دير شبيجل: القوميون الأتراك يريدون مذبحة للكرد على مشارف الانتخابات

35

201509211243582تناولت مجلة “دير شبيجل” الألمانية في تقريرٍ لها أعمال العنف الانتقامية التي بدأت بين الحكومة التركية والأقلية الكردية في البلاد في وقت سابق من هذا الصيف، مشيرةً إلى أنها ستقوض سنوات من مفاوضات السلام. ومع تصاعد الاشتباكات الآن، تواجه تركيا خطر الانزلاق إلى حرب أهلية سيخسر فيها الجميع.

في البداية، سلطت المجلة الضوء على قصة “جميلة” التي خرجت لتتنفس بعض الهواء لشعورها بالضيق الذي فرضه حظر التجول على مدينة “جيزر” بجنوب شرق تركيا. كان ذلك في الثامنة مساء يوم 4 سبتمبر (أيلول). كانت جميلة تستطيع أن ترى ألسنة النيران التي ترتفع في الجبال حيث يقوم الجنود بحرق الغابات لتدمير المواقع التي يختبئ بها المقاتلون الكرد. كان أبوها رمضان كاجيرجا حذرها من “عدم السير في الشارع!”.

كان يمكنها في الخارج، كما هو الحال في هذه الأيام، أن تسمع دوي الطلقات في كثير من الأحيان. وفجأة انفجر صوتٌ مدوٍ في مكان قريب. وعلى الفور انهارت جميلة، الفتاة البالغة من العمر 12 سنة، ذات الشعر الطويل، والعينين البنيتين، في أقراطها المتلألئة. لقد اخترق طلق ناري البوابة الخشبية ومضى إلى الساحة الأمامية وأصاب الفتاة. قال شهود عيان إن الطلقة أتت من عربة مدرعة.

فقدت عائلة جميلة أقارب آخرين في هجوم شنته قوات الأمن التركية قبل ذلك أيضاً. في عام 1992، توفي جد وأخت وخالات وأعمام لرمضان كاجيرجا (7 أشخاص) في إطلاق نار على المنزل نفسه الذي توفيت به جميلة هذا الشهر.

عودة العنف

وقال التقرير إن القتل لا يكرر نفسه في حالة الوفاة لدى عائلة كاجيرجا فحسب، مشيراً إلى أنه لقي 40 ألف شخص، معظمهم من الكرد، حتفهم في حرب أهلية دامية في تركيا بين عامي 1984 و2013. وتتصاعد الأمور على الجانبين مرة أخرى، مع الهجمات التي يشنها حزب العمال الكردستاني والاعتداءات من قِبَل الجيش التركي وفرض حالة الطوارئ والقيود المفروضة على التغطية الإخبارية والمناخ العام الذي يمتزج فيه الخوف والعنف.

وعزت المجلة أعمال العنف الحالية إلى سببين: أولاً، خسارة حزب الرئيس رجب طيب إردوغان “العدالة والتنمية” للأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ثانياً، التفجير الانتحاري الذي وقع بمدينة سروج، بالقرب من الحدود السورية، في 20 يوليو (تموز). أدى الهجوم، الذي نُسب إلى تنظيم “داعش”، إلى قتل 32 شخص، أغلبيتهم الساحقة من الشباب والناشطين الموالين للكرد.

بعد ذلك بوقت قصير، قام أعضاء من حزب العمال الكردستاني المحظور بقتل اثنين من ضباط الشرطة في جيلان بينار، على بعد 200 كيلو متر إلى الشرق، “ردّاً على مجزرة سروج”.

وبعد يومين، بدأت مقاتلات تركية تشن غارات جوية رسمية ضد “جميع الإرهابيين من أعداء الدولة”، حسب وصف الحكومة. كما اتضح، شن سلاح الجو بضع غارات ضد داعش في شمال سوريا – ولكنه استهدف ما هو أبعد من ذلك بكثير ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

ومنذ ذلك الحين، اندلعت الحرب بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني من جديد، وهو ما أتى على ما تبقى من عملية السلام التي جرت على مدى العامين الماضيين. ولقي أكثر من 100 من الجنود وضباط الشرطة حتفهم في الهجمات.

ووصف حزب العمال الكردستاني هذه الجرائم، التي تمت بأدوات تحكم عن بُعد، بأنها “دفاع عن النفس”. وفي الوقت نفسه، صرح إردوغان بأن قوات الأمن التركية، جنباً إلى جنب عدد من المدنيين، قتلوا 2000 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وبات الوضع ساخن جداً بحيث لا تُسمَع الأصوات التي تنادي بالمصالحة.

في الأسبوع الماضي، أعلن إردوغان أن “كل ذلك” لم يكن ليحدث إذا كان أحد الأحزاب – يقصد حزب “العدالة والتنمية” – له 400 ممثل في البرلمان. وهذه النسبة ستعطيه أغلبية الثلثين اللازمة لتغيير الدستور من أجل إدخال نظام رئاسي من شأنه أن يزيد تركيز السلطة في يد إردوغان.

“سنلقي بهم جميعاً”

انتقدت صحيفة “حريات” اليومية بيان إردوغان، مما دفع أنصار حزب “العدالة والتنمية” بالخروج بسرعة في مسيرة مسلحين بالعصي والحجارة إلى مكاتب الصحيفة في إسطنبول على مدار يومين متتاليين. في إحدى المرات، قاد أحد نواب حزب العدالة والتنمية مثيري الشغب، متهماً الصحيفة بأنها “تشبه حزب العمال الكردستاني” مردداً “سنلقي بهم جميعاً”، على حد تعبيره، في 1 نوفمبر (تشرين الأول) .

ولفت تقرير المجلة إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية ظلت في السلطة لأكثر من عقد، لكنها فشلت في تشكيل ائتلاف بعد انتخابات 7 يونيو (حزيران)، ومن المقرر إجراء انتخابات جديدة في 1 نوفمبر (تشرين الأول).

وأوضح التقرير أن خسارة انتخابات 7 يونيو (حزيران) قد حطم أحلام إردوغان في التحول إلى النظام الرئاسي. تعود نكسة إردوغان في الغالب إلى حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للكرد الذي تمكن من اجتياز عقبة 10 في المئة ودخل البرلمان التركي حيث اتهمه كبار السياسيين بحزب العدالة والتنمية بأنه سبب فقدانهم الأغلبية البرلمانية.

وأبرزت المجلة الألمانية الانتقادات التي يوجهها معارضو إردوغان بأنه يدفع البلاد إلى حالة من الفوضى من أجل تصوير نفسه كزعيم قوي، زاعمين أنه يجازف بحرب أهلية من أجل الفوز في انتخابات 1 نوفمبر (تشرين الثاني).

ويعتقد البعض، وخصوصاً الكرد، أنه أراد أيضاً الانتقام من حزب الشعوب الديمقراطي، كما يشي تصريح صلاح الدين دميرتاش أحد زعماء الحزب: “سمح حزب العدالة والتنمية بفشل المفاوضات الائتلافية ويريد تجريمنا بوصفه لنا بأننا إرهابيون والسعي لفرض محاكمات ضد أعضاء الحزب وتشبيهنا بحزب العمال الكردستاني. لذا يثير حزب العدالة والتنمية حرباً أهليةً من أجل الانتقام لفقدان أغلبيته”.

تجدر الإشارة إلى أنه في 8 سبتمبر (أيلول)، اقتحم قوميون متطرفون مكاتب حزب الشعوب الديمقراطية في جميع أنحاء البلاد وأضرموا النار في المباني.

وفي أنقرة، غرّد موظف بالحزب قائلاً: “تتم مهاجمة مقراتنا ولا تقوم الشرطة بواجبها”. وفي اسطنبول، سار الشباب المناهض للكرد في الشوارع حاملين المشاعل وهم يصرخون: “نحن لا نريد عملية عسكرية، نريد مذبحة”.

وفي مئات المواقع في اليوم التالي، كانت السيارات تستخدم أبواقها وهي تلوح بالأعلام التركية، وطافت الشوارع احتفالاً بالعنف. فضّل الكرد غلق أعمالهم في كثير من الأماكن. وأعادت هذه المشاهد للأذهان ليلة المذبحة التي حدثت في سبتمبر (أيلول) 1955، عندما تم طرد الأقلية اليونانية في إسطنبول.

الدفاع عن النفس

وأشار دميرتاش إلى أن أعضاء الحزب وموظفيه لديهم حق الدفاع عن النفس ضد أي معتدٍ وفقا للقوانين. وبعيداً عن لغة دميرتاش الدبلوماسية، صرح جميل بايك، أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العمال الكردستاني، الذي تجاهل كل نداءات حزب الشعوب الديمقراطية لوقف إطلاق النار، هدد القوميين بأنهم “سيعانون بدءاً من الآن”، معلناً أن الحرب سوف تتسع إلى الجزء الغربي من البلاد والمدن.

وتعزز تصريحات جميل بايك السابقة فكرة العديد من الأتراك الذين يرون في حزب العمال الكردستاني قوة ضخمة تريد زعزعة استقرار تركيا.

وبحسب تقرير المجلة، أكدت الحكومة أن التصعيد من جانب إردوغان وحزب العمال الكردستاني قد أثر عليهما بالسلب حتى لو خططا لذلك، حيث تشير استطلاعات الرأي حالياً بحصول حزب العدالة والتنمية على 41 في المئة من الأصوات، وهو الرقم الذي يعكس نتائج انتخابات يونيو (حزيران). ومن المحتمل أن يتمكن حزب الشعوب الديمقراطية من دخول البرلمان مرة أخرى. وعلى الرغم من تحول العديد من أنصاره نتيجة للعنف من جانب حزب العمال الكردستاني، فلا يزال يكسب عدداً من الأتراك غير الراضين عن مسار رئيسهم. فمع وفاة كل جندي أو ضابط شرطة، ينمو الغضب، ليس فقط تجاه حزب العمال الكردستاني، ولكن في اتجاه إردوغان أيضاً الذي يتهمه حتى القوميون الآن بالتضحية بحياة الناس لتحقيق نجاح شخصي.

ويستمر الاقتتال، وخاصة في جيزر وفي الأماكن الأخرى بالمنطقة الجنوبية الشرقية الآهلة بأغلبية كردية ساحقة. كما انفصلت عدة بلديات عن تركيا، وأعلنت الحكم الذاتي. ويحمل الشباب الكرد بنادق الكلاشنيكوف وقنابل المولوتوف والحجارة. تم فصل مدينة جيزر فعليا عن العالم الخارجي لأكثر من أسبوع بعد أن احتلها الجنود والشرطة وفرضوا عليها حظر تجوال، وبعد انقطاع لمدة 24 ساعة، أعادوا الحظر ليوم آخر.

ويعمل الإنترنت والهواتف بشكل غير منتظم لمنع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من الاتصال. ولا يزال الناس يخشون الخروج إلى الشوارع، خوفاً من تعرضهم للقتل. ويتمكن السكان أحياناً من تحميل صور لضحايا جدد – مثل صورة تبين أمّاً تنزف حتى الموت بينما تحمل طفلاً مصاباً بجروح خطيرة أو سيدة عجوز ملقاة في الشارع.

وكالات

التعليقات مغلقة.