نقطة سوداء في تاريخنا

29

جوان

جوان سعدون

– نبش التاريخ يكون أشبه أحياناً بصندوق عفن يحتوي مئات الديدان التي تنخر في العفن وبينها جواهر ثمينة لا تقّدر بثمن ، أقصدُ هنا ، صندوق الكنز .. صندوق الدروس والعبر ..

– يتحدّث الرحالة الألماني كارستن نيپور الذي مرّ بكُردستان عام ١٧٧٦ م عن جزيرة بوطان ( جزيرة ابن عمر) في كتابه ” رحلة إلى شبه الجزيرة العربية و إلى بلاد أخرى مجاورة لها ” صـ ٢٩٨ ، فيقول :

” الجزيرة أو جزيرة ابن عمر ، هي مدينة صغيرة على نهر دجلة ، تحكمها منذ سنوات عائلة بوطان الكُردية ، ويسمى زعيمها أمير أو بيك ، وتقع الأراضي التابعة لها والتي تضمّ حوالي ٤٠ إلى ٥٠ قرية بين الموصل ، والعمادية ديار بكر و ماردين . وكان باشا ديار بكر يثبت الأمير في الحكم لأنّه أقوى جيرانه ، لكن منذ أن أصبحت ماردين تابعة لبغداد ، يتدخل باشا هذه الأخيرة في حكم الجزيرة . حالياً ، يتصارع أخوان من عائلة بوطان على الحكم ، فيساعد الباشاوات واحدهما على الآخر بحسب المبلغ الذي يدفعه ، فتنهار المنطقة يوماً بعد يوم . ويستخدم الباشاوات عادة هذه السياسة مع العائلات التي يحقّ لها الحكم في الأقاليم الصغيرة استناداً إلى نسبها ، ومع البدو أيضاً . يحاولون زرع الخلافات بين العائلات الحاكمة . فيستفيدون مادياً ويمنعون هذه العائلات من أن تصبح ثرية و قوية بعدم إبقائها طويلاً في الحكم ، كما لا يهتمون إن أفلست مناطق السلطان وانهارت ” .

– شخصٌ غريب مرّ من تلك المنطقة ولاحظ هذا الأمر بكل بساطة . من المؤسف أن يذكر نيپور سبب تدخل باشاوات بغداد و ديار بكر في هذه العائلة دون ذكر الخلاف أو أطرافه ضمن عائلة بوطان ، ولكن في النهاية يكون الخلاف واضحاً وضوح الشمس ، حبّ السلطة .. وتفضيله على علاقة الدم !

– الواقع الكُردي اليوم لا يختلف عمّا كان عليه قبل ما يقارب مئتي عام و نيّف أثناء زيارة نيپور لكُردستان ، فتجد اليوم تدخّل سلطان الصفويين ( ملالي طهران ) و سلطان العثمانيين ( أردوغان ) بالأطراف الكُردية محاولين بشتى الأشكال زرع بذور الفرقة بين أبناء الشعب الكُردي وأحزابه بهدف نزع أي نجاح يؤسس للكُرد كيان مستقل ، ويقع في فخّهم معظم مثقفينا للأسف خصوصاً من تسلّق على تضحيات شعبه و جعل من نفسه وصياً على حقوق الإنسان ، فتجده كيف يقوم بتخوين أخاه و اتهامه بالإجرام ليُرضي بها سياسة أحد السلطانين وينال قليلاً من المديح أو منصباً يلمّع ذاته الهشة .

التعليقات مغلقة.