شخصيا لا أرى تغييرا في الحدود بين الدول التي يوجد فيها الأكراد إلا في حالة انهيار هذه الدول. المستقبل مفتوح على احتمالات عديدة حسب تطور كل دولة.
المعارض السوري يرى أن نظام الأسد سبب الخراب والفوضى في البلاد، والثورة السورية تتلاشى ويتحمل مسؤولية ذلك من ادعى تمثيلها.
بشار العيسى مثقف وتشكيلي سوري، غادر حزبه الشيوعي لخلاف فكري، فأفكاره حرة طليقة. معروف بمواقفه الجريئة، ولا تخضع لمقاييس معينة لا أيديولوجية ولا مصلحية، هذا الحوار خاص بالشأن الكردي وما يحدث في كل من سوريا والعراق، ومستقبل العلاقة بين هذه الشعوب.
يرى المعارض السوري والفنان التشكيلي بشار العيسى أن المسألة الكردية، إلى جانب مسألة الحرية والديمقراطية، تعدّ من أخطر المشاكل التي يجب على قوى الثورة والتغيير في سوريا التفكير فيها.
في السؤال عن واقع الثورة، عاد بنا بشار العيسى إلى البدايات قائلا: وحّدت ثورة الشعب السوري، غير الحزبية وغير الإيديولوجية، مزاجا شعبيا لم يكن فيه مكان للتمايزات، حيث تناسقت وتشابهت أنشطة شباب الثورة من أقصى الشرق إلى أقصى الجنوب، ما عدا جزرا ساكنة في حلب والرقة والسويداء والساحل ودمشق المدينة. نستثني منها حي ركن الدين الكردي.
وأضاف العيسى: لقد برز شكل الحركة وهويتها في تظاهرات الجُمَع وزاد تواترها، وتأطر الشباب في منظومتي اللجان واتحاد التنسيقيات، ولم تكن للأحزاب أي دور أو فكرة نهائية عن الثورة/ الانتفاضة، ولم تكن لديها رؤية سياسية أو برنامج، فقد كانت منشغلة بصراعاتها الهامشية: بعض من الأحزاب الكردية في إعلان دمشق المنقسم وأُخَر في التجمع الوطني الديمقراطي، وكان الإخوان المسلمون لحين انطلاقة الثورة، قد جَمَّدوا معارضتهم للسلطة بحجة موقفها المؤيد لغزة أثناء العدوان عليها عام 2008 واستجابة للسياسة التركية.
كتلة مجتمعية
فيما يخص الشباب الكردي (المستقلون وتيار المستقبل والمثقفون وقواعد حزبية) يرى العيسى أنهم سبقوا في مدنهم، غالبية المدن العربية في الالتحاق المبكّر بالثورة السورية منذ الأسبوع الأول، ورأوا فيها استعادة لانتفاضتهم المنحورة سنة 2004 وسرعان ما حدث تفارق بين الكتلة الشبابية الكردية والقيادات الحزبية بفعل ألاعيب المعارضة وخلافاتها.
وعن تمايز الأكراد في الثورة يشير إلى أن الأكراد كتلة مجتمعية مسيسة في غالبيتها. عن السؤال عن مستقبل العلاقة بين الأكراد والعرب في سوريا والعراق، يرى بشار العيسى أنه من المبكر الحديث عن مستقبل هذه العلاقة في سوريا والعراق قبل التوقف مطوَّلا عند مستقبل البلدين، واحتمالات تداعيات الأحداث في ظلّ عجز قوى المعارضة ومواجهات الجيش الحر مع كتائب جهادية وتنظيم داعش وجماعات قاسم سليماني (الجنرال الإيراني).
ويؤكد العيسى: قناعتي أن الأكراد في سوريا والعراق يمثّلان ركنا أساسيا في هذين البلدين وعنصرا هاما في مرحلة استعادة المجتمع الموحد في كل من العراق وسوريا.
حزب الاتحاد الديمقراطي
فيما يخص حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) ومفهومه للإدارة الذاتية وموقفه من السلطة، قال: تقوم قناعتي على أن “بي يي دي” لم يخرج عن الإطار العام لأهداف الثورة السورية. ويحدد موقفه من القوى العسكرية لهذا الحزب قائلا: إن قوات الحماية الشعبية والأسايش، بأخطائهما، هي منظومات لاحقة للإدارة المحلية وليست وسيلة لمصالح الأكراد، بل قوة دفاع ذاتي في غياب السلطة التي تركت المناطق الكردية لفوضى حدودية، نشأت وكبرت في مواجهة مجموعات مسلحة إسلامية أدخلتها الاستخبارات التركية إلى بلدة رأس العين وقامت بنهب المخزون الاستراتيجي للقمح ونقله إلى تركيا، ومن ثم الاعتداء على المدينة بحجة تحريرها من سلطة غير موجودة. فالسلطة الحقيقة في مركز المحافظة الحسكة. لم تكن جيشا حرّا بل مجاميع سرقة ونهب مافيوزية من سقط المتاع الاجتماعي وبقايا البعث في دير الزور وريف الحسكة اتخذت من تركيا مستقرا.
بسؤالنا عن دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي للبيشمركة في العراق رغم أنهما مختلفان، وعن إمكانية التلاقي المستقبلي، أجاب: إن الـ “بي يي دي” منظومة سياسية كردية سورية غدت حاليا عسكرية، وهو فصيل مدعوم من “حزب العمال الكردستاني” ينهج في رؤيته السياسية فكر عبدالله أوجلان.
ويشير المعارض السوري: كنّا جميعا من أنصار عدم عسكرة الثورة إلا في حال “الدفاع” عن المتظاهرين “فما عدا مما بدا”. وقمت شخصيا بدور تسهيل حوار مباشر بين قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وهيئة أركان الجيش الحر بإشراف تركي مصري انقلب عليها الجيش الحر حين أرسل ممثله بعد أسبوع للتجسس في عفرين.
بخصوص إقليم كردستان يرى بشار العيسى أن التحوّل المفاجئ الذي تمّ لقوة “داعش” المعززة بأسلحة 4 فيالق عسكرية تركت مواقعها فضلا عن كميات مال هائلة كانت مناورة جهنمية لم تكن قوى الإقليم العسكرية قادرة على مواجهتها بغير دعم يوازن خَلل التسليح، ولا تنس أن قيادة حزب العمال الكردستاني العسكرية تقيم في إقليم: قنديل”.
مستقبل الأكراد
سألت بشّار العيسى بخصوص مستقبل الأكراد في حال استقرت الأوضاع، سيما وأن هناك تشكيكا واسعا في ذلك، وأغلبية القوى الكردية لم تندمج بقوى الثورة. فرد قائلا: أولا سننتظر طويلا لحين تستقر الأوضاع في سوريا، ولحينها لا يتأمل الأكراد إنصافهم من النخب الفاقدة للشرعية ولا من الرايات السوداء، لن يراهن الأكراد على غير بندقيتهم الدفاعية وحوار متكافئ واعتراف متبادل في دولة سورية تعددية قومية ودينية بمسمى “الجمهورية السورية” وبحقوق مشمولة بدستور توافقي، يضمن المساواة ويحقق العدالة انتقالية في إطار مصالحة تاريخية.
واستغرب سؤالي السابق بالقول: لا أعرف من تقصد بقوى الثورة التي لم يندمج فيها الأكراد؟ وأضاف بعدها: لن تقوم لسوريا قيامة في فوضى جرائم السلطة وتبعيتها للمشروع الإيراني وفوضى الرايات السوداء التي تنتشر كالفطر وتتصارع بفتاوى البندقية المسيطرة، إلا إذا توفرت قوة انتدابية دولية كبيرة برعاية الأمم المتحدة.
وعن نقده للقوى السياسية المعارضة وموقفه من الاتحاد الديمقراطي الكردي قال بشار العيسى: يصيب الـ”بي يي دي” حصته من نقدي لهيئة التنسيق ولا يشفع له شيء وهم يعرفون رأيي جيدا، ولهم مبرراتهم السياسية في المماحكات الحزبية بغير أوهام. حين رفضتُ مع آخرين، التأطر في المجلس الوطني ونبهنا مبكرا إلى مخاطر السطو على الثورة.
قامت محاججتي على حصر دورنا كضيوف على ثورة لم نطلقها، في تقديم “رؤية سياسية” تكمّل ما بدأه شباب الثورة وتنسيقياته. رؤية سياسية بـ”خارطة طريق” برنامج للمرحلة الانتقالية ولسوريا المستقبلية: استرداد الدولة من السلطة وإعادة بنائها على قيم الثورة بتوافقات مكوناتها، فالثورة لا تنتهي بإسقاط الاستبداد (الذي لن يكون إلا بدعم عسكري في صيغة انتداب مرحلي) بل تبدأ الثورة بسقوطه. لكن للأسف كان الكلّ خاضعين لمفسدة ونشوة الحدث الليبي. وقيادة الثورة ليست بالنيات أو الكليشيهات الفاسدة، بل بالأداء.
أصدقاء كذبة
بسؤالنا عن نقده المستمر للمعارضة، أوضح بشار العيسى أن النظام يتحمّل مسؤولية كل هذا الخراب، لقد شرَّحنا النظام ولن ننتظر منه أن ينجز لنا ثورتنا، ولكن بحق وواجب لابد لنا من نقد التجربة والثورة تتلاشى. ويتحمل مسؤولية ذلك من ادّعى تمثيلها بوكالات مزورة من أصدقاء كَذَبَة.
يعلم كثيرون غيري حجم العبث الذي ساد المجلس والائتلاف ومكاتبهما وحجم الفساد المالي الذي شتت الجهود وأضرّ بسمعة الجيش الحر.
إن (قيادة نخب) يصرخ فيها الأميركي روبرت فورد: “فلتسكتوا أو تأكلوا هوا” ليست وطنية وليست نخبة وتتحمل المسؤولية مضاعفة عن السلطة الإجرامية. إن خيانة الأمانة، سواء بسوء نية أم بالأخطاء لا فرق.
وهذه الأخطاء هي التي تركت الأكراد خارجا وهمّشت دورهم، مثلما ساهم غياب الرؤية السياسية في ترك مكونات شعبية وعسكرية في حاضنة السلطة بالخوف من الرايات السوداء. كيف نفسر الفشل؟ نحمِّله تركيا؟ أم قطر؟ أم السعودية؟ أم هذه الهياكل المنحنية أمام المال الفاسد والتبذير العابث؟
وبخصوص تغيرات ممكنة في الوضع الكردي عامة، قال: شخصيا لا أرى تغييرا في الحدود بين الدول التي يوجد فيها الأكراد إلا في حالة انهيار هذه الدول. المستقبل مفتوح على احتمالات عديدة حسب تطور كل دولة.
وختم حديثه قائلا: ما أجزم به هو أن الأكراد لن يرجعوا إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل الثورة السورية.
العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.