الأوان، أن التمركز العسكري في المدن أو المناطق المكتظة بالسكان، كان يعني خوض حرب مدن، غير متكافئة، حيث يتمتع النظام بتفوق جوي وبكثافة نيران، في حينيفتقد المقاتلون لإمكانات الدفاع والرد، رغم قدرتهم على خوض المواجهات البرية وتحقيق انتصارات من حين لآخر، نعم أمكن الصمود طويلاً، لكن أبسط مقومات الحياة للسكان المدنيين كانت تختفي شيئاً فشيئاً.
إن عدم فهم هذه الحقيقة والتعامل على أساسها، أدى تدريجياً إلى استعادة هذه المناطق والمدن من قبل النظام، بعد تعرضها لدمار شامل وتحولها إلى مدن أشباح خالية من جميع أشكال الحياة، وفي الجانب الآخر كانت المأساة: نزوح أو هجرة من استطاع من السكان المعدمين، حاملين أطفالهم وجرحاهم وتاركين وراءهم من قتل أو اعتقل، مودعين بيوتهم البسيطة التي أمضوا أعمارهم في بنائها وتجهيزها.
كان من المؤسف، وضمن ما تعانيه الثورة السورية من تشرذم عسكري وسياسي، عدم الاستفادة من التجربة وعدم استباق حصول وتكرر الكارثة في أكثر من مكان. ففي مدينة هامّة كإدلب، لم تستطع الفصائل العسكرية التي سيطرت عليها جعلها نموذجاً يحتذى لمدينة محررة، سواء من حيث الخدمات أو من حيث نمط الإدارة، وهذا العجز تتقاسم مسؤوليته كل الفعاليات الثورية السياسية والعسكرية بما فيها” الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، والدول الداعمة والمؤسسات والهيئات العالمية المختصة.
كما كان ضرب المدن التي يسيطر عليها النظام، أو القرى الموالية، خطأً آخر يجب التوقف عنده، ولا يبرره أن النظام يقوم بقصف عشوائي للمناطق الثائرة، فالمدنيون في مناطق سيطرة النظام ليسوا موالين بالضرورة، ولا يجوز ضربهم في جميع الأحوال، كما أن البديل للمشروع الطائفي أو للسياسة الطائفية لا يجب أن يكون من نفس النوع.
إن نظام الأسد، مستوعباً لجميع التعقيدات المحلية والإقليمية والعالمية، ومستفيداً منها، لا يزال مستعداً لمتابعة التدمير الشامل بهدف بقائه في سدة الحكم في سورية، لذلك يجب التفكير في كيفية الوصول إلى رأس النظام في دمشق، وفي الاستراتيجيات الضرورية والممكنة لإنهاك النظام وضربه في مواقع قوته واستناده، بعيداً عن مدننا وأطفالنا، ضربات موجعة ومركزة هدفها إضعاف النظام وإسقاطه في النهاية، وليس هدر الجهود والإمكانات في حماية مواقع التمركز والثبات في المدن، وكل ذلك ضمن تصور مركزي متماسك، عسكري وسياسي، أساسه المشروع الوطني السورية :سورية وطناً للجميع.
تيار مواطنة 12/12/2016
التعليقات مغلقة.