من اتحاد الكتاب العرب الى رابطة الكتاب السوريين

80

سيرة كاتب كردي مشبوه

حليم يوسف

بدون عنوان-1

من تهمة خطر على أمن النظام الى تهمة التعامل مع جهة تنسق مع النظام

كان ذلك في العام 1995 بعد صدور كتابي القصصي الثاني ” نساء الطوابق العليا”، حين اقترح علي أحد الأصدقاء الانتساب الى اتحاد الكتاب العرب في سورية، وذلك بعد استيفاء شروط العضوية، بأن أصبح لدي كتابان، وهو شرط رئيسي من شروط العضوية في هذا الاتحاد. أخذت باقتراح ذلك الصديق وأرسلت طلب انتسابي الى اتحاد الكتاب العرب عن طريق فرع حلب للاتحاد، لأنني كنت وقتها طالبا في كلية الحقوق في جامعة حلب، وكنت مقيما فيها. بعد أشهر من تقديم الطلب أخبرني رئيس فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب الأستاذ (ع. م) وكان كرديا “مثلي” بأن المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب في دمشق قد رفض طلبي ، ودعاني الى شرب فنجان قهوة في فرع الاتحاد في حلب ليتحدث لي عن التفاصيل المتعلقة برفض طلب انتسابي. في تلك الجلسة أوضح لي الأستاذ ع . م بأن أي طلب للانتساب لاتحاد الكتاب العرب يجب أن يحظى على الموافقة الأمنية، عدا عن وجود كتابين مطبوعين. وفي تقرير لجنة التقييم في الاتحاد قال لي أحد أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد – والكلام للأستاذ ع . م – بأنك تشكل خطرا على أمن الدولة، وأن كل كتاباتك ملغومة. وأخرج من حقيبته الشخصية كتابا له. كان كتابا للأطفال ويحتوي الغلاف على صورة كبيرة للياسمين. وتابع حديثه: – اسمعني جيدا، أنا كردي مثلك، وانزعجت حقا من رفض طلب انتسابك. والموضوع لا يتعلق بانتمائك القومي كما ترى، أنا كردي وأترأس فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب. وسألته: – أين المشكلة اذن؟ فرد على الفور: – انظر، أنت عنونت كتابك الأول ب”الرجل الحامل” وقد قرأت الكتاب. أو دعنا من كل قصص الكتاب، ولنتوقف فقط عند قصة الرجل الحامل نفسها. تعرف نحن أكراد ونفهم على بعضنا. أنت كتبت هذه القصة عن العرب المغمورين، ممن غمرت المياه أراضيهم، وبنت السلطة لهم قرى في المناطق الكردية ، بعد أن استولت على أراضيهم، وحكاية ” المستوطنات” هذه معروفة. والرجل في قصتك يحبل قهرا بعد أن تستولي السلطة على أرضه وتعطيها للعرب المغمورين. بربك، هل تتوقع أن تحصل على عضوية اتحاد الكتاب العرب من خلال الكتابة عن هذه المواضيع الحساسة والاستفزازية؟. وتابع حديثه شارحا بنهم: – وأصدرت الكتاب الثاني وسميته ” نساء الطوابق العليا”،أنا لأول وهلة راح تفكيري الى بعيد، وفكرت بنساء الضباط والمسؤولين. ولا أخفي عليك بأنني خفت عليك، خاصة أنك طبعت الكتاب في بيروت ولم تحصل على موافقة الطباعة من دمشق. وكانت معلوماته صحيحة بالطبع. أمام هذا السرد المسهب “لأخطائي” الفاحشة في الكتابة، انتبه الأستاذ ع . م الى تذمري من حديثه، فبدأ يقترح علي حل المشكلة: – انظر الى كتابي مثلا، كتبت قصصا عن الياسمين والورود للأطفال وقلت في هذه القصص كل ما أريد، ولكن بأسلوب بعيد عن العنف أو الاستفزاز الذي نجده لديك. ونصيحتي لك أن تكتب لك كتابين عن الياسمين وعن جمال قلعة حلب مثلا، وأنا أضمن لك قبولك عضوا في اتحاد الكتاب العرب. سأكتفي هنا بما جرى بيننا من حديث. ولا أنكر بأن مشاعر الأستاذ ع . م كانت صادقة، ولو انني أخذت بنصيحته القيمة لمهدت الطريق له لكي يقدم خدمة لأخيه الكردي المسكين الذي ظل محروما من دخول جنة اتحاد الكتاب العرب. أيقظ قرار التجميد الصادر بحقي من قبل المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين، والمنشور في الموقع الرسمي للرابطة بتاريخ العاشر من تموز من هذا العام، هذه الذكريات التي تفصل بينها أكثر من عشرين عام. و يحمل القرار اتهاما لي بنشر معلومات بالغة السرية. وهو اتهام فريد من نوعه لرابطة كتاب، وسبق “أمني” يحسب لمن يقف وراء اصدار هذا القرار. في حين أن المشكلة بدأت بشكوى رسمية قدمها أحد أعضاء الرابطة، وهو “كردي” على خلفية خلاف سياسي بيننا. وتحمل رسالة الشكوى تفاصيل كثيرة تؤكد تعاملي مع جهة كردية تنسق مع النظام، في حين يتوجب على هذه الرابطة الالتزام بأهداف الثورة السورية ومبادئها. وأرفقت المجموعة التي تقف وراء الشكوى رسالتها بتواقيع أسماء من السياسيين والمثقفين العرب والكرد ممن وقع على بيان الأخوة العربية الكردية الذي كان موضع الخلاف، مطالبة بطردي أو بتجميد عضويتي في رابطة الكتاب السوريين. ولتنفيذ طلبهم هذا كان لا بد من تحويل هذه المشكلة السياسية الى مشكلة أمنية هي “نشر أسرار بالغة السرية”، جريا على خطى المؤسسة الأم اتحاد الكتاب العرب، لاصدار هذا القرار. والمفارقة أن المكتب التنفيذي للرابطة قد أصدر بعد يوم واحد من اصدار قرار التجميد بيانا يحمل عنوان ” التعددية الفكرية والحق في الاختلاف”. محاولا الايحاء بأن قرار التجميد يستند الى أسباب أمنية وليست سياسية. وهكذا جرت الأمور، كما انني وبسبب “الخطر على أمن النظام” بقيت خارج اتحاد الكتاب العرب، فانني وبسبب ” تعاملي مع جهة تنسق من النظام” أصبحت خارج رابطة الكتاب السوريين.

وبين هذا القرار وذاك هناك مئات آلاف القتلى، ملايين المشردين، ومساحات واسعة من الخراب الروحي ومن حطام بلاد كانت تسمى في وقت من الأوقات سوريا.  

التعليقات مغلقة.