الأزمة السورية والحلّ الاتحادي الديمقراطي
وليد جولي*
مع ظهور بوادر الثورة السورية والتي كانت شرارتها الفعلية من قامشلو تحديداً، في 12 آذار 2004، والتي ظلت محصورة في روجآفا طيلة فترة ما بين 2004- 2011، ليبقى الكرد وحدهم حاملين أعباء مخاض الثورة بكل مآسيها وآلامها؛ بينما كان الداخل السوري بكل اتجاهاته الفكرية وبالتعاون مع النظام القائم منشغلون في كيفية قمع الإرادة الكردية، ظناً منهم إن تلك الشرارة تخصّ الكرد وحدهم وليس المجتمع السوري برمّته، وإن الحراك الكردي هو تمرد أو عصيان على الدستور والسيادة الوطنية، بنفس العقلية والمنطق الذي كانوا يتعاملون به مع ملف المسألة الكردية في العراق، وذلك لتصادف المدة الزمنية بين سقوط بغداد وانتفاضة غرب كردستان آنذاك.
أما من الجانب الكردي والمتمثل بالحركة الكردية الفعلية، فقد كانوا يدركون مدى حجم وجوهر الأزمة التي آل إليها النظام القائم، وانه لابد من وضع الحلول المناسبة للكابوس الحاصل في هيكلية النظام والمجتمع، ودراسة كافة الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وفق السبل والمبادئ التي كانت تحمل بين طياتها الحل الأنسب لكافة القضايا العالقة في سوريا، وحتى على مستوى الأجزاء الأربعة من كردستان والدول الغاصبة لها، وهو حل (الكونفدرالية الديمقراطية في غرب كردستان) وسوريا اعتماداً على الحقيقة التاريخية والاجتماعية والجيوغرافية لروجافا وسوريا. ومن هذا المنطلق عملت الحركة من جانبها على توسيع رقعة الثورة لتطال كافة المناطق السورية وفق تلك الأسس والمبادئ الديمقراطية المعلنة؛ إلا إن النظام وأجهزته الأمنية أقدموا على إحداث شرخ بين روجافا والداخل السوري من خلال قيامهم بإثارة النزعة القومية لدى المكون العربي، مستفيدين من الأزمة العراقية الحاصلة في الوقت نفسه، إثر سقوط نظام صدام البعثي الشقيق له في المنهج والايدولوجيا القومية.
وبهذا انعدمت أسباب وموضوعية التحول الديمقراطي في الداخل السوري أو المكون العربي هناك ليحل محله النزعة القومية المفتعلة من النظام الذي نجح في ذلك بعض الشيء، إلا انها لم تدم طويلاً كون المبني على خطأ يبقى خطأً، بسبب وصول الفكر القوموي الذي انتهجه النظام إلى أعلى مستويات التسلط والاستبداد، ليطال كافة مكونات وشرائح المجتمع السوري.
مع منتصف آذار 2011، خرجت الصرخة ومن جديد، لكن هذه المرة من محافظة درعا منادية بالحرية والكرامة، لتشمل عموم المناطق السورية وتتطور منادية بإسقاط النظام، أسوة بالثورات العربية والتي تم إسقاط أنظمتها من قبل شعبها، ولكن الانعدام الذاتي للفكر الديمقراطي حولت مسار الحراك الجماهيري غير المنظم فكرياً وأيديولوجياً إلى صراع بين اطر متعددة الأفكار والمعتقدات، منهم من أراد التغير بغرض التبديل في شكلية السلطة أي من سلطة مذهب إلى مذهب آخر بدافع الانتقام وتصفية الحسابات القديمة كأحداث حماه 1982بين النظام البعثي وجماعة الاخوان المسلمين، ومنهم من أراد التغيير لأجل التغير فقط وهذه الشريحة كانت من بقايا الأيام الأولى من الحراك؛ تلك الشريحة التي كانت بحاجة الى تنظيم أيديولوجي مبني على القيم والمبادئ الديمقراطية الاجتماعية، ولكن مع انعدام هكذا تنظيم تبعثرت وتلاشت وسط قطعان الذئاب التركية الاردوغانية والرمال السعودية القطرية، ذلك الثالوث الذي لم يبخل بدوره في ضخّ الأفكار المتطرفة والارهابية بين صفوفهم وتسمينهم ودعمهم ضد المشاريع الديمقراطية التي يحملها الكرد في روجآفا.
طبعاً النظام لم يكن من مصلحته معادة الشعب الكردي في مرحلة ما بعد الـ 2011، حيث أبدى حسن نواياه وذلك بإعادة الجنسية للكرد الأجانب وإلغاء المرسوم (49) حرصاً منه على إبقاء الصراع في مناطق الداخل فقط، في عملية عكسية مشابهة لمرحلة 2004، ولكن هذه الخطوة لم تكن وفق المطلوب كونها كانت تكتيكية وليست استراتيجية، أما من الجانب الكردي فقط ظل محافظاً على الرسالة التي حملوها على كاهلهم، وسط مواجهة عنيفة ضد القوى الإرهابية وساستها وحلفائها في الداخل والخارج السوري المتمثلون بالائتلاف السوري والثلاثي التركي السعودي القطري، وبعض الشخصيات الكردية القزمة، وهذا ما أدى الى الاتفاق الوحيد والذي جمع هذه القوى والنظام السوري في الجولة الثانية من المفاوضات في جنيف، تلك الرسالة التي تحولت الى أرقى اشكال الحل الديمقراطي في سوريا وهو النظام الاتحادي الديمقراطي لروجافا-شمال سوريا، وسوريا فدرالية ديمقراطية.
النظام الاتحادي الديمقراطي له من الاختلاف اصطلاحياً عن الأنظمة الاتحادية المعمول به، فهو يتميز بمضمونه بالاتحادية الحقيقية التي تعتمد على الحالة المجتمعية في سوريا، وهو لا يختلف كثيراً عن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية من حيث المضمون والجوهر، حيث يتقبل في كل مكان وزمان بدءاً من العائلة والقبيلة، انتهاءً بالأديان ومذاهبها والأعراق واقوامها وفق ثقافاتهم وخصوصياتهم المجتمعية خالية من القيود والضوابط السلطوية، وهذا ما أثار القلق لدى حاملي الأفكار القوموية والراديكالية، لذلك نجد أن المجتمعون في جنيف قد اتفقوا على وحدة الأراضي السورية مع العلم أن سوريا انقسمت فعلياً منذ استلام حزب البعث مقاليد الحكم سنة 1963، كون تجزئة المجتمع أخطر بكثير من تجزئة الجغرافيا، وأن حلّ النظام الاتحاد الديمقراطي في سوريا هو الضمان الوحيد لوحدة الأراضي السورية، وأي فدرالية او اتحادية غير متوافقة ومترافقة مع الديمقراطية ستكون مصيرها الفشل.
* عضو الهيئة السياسيّة في حزب السلام الديمقراطي الكرديّ في سوريا
نُشر هذا المقال في العدد (40) من صحيفة buyerpress
2016/4/1
التعليقات مغلقة.