في زيف نظرية اللامركزية الإدارية للمعارضة

23
شيار عيسى كاتب كردي

” في النظام الفدرالي تكون العلاقات الخارجية، الجيش وكذلك العملة الوطنية بيد المركز بينما تتحكم الأقاليم في المجالات الأخرى، فيكون لها برلمانات وحكومات تسن القوانين وتنفذها في مجالات الصحة، التعليم، القضاء، الشرطة وغيرها من المجالات الخدمية “

لطالما دأبت أطراف الائتلاف، وشخصياته السياسية والعسكرية، على رفض مبدأ الفدرالية كشكل حكم في الدولة السورية المنشودة تحت ذرائع متعددة مطالبين بتطبيق اللامركزية الإدارية كأسلوب إدارة جديد كبديل عن الفدرالية. بذلك يتكون هنالك مقاربتان لشكل الحكم لسوريا المستقبل أولهما الشكل الفدرالي والثاني اللامركزية الإدارية.

المتعارف عليه في حقل العلوم السياسية أنه يوجد شكلان من أشكال الحكم هما النظام المركزي والنظام اللامركزي. في نظام الحكم المركزي تكون السيادة بيد السلطات المركزية وحدها، أما في ظل النظام اللامركزي فتكون السيادة مقسمة بين المركز والأقاليم.

في كتابهما “مدخل للسياسة والإدارة المقارنة” يعرف الباحثان مارتين هاروب و رود هاجو  الفدرالية بأنها ” شكل من اشكال الإدارة على عدة مستويات تقوم بتقاسم ليس فقط السلطة وإنما أيضاً السيادة”
في هذا السياق يقصد بالسلطة القدرة على تحقيق الأهداف المطلوبة، وتتطلب تلك القدرة مفاتيح تتمثل بأوراق قوة يمتلكها كل طرف، أما السيادة فتعني أقصى درجات امتلاك زمام صناعة القرار في الدولة.

في النظام الفدرالي تكون العلاقات الخارجية، الجيش وكذلك العملة الوطنية بيد المركز بينما تتحكم الأقاليم في المجالات الأخرى، فيكون لها برلمانات وحكومات تسن القوانين وتنفذها في مجالات الصحة، التعليم، القضاء، الشرطة وغيرها من المجالات الخدمية.
أحد أهم نقاط العلامة الفارقة بين النظام الفدرالي واللامركزي الإداري هي أن السيادة في النظام اللامركزي الإداري تكون في يد المركز وحده، فتكون الدولة في النظام اللامركزي الإداري مركزية. المقصود باللامركزي في هذا الإطار في المصطلح هو تنفيذ القرارات، حيث أن كيفية تطبيق تلك القرارات البسيطة تكون بقرار من البلديات، التي تعطى سلطة كي تقرر شكل تنفيذ تقرير تلك القرارات بالشكل المناسب لكل بلدية لكن وفق الأهداف المرسومة في مركز القرار في الدولة.

مع تطور الفكر الديمقراطي وأنظمة الحكم في العالم بشكل عام وأوربا على وجه الخصوص انتقلت الدول من تطبيق سياسة المركزية التنفيذية، أي تدخل المركز في وضع القوانين وكذلك كيفية تنفيذها، إلى وضع قوانين وتحديد أهداف يجب على المؤسسات بلوغها مع ترك مساحة من الحرية لمؤسسات الدولة، وكذلك البلديات ومجالس المدن لتنفيذ تلك القرارات وفق الصلاحيات الممنوحة لكل جهة.
بالاعتماد على ما سبق فإن النظام اللامركزي الإداري يعتمد على تقسيم المهام بين المركز والبلديات والمؤسسات بحيث يكون التشريع ووضع الخطط والأهداف من صلاحيات المركز، بينما يكون تنفيذ تلك المهام من نصيب الجهات المحلية. لذلك فإن الدول التي تعتمد على النظام اللامركزي الإداري كشكل للإدارة هي أنظمة مركزية وفق الباحثين وتقسيم المهام لا يتعدى إطار شكل تنفيذ القرارات، بينما يكون من سمات النظام اللامركزي الفدرالي هو أن يكون للأقاليم المحلية سلطات وسيادة تستطيع من خلال آليات واضحة في إطار منظومة  قانونية أن تسن القوانين التي لا تتعارض مع سلطاتها وأن تنفذ تلك القوانين بالطريقة التي تريد.

يقول الباحث إيلازر في كتابه الذي أصدره عام 1996 أنه يوجد في العالم 22 دولة فدرالية وأن ما يقارب 2 مليار نسمة من سكان العالم يعيشون في ظل أنظمة فدرالية أي أن ما يقارب 40 % من سكان العالم يعيشون في أنظمة فدرالية، لكن الباحث لا يذكر اسم دول مثل السويد وبريطانيا وفرنسا وهي الدول التي تعتمد على مبدأ اللامركزية في تنفيذ القرارات مع السلطات المحلية لكن تلك السلطات المحلية ليس ذات سيادة.

بناءً على ما سبق فإن ما تبتغيه المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف لا يتعدى ما كان معمولاً به في ظل نظام البعث. حيث أن الدولة كانت مركزية مع إعطاء بعض الصلاحيات التنفيذية البسيطة للسلطات المحلية في تماهي مباشر مع الأسس النظرية للعقلية البعثية.

النظام المركزي وخلال عقود من الحكم منذ بناء الدولة السورية أثبت أنه ليس بالشكل الناجح لإدارة الدولة وما الثورة وإرهاصاتها إلا دليلاً على ذلك ونتيجة لتلك العقلية، التي حكمت بعقلية الاستفراد بالقرار والسيادة، لذلك فإن أطروحات الائتلاف في ذلك الإطار لا تتعدى كونها عودة بسوريا للمربع الأول، خاصة أنه يوجد في سوريا قضية لن تحل إلا في ظل إعطاء حقوقية سيادية لأصحابها وهي القضية الكردية، التي تتعدى كونها قضية مجموعة من السكان المحليين، الذين يطالبون ببعض الخدمات إلى قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية ومسلوب الإرادة والسيادة على ثرواته ومصيره.
نشر المقال في النسخة الورقية من صحيفة “Buyerpress” العدد (41) بتاريخ 15/4/2016

2

 

 

التعليقات مغلقة.