أناشيد محمد عبده وفيروز السرية لداعش والإخوان
سطو حركات الإسلام السياسي الأصولية والثورية على الألحان الموسيقية و”القصائد الغنائية” لعدد من الفنانين العرب والخليجيين بقي سمة بارزة في صناعة “الأناشيد الإسلامية”، حيث لم تغفل رموز الإسلام الحركي عن أهمية تخليد مشروعها وبرنامجها بإيجاد موطئ قدم لها في الساحة الأدبية والشعرية والموسيقية.
سرقة تنظيم “داعش” ألحان الأغنية الشهيرة “الأماكن” للفنان محمد عبده، مع تطويعه لكلمات القصيدة وفقاً لرسالة التنظيم، ليست بالأمر الجديد في تاريخ حركات الإسلام السياسي، وما تفرع عنها من التنظيمات الأصولية المتطرفة، كالقاعدة وداعش، وهو ما دفع إلى رصد أبرز حالات السلب الموسيقي الإسلاموي المحدث من المكتبة الموسيقية والغنائية العربية.
وكما استلب الإسلام السياسي مع ولادته وجه اليسار السياسي الغربي والعربي، وتطويع آليات وتقنيات التنظيمات القومية والشيوعية من مبدأ السرية والفكر التنظيمي الحركي، وتصميم الشعارات الخاصة، سطت تنظيمات الإسلام السياسي كذلك على الألحان الموسيقية والقصائد الغنائية للأحزاب اليسارية.
أبرزها كانت قصيدة “علم العروبة” ظهرت في عام 1956م، كتبها ولحنها وغناها محمد سلمان، خلال العدوان الثلاثي على مصر، وجاء فيها: “لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحمى.. لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما.. لبيك إن عطش اللواء سكب الشباب له الدماء.. لبيك حتى تنقل الأرض الهتاف إلى السماء”، فتحول مطلعها من لبيك علم العروبة إلى إسلام البطولة.
لتغنى القصيدة بعد الاستيلاء، ووفقاً للترجمة الإسلاموية للنشيد كالتالي: “لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمى.. لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما.. لبيك إن عطش اللواء سكب الشباب له الدماء، هذه الجموع غدا سيجمع شملها في دولتي ولسوف تنهض كي تحطم باطلاً في جولتي”.
الأمر ذاته وقع لقصيدة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، التي نظمها في 1352هجري: “إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر”، قامت الأحزاب والتيارات الإسلامية الحركية بإنشادها مع تحريف جزء كبير من مفرداتها، منها ما كان في مطلعها: “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد للحق أن ينتصر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر”، ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر، كذلك قالت لي الكائنات وحدثني روحها المستتر ودمدمت الريح بين الفجاج وفوق الجبال وتحت الشجر إذا ما طمحت إلى غايتي رغبت المنة ونسيت الحذر”.
فتم شطب جملة “لابد أن يستجيب القدر” والاستعاضة بها بمفردة أخرى وهي “الحق” وكان الباعث على هذا التحريف تفسيرات دينية تتعلق بالقدر، كذلك تم حذف “فويل لمن لم تشقه الحياة من صفعة العدم المنتصر”.
الفنانة اللبنانية “فيروز” لم تسلم من عمليات السطو، فكان للموشح الأندلسي الفيروزي “جادك الغيث” نصيب منه، والتي اشتهرت بمطلعها: “خندقي قبري وقبري خندقي”، بعد أن سجل الموشح ضمن الإصدار الجهادي “نداء وحداء”، بعد تحريف الشاعر الأردني يوسف العظم، والملقب بشاعر الأقصى لكلمات القصيدة مقابل الإبقاء على لحنها الموسيقي، لتصبح على النحو التالي: “خندقي قبري وقبري خندقي.. وزنادي صامت لم ينطق.. فمتى ينفث رشاشي متى.. لهبا يصبغ وجه الشفق.. نحن يا فيروز ما عاد لنا.. أذن تهفو وللحن تحن”.
منذ أن بدأ نشاط حركة “النشيد الإسلامي” وبالأخص اللون “الجهادي” أو “الثوري”، حتى أخذ الأمر أنماطاً مختلفة وأوجهاً متعددة من الإيقاعات الموسيقية، فمنه ما كان ابتكاراً من منشديه، ومنهم من استوحى فنه من الفلكلور الشعبي كما كان مع القصيدة النمطية الشهيرة “ماهقيت أن البراقع يفتنني”، أو استنباط الألحان من التراث المحلي كالسامري والبخيتي أو الينبعاوي، والتي منها نشيد “يا روما والله جيناك”، وطائفة أخرى من المنشدين حرفت القصائد واستولت على الألحان.
مثال على ذلك كان “نشيد العزوبية” والذي اشتكى فيه المنشد الأصلي من طول عزوبيته، داعياً والدته أن تقوم بالخطبة له، ضمه تنظيم “داعش” ضمن قائمة إصداراته، بعد إضافة هوية العروس “حورية” عوضاً عما كانت عليه في النشيد الأصلي الذي ألقاه المنشد “هاني مقبل”، ذاكراً نساء من عدة بلدان عربية، فأصبح النشيد: “العزوبية يا يمي طالت عليا.. قومي اخطبي لي وحدة حورية.. ما عندي مانع يا وليدي بس إنك ضايع زهب قروشك وانهي القضية.. يا الله على بابك يا رب.. ما خاب طلابك..”.
الفنان خالد عبد الرحمن سبق أن هدد في 2013 منشدين إسلاميين بمقاضاتهم ومحاسبتهم، لسرقة ألحانه الغنائية وطرحها في أشرطة رسمية، داعيا إياهم إلى تضمين اسمه في كل لحن يخصه حفظاً لحقوقه الأدبية، ومما جاء في تصريحه حينها لوسائل الإعلام: “أنا أحب الإنشاد، وأحرص على جمهوره، ولكن اطلبوا مني الفزعة والعون، وأبشروا بما تريدون، أما أن تنتهكوا حقوقي الأدبية بهذه الطريقة، فهذا أمر لا أرضاه، ولا أقبله مطلقا”.
الملحن السعودي المعروف طلال باغر، الذي وقع في ذات عمليات السطو والسرقة لألحانه من قبل منشدين، من بينها أغنية “أهواك” والتي تم تحويلها إلى “شيلة”، اعتبر الالتفاف على الموسيقى والألحان بالأناشيد والشيلات بعملية تزوير وفن الهروب.
التعليقات مغلقة.