عبد الحميد درويش: سوريا باتت غابة للذئاب
بعد سنين طويلة، بل عقود طويلة من الحكم الشمولي في سوريا والذي استمر منذ العام 1958، انتفض الشعب السوري على الوضع الأليم الذي عاشه خلال أكثر من نصف قرن لعله يحقق الحرية والديمقراطية في بلاده سوريا، وكانت البداية في درعا، ثم امتدت الى بقية محافظات ومناطق البلاد كلها، وقد تعامل النظام مع هذه الانتفاضة بقسوة وشدة لكسر ارادة المنتفضين من أبناء الشعب السوري بدلاَ من الحوار والتفاهم معهم.
ولم يمض وقت طويل حتى بادر البعض الى الرد بالسلاح على السلاح بين المظاهرات التي كانت تجري في هذه المحافظة او تلك، منها ماكان رداَ على تصرفات السلطة من قبل بعض قصيري النظر الذين لم يستوعبوا الأمور كما يجب ، والبعض الآخر كان دساَ من السلطة وأجهزة الأمن لتحريف الانتفاضة عن مسارها السلمي وأهدافها المشروعة، ولا ننسى دور الجهات والدول الخارجية في دفع الانتفاضة الى حمل السلاح من أجل تعميق الهوة بين المنتفضين والسلطة الحاكمة.
وشيئاَ فشيئاَ تحولت الانتفاضة الى العسكرة التي عمت معظم أنحاء البلاد، وهكذا أصبح الحل السلمي شيئاَ بعيد المنال، كون السلطة الحاكمة لم تكن صادقة في الاستجابة لمطالب الشعب من جهة، ولأن أياد كثيرة دولية واقليمية أرادت لسوريا أن تنزلق الى الهاوية وذلك بتعميق الخلافات بين المعارضة والسلطة وباطالة أمد الحرب الأهلية.
لقد تحققت أهداف أعداء سوريا وامتد اليها يد الأشرار والمجرمين من أقاصي الدنيا، حتى باتت سوريا اليوم تغوص في بحر من الدماء والدموع، والذين يحرضون لاشتداد القتال أكثر فأكثر يرفعون بنفس الوقت شعار نحن نريد الخير لسوريا وشعبها. ان الوضع الذي تعيشه سوريا اليوم فريد من نوعه في هذه الدنيا، فمهما بحث المرء لايجد نموذج مماثل لما يحدث لسوريا، لايجد له مثيلاَ. ففي كل زاوية من سوريا، شرقاَ وغرباَ، شمالاَ وجنوباَ، تدور رحى حرب مجنونة بمختلف انواع الاسلحة الفتاكة لتدمير البيوت والمنازل وقتل الاطفال والنساء والشيوخ، ويصعب على المرء ان يحدد أطراف هذه الحرب وانتمائهم السياسي، لان سوريا أضحت ساحة مفتوحة لكل شرير، ومشرد ومنبوذ في بلاده.
اننا أبناء سوريا، لانلوم أحداَ من هؤلاء، فهم مرتزقة ومقاتلون تحت الطلب، ولكن اللوم كل اللوم يقع على عاتق الدول الكبرى التي بيدها مفتاح الامور وتستطيع ان تنقذ الشعب السوري من أتون هذه الحرب. وهي كما نفهم من مواقفها وتصريحاتها المتكررة لم تفعل شيئاَ عملياً من شأنه وضع نهاية لهذه الحرب المأساوية، وانما تريد أن تحقق مشاريعها ومخططاتها الخفية من خلال هذه الحرب.
ومن الجدير ذكره بأن النظام البعثي لم يبادر قط منذ بداية الانتفاضة الى الاستجابة لمطالب الشعب السوري في الاصلاح السياسي والاقتصادي المنشودين، وانما اعتمد بكل صرامة الحل العسكري والأمني لاخماد الانتفاضة ووأدها. وبهذه السياسة وهذا الموقف الغريب، أفسح المجال لقوى الظلام وفتح باب سوريا على مصراعيه أمام المتطرفين الاسلاميين خاصة، كي يدخلوا في كل زاوية ومحافظة ويحكموا كما يشاؤون، حتى أضحت سوريا أشبه بغابة للذئاب تنهش جسم فريستها.
اننا أبناء سوريا، علينا وعلينا وحدنا أن نتلمس السبل الكفيلة بمساندة من القوى والدول الصديقة للاتيان بنهاية لهذه الحرب المدمرة والعمل معاَ على انقاذ ماتبقى من سوريا من قوى التطرف الديني والارهاب. التي تريد ان تحول بلادنا الى مركز للظلم القومي والاجتماعي وثقافة شريعة الغاب بقطع رؤوس البشر وأكل لحمهم والتعدي على حرمات الناس وأموالهم.
وباختصار شديد فقد وصل الوضع في بلادنا الى حد لم يعد أحد يستطيع ان يحصي عدد التنظيمات المتقاتلة، ومن يقاتل من، ولايعرف أحد ماهي أهداف هذه التنظيمات المتطرفة الارهابية.
فإلى الوحدة والحوار أدعوا أخواتي واخوتي في كل مكان وموقع لبذل الجهود من أجل انقاذ سوريا الجميلة من هذه الشراذم والتنظيمات الارهابية المتطرفة، من داعش وجبهة النصرة وأمثالهما.. وقبل فوات الأون.
عبد الحميد درويش
سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
18/7/2015
التعليقات مغلقة.