يروي صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سورية، أنه زار اللواء غازي كنعان رئيس شعبة الأمن السياسي حاملاً مطالب كردية لرفعها إلى الرئيس بشار الأسد. ويضيف أن كنعان أمر خلال اللقاء باعتقاله لـ «تأديبه» وأوكل المهمة إلى اللواء علي مملوك.
ويرى الزعيم الكردي أن سورية استسلمت أمام تركيا في اتفاق أضنة وأذعنت لشروطها، ويتحدث عن مغادرة عبدالله أوجلان زعيم «حزب العمال الكردستاني» سورية وصولاً إلى وقوعه في قبضة الأمن التركي. ويقول صالح ان «الجمهورية العربية السورية» جلبت البلاء للسوريين داعياً إلى قيام «الجمهورية السورية الديموقراطية»، رافضاً ربط مصير شعب ودولة بمصير شخص واحد. وهنا نص الحلقة الثانية:
> صورة المؤسسات الأمنية لديكم ليست واضحة لدي.
– حين نتحدث عن «وحدات حماية الشعب» نتحدث عن محترفين يتدربون لشهور، ثم تصبح حياتهم مرتبطة بهذا العمل الدفاعي الطابع. إنهم متطوعون. من يشملهم التجنيد الإلزامي لا ينضمون إلى «وحدات حماية الشعب». هذه نسميها قوات الدفاع الذاتية. من كل أسرة يذهب شخص ويتدرب لستة شهور ويتسلم سلاحاً ويعود إلى بيته ليساهم في حماية قريته إذا تعرضت لهجوم.
> وهناك أيضاً «وحدات حماية المرأة». لماذا هذا الاهتمام الاستثنائي بالمرأة؟
– المرأة نصف المجتمع وهي شريكة في المؤسسات وتستطيع القيام بالمهمات المطلوبة. نحن في الحزب لدينا رئاسة مشتركة. رجل وامرأة. الرئيسة المشتركة حالياً هي آسيا عبدالله. إن مشاركة المرأة فعلية وحقيقية لدينا لأن هذا الدور جزء من فهمنا للمجتمع وحقوق الأفراد ورفض التمييز وتكبيل الطاقات.
> هل كانت هناك انتحارية كردية في معركة كوباني؟
– لم تكن هناك عملية انتحارية. أحياناً يكون هناك اضطرار للقيام بعملية فدائية. مثلاً آرين مركان كانت مع رفاقها في معركة كوباني. تقدمت الدبابة في اتجاههم وليست لديهم أسلحة لتدميرها. فجرت نفسها بالدبابة لإنقاذ رفاقها. آرين فتاة من كوباني. جمعت ما لديها من متفجرات وألقت بها في الدبابة. كانت هناك حالات مشابهة في مناطق أخرى، لكن حادثة آرين جاءت في ظرف حساس جداً، واعتبرت دليلاً على تصميم الأكراد على دحر «داعش». هناك شبان قاموا بعمليات مشابهة.
> مخيف القتال ضد «داعش»، أليس كذلك؟
– أنا في الحقيقة لم أشارك في القتال، لكننا كنا نعيش الأجواء لحظة تلو لحظة. طبعاً من يقرر الانتحار يعطي المعركة طابعاً أكثر حدة. لكن المشكلة ليست فقط في أن شخصاً اختار الانتحار، المشكلة أنه صار يهاجمك بأسلحة حديثة. هو يملك أسلحة حديثة وعقلية متخلفة ويصعب عليك التكهن بما سيفعل.
> هل قصدت القول ان «داعش» عقلية متخلفة تستخدم أسلحة حديثة؟
– هذا ما قصدته بالضبط. من كان يحارب بالسيف صار يقاتل بالدبابة وصواريخ «تاو» من دون أن ينتمي إلى التقدم العلمي والإنساني الذي تحقق بين زمن السيف وزمن الصاروخ.
> هل كانت كميات الأسلحة التي استولى عليها «داعش» من الجيش السوري كبيرة؟
– نعم، وفي نقاط عدة.
> هناك من يتهم النظام بتكبير خطر «داعش» ليرغم دول العالم على العودة إلى التعامل معه.
– إنها لعبة خطرة. ربما هذا حصل حين تم الإفراج عن السجناء من الإسلاميين المتطرفين. ولا أشك في أن المخابرات السورية أرسلت مع هؤلاء أو من ضمنهم عملاء لها لاختراق «داعش» وأشباهه، وهم أصحاب خبرة في هذه الأعمال. في أي حال إنها لعبة خطرة.
> هل تعتقد أن المخابرات السورية تخترق «داعش»؟
– أنا اعتقد أن «داعش» ليس رأساً واحداً ولا جسماً واحداً. مثلاً «داعش» الذي كان يهاجم الكرد كانت له علاقات مع أطراف تركية. عندما يأتي «داعش» ويصدر مجلة اسمها «دابق» فللأمر معانيه التركية.
> هل تعتقد أن النظام السوري أفرج عن إسلاميين ليتيح لهم فرصة الالتحاق بـ «داعش»؟
– لا شك. أنا أقول «داعش» وأخواته. هناك أيضاً «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «لواء التوحيد» وما هب ودب. يبدو أن أجهزة في النظام قامت بألعاب خطرة. أليس لافتاً مثلاً أن تتقاتل تنظيمات إسلامية في حلب وعلى أرض ليست بعيدة من خط التماس مع الجيش النظامي؟
> من أين تغطون تكاليف الحرب، من النفط أم الزراعة أم الضرائب؟
– الدعم الأساسي هو من الشعب الكردي. شعبنا في الجنوب (كردستان العراق) ساعدنا. شعبنا في الشمال (في تركيا) يساعدنا في الأمور الإنسانية. المساعدة من كردستان العراق كانت مالية وشملت أسلحة. الكرد منتتشرون في أوروبا وعددهم حوالي مليونين قاموا بدورهم أيضاً. وهناك طبعاً منظمات إنسانية والهلال الأحمر الكردستاني.
> هل تبيعون النفط الموجود في مناطقكم؟
– هناك استخدام للاستهلاك المحلي.
> كم تبلغ كمية النفط في مناطقكم؟
– لدينا نفط منطقة الرميلان والمناطق المحيطة.
> هل تتوقع أن تأتي ساعة يعيد النظام السوري الحالي فيها فرض سلطته على كل أنحاء البلاد؟
– لا أعتقد أبداً أن سورية ستعود إلى سابق عهدها أي سيطرة حكم الحزب الواحد والقومية الواحدة والعلم الواحد الذي يعبر عن نهج متطرف. نحن نعمل جاهدين، وبصدق، من أجل سورية ديموقراطية ولا مركزية. نحن نأخذ الإدارة الذاتية الديموقراطية كمثال قابل للتعميم على كل أراضي سورية نظراً إلى التنوع الموجود على هذه الأرض. نحن نتحدث عن الدروز والعلويين والإسماعيليين والتركمان وإخواننا المسيحيين. كل هذه المجموعات يجب أن تعبر عن نفسها. ونحن نقبل في النهاية بأي صيغة تتفق عليها المكوّنات بحرية. صيغ الفيديرالية تختلف من مكان إلى آخر. نحن لماذا لا ننطلق من اللامركزية ونعطيها مرونة يمكن أن تكون شكلاً من الحكم الذاتي أو الكونفيديرالية أو غيرها. المهم أن تختار المكونات طوعاً صيغة تعيش في ظلها بعيداً من التهميش أو القهر أو الاستبداد.
> تتحدث المعارضة عن عقدة في مساعي الحل تتناول مصير الرئيس بشار الأسد.
– أعتقد أن من الخطأ تماماً ربط مصير شعب ودولة بمصير شخص واحد. هذا الشخص يمكن أن يهمش لفترة يتبلور خلالها الحل. «الائتلاف» يشترط منذ 2011 إزاحة الأسد. هذا يعني عملياً أنك لا تريد الحل. قلنا سابقاً للمعارضة في اجتماعات في القاهرة فلنضع بنداً ينص على مرحلة انتقالية من ستة أشهر يبقى فيها الرئيس، ولكن جانباً ثم يغادر. رفضوا هذه الصيغة. يجب أن تتعامل بواقعية مع ميزان القوى وإمكانات الحل.
> هل يعني هذا أنك لا ترى مستقبلاً للأسد في سورية على رغم وجود فريق يتمسك ببقائه؟
– أنا لا أعتقد أنه سيكون للأسد مستقبل في سورية بعد كل الذي حدث. دعني أقل ان هذا القرار من حق الشعب السوري. شخصياً لا أرى أن بقاء الأسد ممكن. لا أعتقد أن الشعب السوري سيقبل، أو أن وقف الحرب ممكن استناداً إلى بقائه. لن يكون الشعب السوري عاجزاً عن إيجاد بديل مقبول.
> وماذا لو حاول الجيش السوري العودة إلى مناطقكم؟
– إذا كانت العودة بعقلية جديدة وشروط جديدة لمَ لا. عندها تكون «وحدات حماية الشعب» جزءاً من الجيش السوري. عودة الجيش بالعقلية البعثية والمخابراتية أمر غير مقبول على الإطلاق. لا عودة إلى الماضي.
> كأنك تفترض أن نظام البعث انتهى في سورية.
– لم ينتهِ، لكنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.
> لنفترض أن حواراً للحل جرى بين المكونات. هل تطالبون بأن يعترف الدستور الجديد بقوميتين في سورية؟
– نحن في الإدارة الذاتية الديموقراطية لدينا عقد اجتماعي بلورته مكونات الجزيرة. سيعرض على إخواننا من المجموعات الأخرى، وربما يدخلون عليه تعديلات. نحن لا نفرض وجهة نظرنا ولا نقبل بأن يفرض الآخرون وجهة نظرهم. يجب أن يكون هناك حوار واتفاق. أعتقد أن العقد الاجتماعي الموجود كاف ويحفظ حقوق الجميع لكن الأمر يبقى مرهوناً بالتوافق. قد يبرَم عقد اجتماعي على مستوى سورية يستفيد من تجربتنا في مناطقنا.
> أفهم أنكم تريدون الجمهورية السورية فقط؟
– نعم، الجمهورية العربية السورية أوصلتنا إلى هذا البلاء، فلنجرب الجمهورية السورية الديموقراطية التي تتسع لكل المكونات.
> هل كان هناك تغيير في التعامل مع الكرد بعد غياب الرئيس حافظ الأسد؟
– اتبع النظام السياسة نفسها وكان الاختلاف في الأسلوب فقط. الفارق أن حافظ الأسد كان يمرر سياسته من دون تحدي الكرد في صورة مباشرة. كان الأسد الأب يقول ان الإحصاء الذي أدى إلى تجريد آلاف الكرد من جنسيتهم جائر وحدث في عهد الانفصال (1962). طبعاً هذا كلام، فالحكومة التي كانت موجودة آنذاك كانت تتلقى تعليماتها من البعث. كل وزراء الحكومة وافقوا على الإجراءات بحق الأكراد. يمكن فهم ذلك في ضوء رغبة الأسد الأب في استخدام ورقة الأكراد ضد تركيا. كانت أقبية المخابرات مليئة بالمعتقلين الأكراد لكن الأسد الأب لم يكن يستخدم لغة التحدي في التعامل العلني معهم. في التسعينات كان هناك مئات الأكراد في أقبية المخابرات على رغم اعتقادهم أن هؤلاء أنصار «حزب العمال الكردستاني». في عهد بشار صار تحدي السلطة الأكرادَ ظاهراً وملموساً. كان رجب طيب أردوغان يأتي إلى الحميدية وحلب ويجول مع الرئيس السوري ويقول له «أخي بشار». دفع الأكراد ثمن التقارب السوري – التركي، وظهر ذلك جلياً في 2004. اتبعت سياسة تقوم على التحدي السافر للأكراد إرضاء لتركيا. جوهر السياسة المعادية للأكراد استمر في كل أيام البعث. ما سمي «الحزام العربي» طبق في 1974 أي في عهد حافظ الأسد، على غرار ما فعله صدام حسين في العراق. أي محاولة تغيير التركيبة السكانية عبر المستوطنات. في عهد بشار اتسم الأسلوب بالتحدي. مثلاً في محافظة الرقة كان محظوراً تسجيل أي بيت باسم كردي.
> هل كان ملف الكرد في عهدة جهاز المخابرات؟
– طبعاً. أجهزة المخابرات على أنواعها.
> هل كنت تلتقي مسؤولين في المخابرات السورية؟
– كانوا يعتقلوننا فنلتقيهم.
الزيارة المكلفة
> من التقيت منهم مثلاً؟
– اللواء غازي كنعان وكان رئيساً لشعبة الأمن السياسي. كانت انتفاضة القامشلي حدثت في 12 آذار (مارس) 2004. حصل توتر كبير وشكلت لجنة لاحتواء الأوضاع وكنت من ضمنها. أعددنا رسالة موجهة إلى الرئيس بشار الأسد. حملتها إلى كنعان لينقلها إلى الرئيس فأمر في مكتبه باعتقالي وتأديبي، وأرسلني إلى فرع الفيحاء ليشرف اللواء علي مملوك على عملية تأديبي. دخل اثنان من زبانيته وأخذاني من المكتب إلى مقر الاعتقال.
قال لي كنعان: «خير إن شاء الله لماذا جئت إلي؟». فقلت: «لدينا رسالة أرجو إيصالها إلى الرئيس». قال: «من أنتم كي تخاطبوا الرئيس. أنتم تسببتم في بلاوي آذار وكل الناس تلومكم وتشتمكم. أنت مفروض أن تكون في السجن وليس خارجه». وقال: «أنا سأؤدبك». وانطلق في فيض من الشتائم والألفاظ التي أخجل أن اعيدها. كلمات بذيئة بحقي وحق الحزب (حزب الاتحاد الديموقراطي) وحق الأكراد. راح يهددني، ثم ضغط على زر فدخل اثنان اعتقلاني وقال لهما «خذوه أدبوه».
> وماذا حصل لدى مملوك؟
– استقبلني مملوك بكمية من الشتائم واللغة الاحتقارية وبألفاظ قذرة. مرات عدة تحت التعذيب تمنيت أن أقتل كي لا أسمع الألفاظ التي كانت توجه إليّ. استمر هذا الوضع نحو أربعة أشهر منها 75 يوماً في المعتقل الانفرادي. تعرضت لشتى أشكال التعذيب. ضرب على الأرجل والجسم وأصبت مرتين بنزف في قدمي واضطروا لإحضار طبيب. تعرضت لعملية تعليق لساعات وهذه شديدة الصعوبة. وفي السجن الانفرادي تركوني عارياً من كل ملابسي لأنام على أرض الغرفة. كان السجان يأتي في منتصف الليل ويسكب علي الماء البارد كي يحرمني النوم. الغرفة كانت بطول متر ونصف وعرض متر. الذين كانوا يتولون التعذيب كانوا يغطون عيونهم لكنني فهمت أن مملوك كان يتابع أحياناً عملية تعذيبي.
> لماذا أفرج عنك؟
– عُيّن كنعان وزيراً للداخلية وتولى مكانه محمد منصورة (أبو جاسم) الذي كان نائبه. اعتذر منصورة، وقال انه لم يكن قادراً على فعل شيء خلال وجود كنعان. استدعاني إلى مكتبه وأطلق سراحي. كان منصورة يعرف موضوع الأكراد أكثر من كنعان.
> كم مرة اعتقلت؟
– الاعتقال لدى كنعان لم يكن الأول ولا الأخير. في أيام الأسد الأب أخضعت لتحقيق، لكن لم اعتقل. في العهد التالي اعتقلت مرات عدة ولمدد مختلفة أحياناً، لأسبوع أو عشرة أيام. إنه أسلوب التخويف والترهيب. في 2005 مثلاً، اعتقلت ووضعت في سجن المسلمية في حلب.
في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، دهموا منزلي ولم أكن هناك فاعتقلوا زوجتي. اعتقلوا أيضاً الأستاذ عثمان سليمان رفيقنا وصديقنا. في ذلك الوقت حصل توتر في كوباني بين الأكراد والأمن. جاءت الأوامر على الشكل الآتي: اعتقال صالح مسلم وزوجته عائشة أفندي وعثمان سليمان وامرأة أخرى اسمها كوثر. كنت في حلب في مكتب الهندسة، اتصلت ابنتي بي في الرابعة صباحاً وأخبرتني باعتقال زوجتي. اتصلت هاتفياً بمدير المنطقة فسألني عن مكان وجودي، فعرفت أنهم يريدون اعتقالي فتواريت. لم أذهب إلى كوباني وبقيت في حلب. الأستاذ عثمان استشهد بعد شهرين. عذبوه إلى أن شارف الموت. سلموه إلى أهله وأجريت له عمليات، لكنه توفي. لم تتعرض زوجتي لتعذيب بدني لكنهم وضعوها مع السارقات والمرتكبات. وفهمت لاحقاً أن الأوامر كانت تقضي باعتقال الأشخاص الأربعة وتقديمهم بعد سنة إلى المحاكمة. زوجتي وكوثر اعتقلتا عرفياً لتسعة أشهر، ثم قدّمتا إلى المحاكمة وبعد ذلك تغيرت الأوضاع. أنا بقيت حتى 2010 متوارياً عن الأنظار.
> ما هي قصة مكتومي الجنسية بين أكراد سورية؟
– هناك نوعان: مكتومو الجنسية الذين لم يسجلوا أنفسهم، والذين سحبت منهم الجنسية بمرسوم. نتحدث هنا عن إحصاء 1962. سحبوا الجنسية من حوالي مئة ألف كردي بحجة أنهم جاؤوا من الخارج. استمر هؤلاء في الإقامة، لكن من دون أوراق وجوازات سفر أو قدرة على التملك.
> كانت لحافظ الأسد علاقة جيدة مع أكراد كردستان العراق، وكذلك مع عبدالله أوجلان ومع ذلك استمر وضع الأكراد في سورية على ما تقول. أليس ذلك غريباً؟
– كان حافظ الأسد يقيم علاقة تكتيكية مع أوجلان، ولم يكن يتعامل عملياً مع الشعب الكردي. كان يريد جمع أوراق ضد النظامين العراقي والتركي وكان يدرج العلاقات مع الأحزاب الكردية في هذا السياق. كان أوجلان يعرف ذلك لكن العلاقة كانت مفيدة للطرفين. أوجلان كان يريد مكاناً لتدريب أعضاء الحزب.
> أعطوه معسكراً في البقاع؟
– لا لم يعطوه. في 1979 قبل الانقلاب العسكري، بدأ أعضاء في «حزب العمال الكردستاني» الخروج من تركيا بتعليمات من الحزب، وطلب منهم عدم الابتعاد كثيراً تمهيداً للعودة لاحقاً. أقام الحزب علاقات مع التنظيمات الفلسطينية، مع «الجبهة الشعبية» و «الجبهة الديموقراطية» و «فتح». كانوا مقيمين مع المنظمات في البقاع، وكانوا يتحركون بهويات فلسطينية ولم تكن لهم علاقات بسورية أو الأسد.
استمر ذلك إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982. وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت واستمرت إحدى المجموعات تقاتل في قلعة الشقيف في جنوب لبنان، حيث استشهد 11 مقاتلاً من «حزب العمال الكردستاني». خلال حصار بيروت راحت المنظمات الفلسطينية تطلب من الحزب أن ينشر عناصر مع الحواجز الفلسطينية لتعزيز صمودها. غادر الفلسطينيون معسكرات البقاع لكن الأكراد بقوا فيها واشتبكوا مع الإسرائيليين. الجيش السوري انسحب هو الآخر. لاحقاً حاول الفلسطينيون استرداد المعسكر فرفض الحزب. حاول الجيش السوري السيطرة عليه فهدد الحزب بالاشتباك معه. اعتبر الأكراد أنهم حصلوا على معسكرهم بدماء شهدائهم. هذه هي قصة المعسكر في حلوة في البقاع.
هنا بدأت سورية تبحث عن علاقة مع «حزب العمال الكردستاني». حافظ الأسد ذكي في هذا المجال.
> أين كنت أنت؟
– كنت أعمل في السعودية، وعدت إلى سورية في 1983 في إجازة والتقيت عبدالله أوجلان.
> كيف كان اللقاء؟
– تعرفت إلى الحزب خلال عملي في السعودية. تعرفت إلى أحد العمال وهو كادر في الحزب وحصل نقاش ورأيت أن أفكارنا متقاربة. أخذت منه بعض الأسماء قبل زيارة سورية. لم أكن رأيت صورة أوجلان. جاء شخص وأخذني من مقر إقامتي في دمشق. قال لي: «القائد بدو يشوفك». ذهبنا إلى بيت في المزة على ما أذكر. صعدنا إلى قرب الطابق الرابع، فاستقبلني شخص معانقاً. اعتقدت أنه الشخص الذي سيدخلني إلى مكتب أوجلان، وإذ بي أكتشف أنه أوجلان نفسه. كان ودياً جداً كأننا نعرف بعضنا منذ وقت طويل. وتكررت لقاءاتنا كلما ذهبت إلى سورية.
> انتسبت إلى «حزب العمال الكردستاني»؟
– لا بقيت في وضع المؤيد.
> ماذا كان يقول لك عن علاقته بسورية؟
– قال ذات مرة ان التعامل مع النظام السوري ليس سهلاً وشبهه بمن يركب الأسد أي يجب أن تكون متمكناً جداً كي لا تسقط ويأكلك الأسد. كان يقول ان التعامل صعب وأن الخطأ مكلف.
> كان يعي أن النظام السوري يستخدمه كورقة؟
– كان يرى منفعة متبادلة في العلاقات. بالمناسبة النظام السوري لم يعطهم مالاً ولا أسلحة. سمح لهم بمقدار من حرية الحركة. كانوا يحصلون على إذن لمرور سيارة فيستخدمون الإذن مرات ومرات لتمرير أسلحة أو أشخاص بعد اندلاع الثورة الكردية في تركيا في 1984.
> ماذا تقول عن اتفاق أضنة السوري – التركي في تموز (يوليو) 1998؟
– اتفاق أضنة هو اتفاق استسلام أذعنت بموجبه سورية لشروط تركيا. لا أعرف كيف وافق الأسد على اتفاق من هذا النوع، وما إذا كان مريضاً في تلك الفترة. وبموجب هذا الاتفاق الذي أعطى تركيا امتيازات تمس السيادة السورية في منطقة الحدود، لم يكن أمام أوجلان غير المغادرة.
> كيف حصل ذلك؟
– تحدث نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام إلى أوجلان. قال ان الحشود التركية أقلقت سورية التي لا تريد الدخول في حرب. وجهت تركيا تهديدات إلى النظام السوري. زار الرئيس حسني مبارك أنقرة، ثم زار دمشق وأقنع الأسد بأن الأتراك جادون في تهديداتهم.
قال خدام لأوجلان أنت ترى التهديدات، فرد أنه يدرك ذلك ولا يريد أن يكون وجوده مصدر أذى لسورية.
كان أمام أوجلان أن يذهب إلى جبال كردستان العراق أو أن يتوجه إلى مكان في أوروبا. كانت هناك دعوة من البرلمان اليوناني تقول فليأتِ أوجلان ونحن نضمن حمايته. تشاور أوجلان مع رفاقه. بدأ الرفاق التحضير للخيارين بانتظار حسم أحدهما. اختار أوجلان التوجه إلى أوروبا لأنه قد يتحول سجيناً في الجبال بعيداً من متابعة المعركة السياسية، ثم إن أي جبل قد يلجأ إليه يمكن أن يتعرض للقصف.
غادر أوجلان إلى اليونان. تنكروا لتعهداتهم. أبقوه ساعات في المطار وبدل منحه اللجوء، أبلغه مدير المخابرات بأنه شخص غير مرغوب فيه. غادر إلى روسيا وأمضى شهراً في منزل السياسي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي. بعد ذلك توجه إلى إيطاليا، ثم عاد إلى روسيا. هنا دخلت ألاعيب الاستخبارات. كان ذلك في 1999 وكان بوريس يلتسين رئيساً ويفغيني بريماكوف رئيساً للوزراء، ويبدو أن لعبة حصلت.
من باع أوجلان؟
> هل تعتقد أن جهاز الـ «كي جي بي» باعه في صفقة؟
– بواسطة أحد الأكراد الذين كان لهم علاقة مع الحزب. مسؤول حزبي قال فليأت أوجلان ونحن نحميه. ذهب من إيطاليا إلى موسكو فلم يستقبلوه وأخذوه لمدة أسبوع إلى قرغيزيستان، كما أعتقد، لأن بريماكوف كان يستعد لاستقبال مادلين أولبرايت، واعتبر أنها قد تحرجه بالسؤال عن أوجلان. بعد أسبوع قالوا له سنأخذك إلى لاهاي. أنزلوه في مينسك ويبدو أنهم كانوا ينوون تسليمه إلى الأتراك هناك. على مدى 24 ساعة، وعلى رغم البرد والثلج رفض أوجلان النزول من الطائرة. غادر ورفضت كل الدول الأوروبية استقبال الطائرة فأنزلوه في جزيرة كورفو اليونانية. قالوا له سنأخذك إلى جنوب أفريقيا لأن نلسون مانديلا وافق على استقبالك. أوهموه بأن النزول في كينيا سيكون محطة لمتابعة الرحلة وأنه سيقيم في سفارة اليونان خلال التوقف. عملياً سجنوه في السفارة، ثم سلموه للمخابرات التركية التي كانت تتعاون مع الأميركيين والإسرائيليين. اعتقلوه في 15 شباط (فبراير) وأخذوه إلى تركيا وحاكموه ولا يزال في السجن. آخر اتصال بيننا كان قبل مغادرته دمشق.
> حزبكم متأثر بـ «حزب العمال الكردستاني»؟
– طبعاً من الناحية الأيديولوجية. لا بد من الالتفات هنا إلى أن العالم تغير، وأننا نطالب اليوم بالاشتراكية الديموقراطية. نعتقد أن غياب الديموقراطية كان من أسباب انهيار ما كان يسمى المعسكر الاشتراكي.
> هل اتصلت بأوجلان بعد اعتقاله؟
– لا.
> لوحظ أن الأحزاب الكردية في سورية لا تستخدم كلمة كردستاني في أسمائها خلافاً للأحزاب الكردية في العراق وتركيا؟
– الحزب الأول الذي أُسس كان في 1957 وبتأثير من عبدالناصر، وكانت هناك أزمة بين سورية وتركيا بسبب ما كان يسمى الحلف المركزي. مارست تركيا ضغوطاً على سورية. فكّر عبدالناصر في الرد. أنشأ إذاعة كردية في القاهرة. واستقبل في 1958 الملا مصطفى البارزاني العائد من الاتحاد السوفياتي. ساعد عبدالحميد السراج بتأثير من عبدالناصر في تأسيس الحزب الكردي الأول. كان «الحزب الديموقراطي الكردستاني» الذي تعرض لاحقاً لملاحقات. بعد المحاكمات تغيرت الأمور واعتمدت كلمة الكردي بدلاً من الكردستاني التي تعني أن للحزب فروعاً أيضاً في أنحاء أخرى من كردستان.
> ما هي قصة الاحتفال بالنوروز أمام قصر حافظ الأسد؟
– لم يكن يُحتفل بالنوروز في شكل علني. بعد 1984، بدأوا الخروج إلى الشوارع وإقامة حفلات. هذه كانت من آثار النشاط الخفي لـ «حزب العمال الكردستاني» الذي كان ممنوعاً من العمل داخل سورية، لكنه كان يتحايل على هذا المنع. قرروا إقامة احتفال للنوروز خارج دمشق، وأعدوا حافلات لنقل المشاركين. منعت السلطات السورية الباصات من نقل الناس. فتجمّع كثر وتوجهوا إلى أمام القصر الجمهوري احتجاجاً وحصل إطلاق نار واستشهد أحد المشاركين. أصدر حافظ الأسد قراراً باعتبار 21 آذار، وهو يوم النوروز، يوم عطلة بوصفه عيداً للأم. عثر على مخرج. هذا هو أسلوب الأسد الأب.
الحياة
التعليقات مغلقة.