خاص “Buyerpress”
حمزة همكي
يبدوا أن ما يجري الحديث عنه في جنيف والجولات التي قام بها المبعوث الأممي إلى سوريا قبيل البدء بالجولة الثالثة من المفاوضات وبالأخص التركيز على مسألة الحكم الانتقالي في سوريا والتي دارت نقاشات دي ميستورا بشأنها بناءً على تصريحاته يوم الأول من أمس الأربعاء لا تهز شعرة من رأس النظام السوري كيف لا وقد أعلن عن الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب وقام بها مؤكداً للعالم عدم رضوخه لأي مفاوضات تمس مستقبل رأس الهرم.
هو الاقتراع الثاني منذ اندلاع الثورة في سوريا في العام 2011 وسط المآسي التي مني بها الشعب في هذا البلد المنهك جراء تعنت النظام وصمت المجتمع الدولي إزاء إيجاد حل لإنهاء معاناته.
لم تكن مواقف الدول الكبرى في هذه الانتخابات بعيدة عما تبنته من مواقف حيال الانتخابات التشريعية الماضية قبل أربعة أعوام من الآن مما يدفع المواطن السوري للاعتقاد بأن تلك الدول لا تمتلك النية الفعلية في إنهاء النظام لا سيما أنه فقد الثقة بتلك الدول نتيجة لمواقفها الخلبية خلال الأعوام الخمس الماضية مما خلق حالة أشبه بـ “أزمة ثقة” بين المواطن السوري والمجتمع الدولي من جهة وبين المعارضة السياسية والدول التي تدير دفة المباحثات والبحث لوضع ترقيعات في الجسم السوري بين الحين والآخر ثم ما يلبث أن يتمزق أكثر فأكثر ليزداد الصراع ولتتعمق الفجوة بين مكونات الدولة السورية هذا إن جاز إطلاق مصطلح الدولة عليها بعد تعمق الخلافات وتقطيع أوصالها ما بين ميليشات دخيلة عليها من جهة وقوات النظام وباقي أطراف الصراع في البلاد.
مواقف وردود أفعال :
باريس والتي كانت لها مواقف صارمة اتجاه النظام في بدايات الثورة السورية والتي سرعان ما تبددت وتحولت إلى مواقف تثير سخرية الشارع السوري لا سيما مواقفها المتجهة نحو حديثها عن فقدان النظام للشرعية وأنه لم يبقى له سوى أيام معدودة للحكم في البلاد خاصة وأن وزير الخارجية السوري “وليد المعلم” كان قد تحدى باريس قائلاً آنذاك ” على المسؤولين في فرنسا أن يعيشوا طويلاً كي يروا ماذا ستؤول إليه الأوضاع في سوريا”.
فرنسا لم تعد تضع رحيل الرئيس السوري بشار الأسد شرطاً مسبقاً لعملية الانتقال السياسي في سوريا، وذلك سعياً منها للتوصل إلى توافق دولي أوسع على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد اعتداءات 13 تشرين الثاني/نوفمبر بباريس، جعلت فرنسا من الحرب على الإرهاب أولويتها وتخلت عن موقفها السابق “لا لبشار ولا لداعش”.
ويعتبر إعلان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في وقت سابق كما جاء في صحيفة “لوبروغريه دو ليون” عن عدم ضرورة تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة قبل بدء المرحلة الانتقالية في سوريا، تطوراً جديداً في الموقف الفرنسي من الأزمة السوري
“رحيل الأسد” من خلال الموقف الفرنسي:
18 آب/ أغسطس 2011 : الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يدعو بشار الأسد في إعلان مشترك مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون إلى “مغادرة السلطة”. وجاء في الإعلان المشترك الذي صدر بعد دقائق من نداء مماثل للرئيس الأميركي باراك أوباما ثم للاتحاد الأوروبي “أن الرئيس الأسد الذي يستخدم القوة العسكرية الوحشية ضد شعبه والذي يتحمل مسؤولية الوضع فقد كل شرعية، ولم يعد بإمكانه اعتبار نفسه قائداً للبلاد”. وكانت وزارة الخارجية الفرنسية “نددت بأعمال العنف التي تستهدف المتظاهرين” منذ آذار/مارس 2011. وفي نيسان/أبريل ندد ساركوزي بـ”الوحشية غير المقبولة” لقوات النظام في قمعها للمتظاهرين، فيما فرض الاتحاد الأوروبي في نيسان/أبريل أولى عقوباته على النظام في سوريا.
لكنها نددت كما كل مرة يوم الأول من أمس الأربعاء، على لسان المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، بإجراء النظام السوري انتخابات تشريعية في المناطق الواقعة تحت سيطرته، لأنها “تمت دون حملة انتخابية فعلية، وتحت إشراف نظام قمعي، ودون مراقبة دولية”.
أعلنت باريس الأربعاء تنديدها بما أسمته “مهزلة الانتخابات” التشريعية التي نظمها النظام السوري في المناطق التي يسيطر عليها, وأكدت على أن الانتخابات الوحيدة التي يعتد بها في سوريا هي تلك الملحوظة في خريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الفرنسية “رومان نادال” أن الانتخابات التشريعية التي تجري الأربعاء في سوريا “تمت دون حملة انتخابية فعلية، وتحت إشراف نظام قمعي، ودون مراقبة دولية”.
بريطانيا والمواقف المتابينة:
قبل كل انتخابات في المملكة المتحدة تختلف الأحزاب البريطانية بشأن القضايا كلها تقريباً، لكن مساحة الاتفاق تبدو أكبر حول قضايا الشرق الأوسط، وخطر تنظيم الدولة “داعش”.
وفي حديث إعلامي في وقت سابق أعرب رئيس الوزراء البريطاني، زعيم حزب المحافظين، ديفيد كاميرون عن تقديره لزعيم المعارضة إيد ميليباند، عندما أيد القرار بالمشاركة في العملية العسكرية ضد تنظيم الدولة في العراق.
ويذكر التاريخ لمجلس العموم البريطاني، موقفين حاسمين فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، ففي عام 2013 صوت أعضاؤه بأغلبية ضئيلة ضد قرار المشاركة في ضربة عسكرية كانت الولايات المتحدة تعد لها ضد النظام السوري، فيما وصفه المراقبون آنذاك بأنه كان اللبنة الأولى في إحجام المجتمع الدولي عن هذه العملية العسكرية.
ويقول زعيم حزب العمال إيد ميليباند إن كاميرون طلب منه آنذاك المشاركة في اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي وصفه بزعيم العالم الحر، لكنه قرر رفض المشاركة في العملية العسكرية آنذاك.
أما الموقف الثاني فكان حين أيد الأعضاء بأغلبية كبيرة المشاركة في الضربات الجوية ضد داعش ضمن التحالف الدولي الذي تشكل آنذاك.
بريطانيا والتي تبدوا قد نأت بنفسها عن الملف السوري بعد أن تدخلت فيه خلال بدايات الأزمة وكانت لها مواقف إيجابية خاصة موقفها المؤيد للشعب السوري خلال التصويت في مجلس الأمن وعدم استخدامها حق النقض الفيتو حينما استخدمته كل من الصين وروسيا إلا أنها كدولة عظمى ربما لم تجد لها مصلحة مباشرة في التدخل المباشر في الشأن السوري كما روسيا والولايات المتحدة.
إلا أنها صرحت هذه المرة وعبرت عن موقفها الأمر الذي ربما يوحي بتفكير المجتمع الدولي بإيجاد حل للأزمة لا سيما أن بريطانيا قد تفهمت الرغبة الدولية في بادية الثورة وهو عدم النية في إزاحة الأسد في ذلك الوقت مما أدى بها إلى النأي بالنفس وقالت إن قرار الحكومة السورية إجراء الانتخابات في البلد الذي تمزقه الحرب يوضح “مدى انفصالها عن الواقع”.
وقالت الحكومة البريطانية في بيان، إن الانتخابات لا تتماشى مع قرار مجلس الأمن الذي يدعو لانتخابات في سوريا بعد عملية انتقالية مدتها 18 شهراً.
أضاف البيان أن الانتخابات “لا يمكنها إعادة شراء الشرعية عن طريق وضع واجهة واهية للديمقراطية”.
وأشار إلى أن مئات الآلاف يعيشون في بلدات ومدن محاصرة، وأن الملايين فروا من منازلهم – كثيرون منهم إلى المنفى – وبالتالي لا يحق لهم التصويت.
كما حثت بريطانيا “مؤيدي النظام، وخاصة روسيا” على الضغط على الحكومة السورية للمشاركة في محادثات حول الانتقال السياسي في محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة التي تستأنف الأربعاء في جنيف.
الولايات المتحدة وسياسة الضحك على الذقون:
ظهر منذ بداية الثورة، ثم التحولات والمتغيرات التي صاحبتها، أن لدى ساسة الولايات المتحدة الأميركية، ومن دار في فلكها، مصلحة ودوافع في دمار سوريا، وجعل الأوضاع فيها، تسير نحو التعفن والتفكك والخراب، وذلك من منطلق عدم وجود مصلحة لهم في التدخل لوقف الكارثة، والأهم هو الحرص على أمن إسرائيل في المنطقة، انطلاقا من حسابهم الأساس، القائم على أن أي تغير في سوريا أو سواها من دول المنطقة، لا يضمن أمن إسرائيل وحدودها، لن يسمحوا في حدوثه إن استطاعوا.
ففي بداية الثورة، ارتفعت أصوات التنديد والشجب لممارسات النظام، مع تأييد مطالب المحتجين في الحرية والديمقراطية، وبلغت سقفها الحدّي في
مطالبة الرئيس باراك أوباما، الأسد بالرحيل، واعتباره فاقداً للشرعية، وأن أيامه في الحكم باتت معدودة.
غير أن المفارقة في الأمر هي أن قوة التصريحات لم تنعكس على أرض الواقع، لذلك بدأ سقف التصريحات السياسية للمسؤولين الأميركيين بالانخفاض، مع طول أمد الأزمة، التي أحدثها تعامل النظام مع الثورة، وراح يدور حول نفس المقولات، فيما أخذ بعض المسؤولين الأميركيين يبيعون الأوهام للمعارضة السياسية السورية، ويسوّقون أن بلادهم تقف معها، مع وعود بالدعم، خاصة بعد أن قادت مجموعة “أصدقاء الشعب السوري”، في حين أنها قامت، بالمقابل، بابتزاز المقاتلين في “الفصائل المعتدلة”، من خلال تقليص الدعم المحدود والتمويل، ومنع وصول السلاح النوعي إلى أيديهم، الأمر الذي أسهم، بالإضافة إلى جرائم النظام السوري الممنهجة، في استفحال ظاهرة التطرف، وتنامي قوة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، على حساب تدهور وضع تشكيلات الثوار.
أما موقف الولايات المتحدة من الانتخابات في سوريا كان متواقفاً مع الموقف الفرنسي والبريطاني فقد اعتبر نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، أن الانتخابات البرلمانية “غير شرعية”، ولا تمثل إرادة الشعب.
روسيا حدة في المواقف ومرونة لم نعهدها:
نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في العام الماضي تحليلاً للموقف الروسي من سورية، ورأت كاتبة التقرير الباحثة في معهد واشنطن آنا بورشيفسكايا، في تقريرها أن “الكرملين يستمر بالدفع بجدول أعمال يخدم مصالحه الخاصة، أي تصوير موسكو بمظهر الوسيط البنّاء الذي يتّمتع بمصداقية، وشريكاً دولياً، وتحويل الانتباه عن العدوان الذي تشنّه روسيا ضدّ أوكرانيا، والسماح لبوتين بتجنب عملية جنيف والحفاظ على الأسد في السلطة”.
واعتبرت الباحثة أن “دعوة بوتين إلى قيام تحالف دولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، تهدف على الأقل جزئياً إلى تعزيز حرب روسيا ذاتها ضدّ المسلّحين في شمال القوقاز، الذين انضمّ بعضهم إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق، وبإمكان مثل هذا الجهد أن يُضفي الشرعية أيضاً على سياسات موسكو الاستبدادية في تلك المنطقة، التي ساعدت على تنامي التطرّف هناك في المقام الأول”.
في غضون ذلك، لفتت الباحثة بورشيفسكايا إلى أن “موسكو تواصل التأكيد بأنه لا غنى عن الأسد في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من التقارير الأخيرة التي أشارت إلى أنّ الكرملين يبدي مزيداً من المرونة بشأن هذه النقطة، حتى أن لافروف، في 9 آب/ أغسطس، انتقد بشدة إصرار واشنطن على ضرورة رحيل الأسد”.
في المقابل فإن الموقف الروسي حيال الانتخابات التشريعية في سوريا لم يكن بالحدة التي عهدناها من الكرملين ، فقد قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن الانتخابات تهدف إلى تفادي فراغ تشريعي قبل إجراء انتخابات مبكرة بموجب دستور جديد.
وأضاف في إفادة صحفية “يجب أن تتفق الأطراف السورية على دستور جديد بشأن رؤيتهم للكيانات اللازمة لضمان انتقال راسخ لنظام جديد.
“هناك تفاهم بالفعل بخصوص صدور دستور جديد كنتيجة لهذه العملية السياسية تجري على أساسه انتخابات مبكرة”.
وتابع “لكن قبل أن يحدث ذلك يجب أن نتفادى أي فراغ تشريعي… هذه الانتخابات التي تجري اليوم تهدف للقيام بهذا الدور وهو عدم السماح بحدوث فراغ تشريعي”.
التعليقات مغلقة.